يوجد مبدأ طبي يعود إلى أوائل القرن السادس عشر مفاده أن الجرعة هي التي تصنع السم، أي أنه قد يكون أي شيء ضارًا بالكمية غير المناسبة حتى الأدوية اليومية. أثبتت دراسة جديدة نُشرت في مجلة Science Translational Medicine أن ذلك ينطبق على أحد أكثر مسكنات الألم شيوعًا. وفقًا للبحث، قد تزيد الأدوية المضادة للالتهاب -التي تعد دعائم أساسية في الإسعافات الأولية مثل الإيبوبروفين والأسبرين- من احتمالية الإصابة بألم مزمن.
قال المؤلف المشارك في الدراسة جيفري موغيل، الأستاذ في قسم علم النفس في جامعة مكجيل، إنه على مدى عقود عديدة كان علاج الألم بالأدوية المضادة للالتهابات ممارسة طبية معيارية: «لكننا وجدنا أن هذا التسكين قصير الأمد قد يؤدي إلى مشكلات طويلة الأمد».
دعم هذا الاستنتاج معلومات جُمعت من 128 مشاركًا بشريًا وبعض الفئران، إذ جاء البشر في المرتبة الأولى على النقيض من الدراسات السابقة على الأدوية. في البداية، سجل الباحثون 98 شخصًا يعالجون آلام أسفل الظهر بمسكنات الألم المضادة للالتهاب على مدى ثلاثة أشهر. أراد الباحثون بحث آليات حصول الألم، وكيف تؤثر الأدوية فيها، لذلك اختاروا مجموعتين متكافئتين حجمًا، الأولى تتكون من أشخاص اختفى ألمهم خلال الجدول الزمني للتجربة، والثانية من أشخاص استمر الألم لديهم. وجد الباحثون فارقًا ملحوظًا بين الأشخاص الذين تعافوا من الألم والذين لم يتعافوا، يتمثل في نوع من خلايا الدم البيضاء يُسمى العدلات.
فسر موغيل قائلًا: «تزداد العدلات في المرحلة المبكرة للالتهاب وفي مرحلة البدء بإصلاح الأنسجة المتضررة». وُجد لدى المتعافين مستويات متطرفة من هذه الخلايا خلال فترة العلاج، إذ كانت عالية جدًا في البداية مقارنةً بالمجموعة الأخرى، ثم انخفضت بشدة بعد ثلاثة أشهر.
بحث العلماء الأمر مجددًا في دراسة أخرى شملت 30 شخصًا يعانون الاضطراب الفكي الصدغي، وهي حالة مؤلمة تؤثر في العضلات حول الفك والأذنين. كتب الباحثون أن النتائج كانت مماثلة للتجربة الأولى، ما يؤكد أهمية دور العدلات في التعافي من الألم. لمعرفة مدى أهمية هذه الخلايا، احتاج الباحثون إلى مزيد من البحث في التجارب المجراة على القوارض. وجد الفريق أن حجب العدلات يطيل مدة الألم حتى عشرة أضعاف، وأن تناول الأدوية المضادة للالتهاب يطيل المدة إلى الضعف، مقارنةً بالحالات التي لم تحصل على أي علاج.
استخدم الباحثون عقاقير أخرى لتسكين الألم، للتحقق من أن الخصائص المضادة للالتهاب هي سبب إطالة مدة الألم، وليس مجرد التأثير المسكن للألم. وثبتت صحة فرضيتهم، إذ وجدوا أن مضادات الالتهاب تعمل على زيادة الألم وإن كانت فعالة في تسكين الألم على المدى القصير. قال موغيل: «يحدث الالتهاب لسبب، ويبدو أنه من الخطر التدخل فيه». وجدت الدراسة أن الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالألم بعد سنتين إلى عشر سنوات إذا عالجوا الآلام البسيطة بمضادات الالتهاب، ما يطرح سؤالًا: هل يجب علينا إعادة التفكير في تناول الإيبوبروفين في المرة القادمة التي نشعر فيها بألم؟ يجيب الباحثون: ربما ليس بعد.
قالت فرانزيسكا دينك، اختصاصية المناعة العصبية، غير المشاركة في الدراسة: «هذه الدراسة بداية رائعة لتقديم إجابة عن هذا السؤال، لكننا بحاجة إلى التحقق بواسطة مزيد من التجارب التي يجريها علماء آخرون. سيكون من السابق لأوانه تقديم أي توصيات بخصوص الأدوية حتى نحصل على نتائج تجربة سريرية منظمة. ينبغي ألا تثير دراسة كهذه جدلًا حول استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية في علاج الألم. نحن بحاجة إلى مزيد من البحث لتأكيد النتائج، مع أنها مثيرة للاهتمام جدًا».
أضافت المؤلفة المشاركة في الدراسة لودا دياتشينكو: «اكتشفنا أن إزالة الألم هي عملية بيولوجية نشطة. تجب متابعة هذه النتائج بتجارب سريرية تقارن مباشرةً الأدوية المضادة للالتهاب بمسكنات الألم الأخرى التي تخفف الآلام دون أن تعطل الالتهاب».
اقرأ أيضًا:
الاستخدام المفرط لمسكنات ألم الأسنان لوّن دم امرأةٍ باللون الأزرق
تأثير مسكنات الألم على خصوبة الرجل: ما مدى التأثير وكيف يعمل؟
ترجمة: هيا منصور
تدقيق: أكرم محيي الدين