لا شيء يشبه الأرض وقمرها في النظام الشمسي بأكمله، فإما أن يكون للكواكب الأخرى أقمار متعددة، وإما أن لا يوجد لها أقمار إطلاقًا، لكن نسبة كتلة كوكبنا وقمره الضخم فريدة من نوعها.
لهذه الأسباب تُعد مسألة أصل قمرنا غير المعتاد مسألةً تتعلق بتطور الكواكب، وتتطلب معرفة المسارات التي سلكتها التكوينات المختلفة للكواكب والأقمار. وتقول النظرية الرائدة حاليًا إن القمر ابن الأرض أو شقيقها، أي تولّد من نفس المادة في نفس المنطقة من النظام الشمسي.
يطرح بحث جديد تحديًا لهذه الفكرة، إذ يقترح أن القمر ربما نشأ في مكان آخر من النظام الشمسي واحتضنته الأرض لاحقًا بفضل قوة الجاذبية. وقد أجرى علماء الفلك دارين ويليامز ومايكل زوغر من جامعة بنسلفانيا بعض الحسابات ووجدوا أن الاستيلاء على الأقمار بواسطة الجاذبية ممكن بالنسبة للكواكب المشابهة للأرض، وهذا يشكل أصلًا محتملًا لنظام الأرض والقمر الذي نرصده اليوم.
لدينا الكثير من الأدلة على أن الأرض والقمر مكونان من نفس المادة الأساسية، فالتركيب المعدني لكليهما متطابق، وهو ما تتوقعه إذا تشكلا من نفس المادة. وفرضية الاصطدام العملاق هي التفسير السائد لهذا التشابه، إذ ارتطم شيء كبير بالأرض واندمج الحطام الناتج مرة أخرى ليشكل كوكبًا والقمر.
توجد طرق أخرى محتملة لامتلاك نفس التركيب، فربما تكون قد تشكلت في سحابة كوكب متبخر -تُعرف باسم سينيستيا- أو ربما تكونت في نفس الوقت من نفس سحابة الغبار التي تدور حول الشمس مثل الأرض.
ولكن كما نرى في أماكن أخرى من النظام الشمسي، توجد أكثر من طريقة للحصول على قمر. فإذا مر جسمان بجانب بعضهما بالزاوية والسرعة الصحيحتين، فقد يصبحان مرتبطين ببعضهما بفعل الجاذبية وينتهيان في مدار مستقر طويل الأمد.
ويوجد سيناريو معين قد يكون ذا صلة بالأرض والقمر يُعرف باسم الالتقاط الثنائي، وفيه يمر جسمان مرتبطان بالفعل ببعضهما بفعل الجاذبية بجسم ثالث، فيلتقط هذا الجسم الثالث عضوًا من الزوج الثنائي، ويفصل بينهما ويحتفظ بالرفيق الثنائي لنفسه.
نعلم بوجود الكثير من الأجسام الثنائية في النظام الشمسي، فمثلًا نستمر في العثور على كويكبات ثنائية وحتى ثلاثية. وتوجد أدلة تشير إلى أن هذا التفاعل التجاذبي بين الأجسام الثلاثة أدى إلى التقاط ثنائي، مع قمر نبتون تريتون، إذ يدور تريتون حول نبتون في الاتجاه المعاكس لبقية أقمار نبتون، وبزاوية مختلفة، ما يشير إلى أنه انسحب من حزام كايبر إلى مدار نبتون غير المستقر.
يقول ويليامز وزوغر إن مدار القمر حول الأرض ليس على نفس المستوى مع خط الاستواء كما قد تتوقع من مصدر سحابة الحطام. لذا، أجريا مجموعة من النمذجة الرياضية لتحديد إمكانية التقاط شيء بحجم القمر بواسطة شيء بحجم الأرض.
وفق حساباتهم، ربما كانت الأرض قد استحوذت على شيء أكبر حجمًا، جسم بحجم عطارد أو حتى المريخ، مع أن مداره لم يكن مستقرًا. ولكن ربما انتهى الأمر بشيء بحجم القمر إلى مدار بيضاوي أصبح أكثر دائرية بمرور الوقت، ثم في النهاية بدأ بالابتعاد بنفس المعدل الذي يبتعد به القمر الآن، بنحو 3.8 سنتيمتر في السنة.
إذن، هذا ممكن. ولكن هل هو محتمل؟
ما تزال هناك خصائص أخرى أكثر اتساقا مع وجود علاقة أوثق بين الجسمين مقارنةً بما يسمح به سيناريو الالتقاط، مثل التشابه بين المعادن والنظائر، ولكن هذا يمنحنا فرصةً للاستكشاف والدراسة التي قد تساعدنا على فهم كوكبنا بل وكيف يمكن لمثل هذه الأنظمة أن تتشكل في مدارات حول نجوم أخرى في أماكن أخرى.
ولأنه من المعتقد أن القمر أدى دورًا مهمًا في تطور الحياة على الأرض، فإن هذا قد يساعدنا على العثور على عوالم صالحة للسكن في أماكن أخرى من مجرة درب التبانة.
يقول ويليامز: «لا أحد يعرف كيف تشكل القمر. وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، كانت لدينا احتمالية واحدة لكيفية وصوله إلى هناك. والآن لدينا احتمالان. وهذا يفتح كنزًا من الأسئلة الجديدة والفرص لمزيد من الدراسة».
اقرأ أيضًا:
كيف سنبني منصات الإقلاع والهبوط على سطح القمر؟
ترجمة:شهد حسن
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: باسل حميدي