قد يظن من يتابع الإعلام أن أكثر مسببات الوفاة حول العالم ترتبط بالعنف المسلح أو الحوادث أو كوفيد-19، لكن القاتلين الرئيسيين هما في الواقع أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، إذ يشكل هذان المرضان ما يقارب 50 % من الوفيات في الولايات المتحدة.
يبدو أن أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان مختلفان سطحيًا، لكن أوجه التشابه المكتشفة حديثًا بين أصول هذين المرضين وتطورهما تفيد أن بعض الأدوية قد تكون فعالة ضد كليهما.
يقول بريان سميث بوصفه أستاذًا مشاركًا في الهندسة الطبية الحيوية في جامعة ولاية ميشيغان: «أمضيت عقدين في دراسة طرق لتحسين كيفية انتقال الدواء عبر الجسم وتطويرها، واتّضح أن الجسيمات النانوية الصغيرة المهندسَة التي تستطيع استهداف خلايا مناعية معينة قد تكون وسيلة لعلاج السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية».
أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان
يعد تصلب الشرايين الشكل الأكثر فتكًا بين أمراض القلب والأوعية الدموية وينتج عن الالتهاب وتراكم الدهون والكولسترول والشحوم الأخرى في جدار الأوعية الدموية، ما يشكل لويحة في بطانة الشريان.
تحدث معظم النوبات القلبية بسبب تمزق هذه اللويحة في محاولة الجسم لشفاء الجرح، فتتشكل جلطة دموية تسد الأوعية الدموية وتؤدي إلى حدوث نوبة قلبية.
ومن ناحية أخرى، ينشأ السرطان عادة من الطفرات الجينية التي تجعل الخلايا تنقسم بشكل غير قابل للسيطرة عليه، وقد يكون نمو الخلايا السريع غير المسيطر وغير المعالج مدمرًا لأنه من الصعب إيقافه دون أذية الأعضاء السليمة، وقد يبدأ السرطان ويحدث في أي مكان في الجسم.
ويبدو أن لأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان أصول وأسباب مختلفة، ومع ذلك فإنهما يشتركان في كثير من عوامل الخطر، فيرتبط بكلا المرضين مثلًا السمنة والتدخين والإجهاد المزمن وبعض عادات نمط الحياة مثل سوء التغذية.
لماذا قد يشترك هذان المرضان في عوامل خطر متشابهة؟
قد تعزى الكثر من أوجه التشابه بين أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان إلى الالتهاب، إذ يعد الالتهاب المزمن سببًا رئيسيًا لتصلب الشرايين بأذية بطانة الأوعية الدموية وتفاقم اللويحات تدريجيًا. وبالمثل، قد يؤدي الالتهاب المزمن إلى الإصابة بالسرطان بزيادة الطفرات، ودعم بقاء الخلايا السرطانية وانتشارها بزيادة نمو الأوعية الدموية التي تغذيها، وكبح الاستجابة المناعية للجسم.
علاج حالتين في وقت واحد
تشير الأبحاث إلى أن العلاجات المصمّمة للسرطان قد تساعد أيضًا على علاج تصلب الشرايين، وأحد الأمثلة على ذلك هو الأدوية التي تستهدف الخلايا المناعية التي تسمى الخلايا البلعمية في الأورام وتجعلها تستهدف وتأكل الخلايا السرطانية. إذ اتضح أن عقارًا مشابهًا قد يتسبب في جعل الخلايا البلعمية تزيل الخلايا الميتة الموجودة في بطانة الشرايين المتصلبة، ما يؤدي إلى تقليص اللويحات.
وتُعد العلاجات المضادة لتحلل السكر مثالًا آخر، إذ تمنع تفكك الجلوكوز أو السكر -المصدر الرئيسي للطاقة في الجسم-، وقد تجعل هذه الأدوية الأوعية الدموية السرطانية المريضة والأوعية الدموية المصابة بتصلب الشرايين تبدو طبيعية أكثر، ما يؤدي أساسًا إلى عكس العملية في تلك الأوعية.
وبالنظر إلى تقليل الالتهاب في تصلب الشرايين أيضًا نرى مثالًا آخر، فمع إن العلاجات المسوقة حاليًا -كالستاتينات والألياف- قد تخفض مستويات الدهون وتجلط الدم في تصلب الشرايين، فهي لم تقلل على نحو كافٍ خطر الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. ولتحسين النتائج يزداد استخدام الأطباء لأدوية متعددة موجهة ضد أهداف مختلفة في نفس الوقت، وإحدى فئات العلاجات المثيرة للاهتمام هي مثبطات الأنزيم ناقل الجلوكوز الصوديوم-2 التي تستخدم تقليديًا لعلاج مرض السكري، فقد أظهر الباحثون أن هذه الأدوية توفر حماية كبيرة من أمراض القلب والأوعية الدموية وعلاج السرطان، وتشير التجارب السريرية على الستاتينات ومثبطات الناقل المشترك لجلوكوز الصوديوم-2 إلى وجود تداخل وثيق بين الالتهاب والتمثيل الغذائي وأمراض القلب والأوعية الدموية، ما يدعم فُرصًا علاجية جديدة.
