مع كل التقدم الذي حققته المرأة في العالم الحديث، ما زال الأمر ليس سهلًا لأن العالم يطلب منها أن تكون مثالية، ومحاولة تلبية توقعات الآخرين يومًا بعد يوم قد يؤثر في الصحة العقلية، وفي هذا السياق تتحدث عالمة النفس سوزان ألبرز عما يسمى بمتلازمة الفتاة الجيدة، فما هي؟

لم يظهر مفهوم متلازمة الفتاة الجيدة (Good Girl) في الطب، وإنما نتج عن الثقافة الشعبية بما يُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي، وعند التفكير في هذا المصطلح، تُستحضر صور فتيات هادئات يعتنين بالآخرين ولا يسببن المشكلات، وكثير من التوقعات الأخرى حول الجمال والذكاء والطموح والطاعة.

تقول الدكتورة ألبرز إن هذا المصطلح قد يكون يساعد على التفكير في الأنماط السلوكية، وبتعريفها تقول: «هي ما يظهر من السمات التي تُمدح عند الفتيات، ويرتبط الأمر كثيرًا بطريقة تعامل المربّين مع الفتيات، وكيف تشكّل هذه التفاعلات سلوكهن».

وتشرح أيضًا كيف تتجذر في المجتمعات التوقعات النمطية بما يجب على المرأة أن تكون والدور الذي يجب أن تؤديه. وعندما تنحرف الفتيات المصابات بمتلازمة الفتاة الجيدة عن هذا السلوك النموذجي، فإنهن يشعرن بالذنب أو يخشين حكم المجتمع عليهن.

علامات قد تظهر عند الإصابة بمتلازمة الفتاة الجيدة

متلازمة الفتاة الجيدة ليست حالة صحية أو عقلية قابلة للتشخيص، وإنما مجموعة من السمات التي تسبب الضرر عند وصولها إلى مراحل متقدمة. فظهور أعراض كهذه تؤثر في الصحة النفسية وفي العلاقات اليومية، أو في القدرة على الشعور بالسعادة في الحياة، يستدعي زيارة معالج نفسي.

تقول الدكتورة ألبرز إن معظم النساء سيرين أنفسهن في واحدة أو أكثر من السمات الست التالية، لكن المهم هو شدة التأثير السلبي لهذه السمات، وإن كانت تدفع الفتاة المصابة إلى التصرف بطريقة غير متناسبة معها.

 الكمال

من المستحيل أن تتسم الفتاة بالكمال بنظر الجميع، لكن هذا لا يمنع الكثيرات من المحاولة! قد تمنح التوقعات العالية للفتيات إحساسًا قويًا بالانضباط الذاتي، لكن المشكلة تظهر عندما يُبنى الإحساس بقيمة الذات على الإنجاز وعلى كيفية إدراك الآخرين للفتاة، وعند التعامل مع متلازمة الفتاة الجيدة قد يكون الكمال وسيلة لعزل النفس عن النقد أو الحكم من الآخرين.

تشرح الدكتورة ألبرز: «الفتيات المصابات بمتلازمة الفتاة الجيدة حساسات اتجاه ردود فعل الآخرين … وقد يسبب هذا حلقة مفرغة، إذ تسبب متلازمة الفتاة الجيدة مشكلات في الصحة النفسية لتؤدي بدورها إلى تفاقم متلازمة الفتاة الجيدة».

إرضاء الناس

الفتيات اللواتي يتعاملن مع الناس لإرضائهم جيدات في توقع ما يحتاج إليه الآخرون، ويشعرن بالأمان والقيمة عندما تلبية هذه الاحتياجات. والنتيجة هي عدم القدرة على التحدث عند التعرض لسوء المعاملة، ولا حتى عن التعبير عن احتياجات مختلفة، بل يشعرن بأنهن مجبرات على الامتثال للأمور.

ليس من الجيد أبدًا الشعور بالقيمة عندما يكون الشخص مفيدًا للآخرين فقط، وإنه أمر سلبي خصوصًا لدى الفتيات اللواتي يعانين من متلازمة الفتاة الجيدة، إذ يركزّن على تلبية الاحتياجات الكبيرة التي لا يمكن تحقيقها، كأن تكون الشريكة المثالية والوالدة المثالية وأفضل صديقة، دون التسبب للآخرين بأي إزعاج بشأن احتياجاتها الخاصة.