وأحد الأمثلة الأخرى هو العلاجات المناعية التي تثبط المناعة، أي التي تعمل على كبح الأورام التي تنشأ على الجهاز المناعي، فقد أدى هذا النهج لعلاج السرطان أيضًا وتقليل لويحات تصلب الشرايين في الدراسات على الحيوانات وتقليل التهاب الأوعية الدموية في دراسة صغيرة أجريت على الناس.
حصان طروادة الطبي النانوي
أظهر اكتشاف حديث أن الأنابيب النانوية قد تدخل إلى خلايا مناعية محددة، فهي جسيمات صغيرة جدًا مصنوعة من الكربون أرق من شعرة الإنسان بأكثر من 10000 مرة، ولذلك عند انتقالها عبر مجرى الدم ستدخل الأورام مثل حصان طروادة، فبوسع هذه الأنابيب النانوية أن تحمل أي شيء يضعه الباحثون عليها، مثل الأدوية ومواد التباين في التصوير.
تستقر الخلايا المناعية التي تحمل الأنابيب النانوية بطبيعة الحال في الأورام بسبب الاستجابة الالتهابية، ولأن السرطان وتصلب الشرايين من الأمراض الالتهابية، عمل الفريق البحثي على دراسة إمكانية عمل الخلايا المناعية المحملة بالأنابيب النانوية بوصفها وسائل توصيل للويحات أيضًا.
بالوسع تزويد الأنابيب النانوية بعلاج يحفز الخلايا المناعية على “أكل” بقايا اللويحة ومن ثم تقليل حجم اللويحة، وتقييد توصيل الدواء على وجه التحديد إلى تلك الخلايا المناعية يقلل خطر الآثار الجانبية غير المستهدفة. وبالوسع أيضًا استخدام هذه الأنابيب النانوية لتحسين تشخيص أمراض القلب والأوعية الدموية باستهداف اللويحات.
توجد طريقة أخرى تدخل بها الجسيمات النانوية إلى الأورام وهي الضغط عبر الفتحات الموجودة في الأوعية الدموية الجديدة التي تنمو في حالات التهابية. يُعرف هذا باسم تأثير التخلل والاحتفاظ المعزز، حيث تتراكم الجزيئات الأكبر والجسيمات النانوية في الأنسجة ذات الأوعية الدموية المتسربة وتبقى هناك لبعض الوقت بسبب حجمها.
اكتُشف ذلك أول مرة في مرض السرطان، ويطبق الباحثون هذا التأثير لتحسين توصيل الأدوية لأمراض القلب والأوعية الدموية التي قد تشمل أيضًا تسرب الأوعية الدموية.
تحسين تطوير الأدوية
تُعد مشاركة السرطان في المسارات الجزيئية وأمراض القلب والأوعية الدموية ذات آثار تنظيمية مهمة. وتوفر إمكانية تطبيق نفس الدواء على مجموعتين مختلفتين من المرضى حوافز مالية كبيرة وحوافز لتقليل المخاطر، ويوفر إمكانية العلاج المتزامن للمرضى الذين يعانون من كلا المرضين.
دخلت أدوية السرطان المعتمدة على الجسيمات النانوية العيادة لأول مرة في عام 1995، وطوّر الباحثون الكثير من الأدوية الأخرى منذ ذلك الحين. ولكن يوجد حاليًا دواء نانوي واحد فقط للقلب والأوعية الدموية وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء، وهذا يشير إلى فرصة لأساليب جديدة للعلاج النانوي لتحسين كفاءة أدوية القلب والأوعية الدموية وتقليل الآثار الجانبية.
بسبب أوجه التشابه بين السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، قد تكون الأدوية النانوية السرطانية مرشحة قوية لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية والعكس صحيح. ومع اكتشاف العلوم الأساسية لأوجه تشابه جزيئية أخرى بين هذه الأمراض، سيكون المرضى هم المستفيدين من علاجات أفضل يمكنها علاج كليهما.
اقرأ أيضًا:
دواء لضغط الدم يطيل عمر فئران التجارب ويبطئ الشيخوخة
دواء لاتانوبروست: إرشادات الاستخدام والآثار الجانبية والتحذيرات
ترجمة: زينب عبد الكريم
تدقيق: ألاء ديب
مراجعة: محمد حسان عجك