 وضع الآخرين أولًا

يشير مصطلح رفض الذات إلى التضحية وإنكار الشخص لمن هو عليه من أجل شخص آخر، والمصابة بمتلازمة الفتاة الجيدة تتعامل مع ذلك أيضًا، فربما تتخلى عن وظيفة أحبتها لتربية الأطفال لأن شريكها لم يكن مستعدًا لتقديم التنازلات، أو بمثال أبسط، قد توافق على الذهاب لتناول الغداء في مكان يفضّله آخرون مع أنها ترغب في مكان آخر.

بطريقة أو بأخرى، تضع الفتيات المصابات بمتلازمة الفتاة الجيدة احتياجات الآخرين فوق احتياجاتهن، ويجدن صعوبة بتأكيد أنفسهن عند أي مواجهة.

 مشكلات مع صورة الجسد

توضح الدكتورة ألبرز: «غالبًا ما تشعر الفتيات والنساء أنهن بحاجة إلى الظهور بطريقة معينة لإرضاء الآخرين». لهذا السبب غالبًا ما تترافق اضطرابات الأكل مع متلازمة الفتاة الجيدة. وقد تفعل المصابة أشياء أخرى مدمرة للذات باسم الجمال أيضًا، فقد تخضع للجراحات التجميلية لتبدو بمظهر آخر، أو تنفق الكثير من المال الذي لا تملكه على خزانة الملابس لتبدو أنيقة.

 الصعوبات الجنسية

تقول الدكتورة ألبرز، «غالبًا ما يُنظر إلى الفتيات الجيدات بأنهن بريئات ونقيات، ما يسبب معضلة عندما يمارسن الجنس»، فمن تعاني من متلازمة الفتاة الجيدة قد تواجه المشكلات التالية:

– الخوف أو الشعور بالذنب من ممارسة الجنس (أو الرغبة في ممارسة الجنس)، خاصة إذا كان الأشخاص أو الأفعال الجنسية التي ترغب فيها لا تتناسب مع الصورة التقليدية للجنس الأنثوي.

  •  صعوبة فهم الاحتياجات والرغبات الجنسية للفتاة لأن تركيزها دائمًا على متعة الشريك.
  •  الوعي الذاتي حول الجسد يمنعها من الانخراط الكامل مع الشريك الجنسي.
  •  الضغط الداخلي لقول «نعم» للجنس أو الأفعال الجنسية التي تجعلها غير مرتاحة.
  •  صعوبة التعرف على العلامات المنذرة في العلاقات أو الاستجابة لها، وقد يمتد هذا ليشمل الحالات التي تنطوي على اعتداء جنسي أو على نطاق أوسع على عنف الشريك.
  •  تاريخ مرتبط بالتعرض لصدمة

تقول الدكتورة ألبرز إن الفتيات اللواتي يعانين من أشكال متطرفة من متلازمة الفتاة الجيدة غالبًا ما يعانين من صدمة في الطفولة. فأحيانًا، قد تكون السلوكيات المرتبطة بمتلازمة الفتاة الجيدة (كإرضاء الناس والكمال) شكلًا من أشكال اليقظة المفرطة.

اليقظة المفرطة هي حالة من اليقظة المزمنة والشعور بالخطر المرتبط بأمراض الصحة النفسية (مثل اضطراب ما بعد الصدمة)، تنتج عن تكيف بيولوجي يصبح فيه الجهاز العصبي شديد اليقظة، لأنه يريد أن يبقي الأشخاص في مأمن من الضرر الذي عانى منه بالفعل سابقًا. لكن حالة التأهب الدائمة هذه (على مدار الساعة كل أيام الأسبوع) قد تضع ضغطًا هائلاً على الجسم والدماغ.

إذن، لماذا تُعد حالة فرط اليقظة شائعة لدى الفتيات المصابات بمتلازمة الفتاة الجيدة؟ فلنتناول مثلًا فتاة نشأت بطفولة فيها إساءة جسدية.

قد تكون هادئة وخاضعة للحفاظ على سلامتها، وتحاول جعل كل شيء يبدو مثاليًا (ونفسها ضمنًا) لتجنب الصراع. فتتدرب على تقديم الأعذار للمعتدين وإخفاء عواطفها. وفي النهاية هذه السلوكيات التي ساعدتها على النجاة، قد تسهم في تكوين هويتها وطريقتها في بناء العلاقات.

كيفية التغلب على متلازمة الفتاة الجيدة

وفقًا للدكتورة ألبرز، فإن الحصول على الاستشارة النفسية هي خطوة أولى مهمة، إذ تقول: «في أثناء العلاج أو الاستشارة، يجب العمل على علاج التعرض … والبدء بتطبيق خطوات صغيرة، وتعلم التعبير عن الشعور، وكذلك مواجهة الآخرين».

قد يبدو هذا مخيفًا لكنه عملية تدريجية، إذ تؤكد الدكتورة ألبرز أنه على الفتاة أن تتدرب على الشعور بصدق مشاعرها. وتتابع قائلة: «علينا أن نمنحها الوقت … لأنها متلازمة معقدة وعميقة حقًا. قد يستغرق معالجتها بعض الوقت لأنها سلوك متأصل لدرجة أن الناس لا يتمكنون من رؤيته أو إدراكه في الكثير من الأحيان».

 تحديد المشاعر والتحقق من صحتها

يُعد هذا من الأشياء الرئيسية التي ستعمل عليها المصابة في العلاج، توضح الدكتورة ألبرز: «غالبًا ما تبدو الفتيات المصابات بمتلازمة الفتاة الجيدة سعيدات في أغلب الأوقات، ولكنهن يشعرن في أعماقهن بالغضب والاستياء، وكل هذه المشاعر السلبية التي تتعلم النساء قمعها أو عدم امتلاكها … إن هذه المشاعر موجودة لديهن وهي حقيقية جدًا، ويجب الاعتراف بها، وأن تدرك الفتيات أنهن بخير مع كل ذلك».

 تعلّم وضع الحدود

يساعد المستشارون على التصرف جيدًا ووضع الحدود، فقد يساعدون مثلًا في تعلّم قول «لا» للناس دون الشعور بفعل شيئ خاطئ، حتى لو كان الدفاع عن النفس يتسبب أحيانًا برد فعل سلبي من الآخرين، يجب سؤال النفس دائمًا: «هل ألبّي احتياجاتي الخاصة في هذه الحالة أيضًا؟».

تقول الدكتورة ألبرز: «قد يتطلب الأمر بعض القوة والشجاعة لعدم التراجع». لكن وجود معالج لتقديم المساعدة خلال تلك الفترة الانتقالية قد يجعل الأمور أسهل.

 عدم نقل هذه المتلازمة أو توريثها

يشعر الوالدين بالتوتر بعض الشيء بعد أن علموا أن التنشئة هي جزء أساسي للإصابة بمتلازمة الفتاة الجيدة، ولكن الأخبار الجيدة توضّح أنه بالإمكان فعل الكثير لمنع إصابة الأطفال بهذه المتلازمة، أو بدء التخلص منها إذا كانت موجودة لديهم بالفعل.

 تجنب استخدام صفات جيد وسيء

تقترح الدكتورة ألبرز تجنب مصطلحات مثل الفتاة الجيدة والولد الطيب والطفل الجيد تمامًا. وتشجع على توخي الحذر واستخدام لغة حيادية ومناسبة عند التعامل مع الأطفال.

وبدلًا من ذلك، يُنصح بالتعليق على سلوكيات محددة، كمدح الجهد المبذول مثلًا، وهذه الديناميكية لا تنطبق فقط على الفتيات. فإخبار أي طفل بأنه جيد عندما يكون متوافقًا وهادئًا ويلبي احتياجات الآخرين باستمرار قد يكون له عواقب طويلة المدى.

 استمع إلى الحدس

تقترح الدكتورة ألبرز على الآباء أيضًا أن يعلموا الأطفال الاستماع إلى صوتهم الداخلي (حدسهم).

تحذر الدكتورة ألبرز: «عندما لا تستمع إلى حدسك، فإن ذلك يجعلك عرضة للاستغلال أو وضعك في بعض المواقف الخطيرة جدًا». إذا كنت تخشى أن تكون وقحًا، فقد لا تستمع إلى حدسك وتبتعد عن الأشخاص السيئين والضارين. في الواقع، قد تجد نفسك تحاول إصلاحهم أو كسب عاطفتهم.

وتتابع قائلة: «مع الأطفال، عندما تعلمهم أن يكونوا فتيات طيبات أو أطفال طيبين: فإنهم يصبحون عرضة للأشخاص السيئين وهدفًا سهلًا». وإن الأطفال الذين يخشون أن يحكم عليهم آباؤهم على أنهم سيئون هم أكثر عرضة للحفاظ على الأسرار.

إن تعليم الأطفال الثقة بأنفسهم سيمنحهم الثقة التي يحتاجون إليها وطلب المساعدة عندما يحتاجون إليها.

اقرأ أيضًا:

ما متلازمة الفتاة المحظوظة؟ وكيف تساعد على مواجهة التفكير السلبي؟

دراسة سريرية تشرح كيفية التوقف عن التفكير الزائد في الأشياء

ترجمة: سارة دامر

تدقيق: ألاء ديب

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر