يكشف تحليل جديد لدراسة الفوضى في النظام الشمسي أن هناك تناسقات خفية تحمي كوكب الأرض من هذه الفوضى، وكيف تجنبت الكواكب الاصطدام ببعضها بعضًا على مدى مليارات السنين.
من المفترض أن الأرض ليس لها وجود الآن
هذا لأن مدارات الكواكب الداخلية للنظام الشمسي، عطارد والزهرة والأرض والمريخ، هي مدارات فوضوية، وقد اقترحت نماذج الدراسة أن هذه الكواكب الداخلية كان عليها أن تصطدم ببعضها بالفعل منذ زمن، لكن ذلك لم يحدث.
نشر بحث جديد في مجلة فيزيكال ريفيو إكس في 3 مايو 2023 قد يفسر سبب عدم التصادم.
اكتشف الباحثون، بعد الدراسة المعمقة في نماذج حركة الكواكب، أن حركات تلك الكواكب الداخلية مقيدة بمعايير معينة تمنع حدوث فوضى النظام الكوكبي.
تلك الدراسة الجديدة قد تساعد العلماء في فهم نظام عمل مسارات الكواكب الخارجية المحيطة بالنجوم الأخرى، إضافةً إلى تقديم تفسير رياضي للتناغم الواضح في نظامنا الشمسي.
كواكب لا يمكن التنبؤ بمساراتها
تبذل الكواكب قوة جذب متبادلة على بعضها باستمرار، وهذه التجاذبات الضئيلة تجري على الدوام تعديلات طفيفة على مدارات الكواكب. الكواكب الخارجية، التي هي أكبر بكثير من الكواكب الداخلية، أكثر مقاومةً للتجاذبات الضئيلة، وبالتالي تحافظ على مدارات مستقرة نسبيًا.
حتى مع ذلك التفسير لا تزال مشكلة مسارات الكواكب الداخلية معقدةً للغاية إذ لا يمكن حلها بدقة. برهن عالم الرياضيات هنري بونكاريه في أواخر القرن التاسع عشر أنه من المستحيل رياضيًا حل المعادلات التي تحكم حركة ثلاثة أجسام متفاعلة أو أكثر، والتي تُعرف غالبًا بإسم “مشكلة الأجسام الثلاثة”.
نتيجةً لذلك، تتزايد مشكلة عدم اليقين من تفاصيل المواقع الابتدائية للكواكب وسرعاتها بمرور الوقت. بمعنى آخر، من الممكن أن نأخذ احتمالين تختلف فيهما المسافات بين عطارد والزهرة والمريخ والأرض بأدنى قدر، في الاحتمال الأول تصطدم الكواكب ببعضها وفي الثاني تبتعد عن بعضها.
يُعرَف الوقت الذي يستغرقه مسارين، مع ظروف بدء متطابقة تقريبًا، للتباعد بمقدار معين باسم وقت ليابونوف للنظام الفوضوي. حَسَب جاك لاسكار، عالم الفلك ومدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي في مرصد باريس والمؤلف المشارك للدراسة الجديدة عام 1989 وقت ليابونوف الخاص بالمدارات الكوكبية للنظام الشمسي الداخلي وكان 5 ملايين سنة فقط.
قال لاسكار لمجلة لايف ساينس: «هذا يعني أنك تفقد خانة رقمية واحدة كل 10 ملايين سنة. على سبيل المثال، إذا بدأنا بعدم التأكد بمعرفة موقع كوكب ما وكان 15 مترًا، فبعد 10 ملايين سنة سيكون عدم التأكد هذا 150 مترًا، وبعد 100 مليون سنة سَتُفقَد 9 خانات رقمية أخرى، ما يعطي فارقًا يبلغ 150 مليون كيلومتر في موقع الكوكب، أي ما يعادل المسافة بين الأرض والشمس. في الأساس ليس لديك أي فكرة عن موقع الكوكب».
قد يرى البعض أن 100 مليون سنة تبدو حقبة زمنية كبيرة، لكن عمر النظام الشمسي نفسه يزيد عن 4.5 مليار سنة، وأوقع ذلك الحيرة في نفوس العلماء فترةً طويلة، خصوصًا في غياب الأحداث المفاجئة أو المأساوية مثل اصطدام الكواكب ببعضها، أو خروج كوكب خارج المنظومة بسبب وجود هذه الحركة الفوضوية.
يضيف لاسكار: «نظرت إلى المشكلة بطريقة مختلفة، عن طريق محاكاة مسارات الكوكب الداخلية على مدى الخمسة مليارات سنة القادمة، خطوة بعد أخرى، وجدت فرصةً بنسبة 1% فقط لحدوث تصادم كوكبي. ما يعني أن الأمر سيستغرق تقريبًا 30 مليار سنة حتى يصطدم أي من الكواكب».
كبح جماح الفوضى
حدد لاسكار وزملاؤه لأول مرة “التناسقات” أو “الكميات المحفوظة” في تفاعلات الجاذبية التي تخلق “حاجزًا عمليًا في التجول الفوضوي للكواكب”، وذلك عن طريق الحسابات الرياضية.
تظل هذه الكميات المستجدة ثابتةً تقريبًا وتكبح حركات فوضوية معينة، ولكنها لا تمنعها تمامًا، يشبه ذلك إلى حد كبير الحافة المرتفعة لصحن الأكل التي تمنع سقوط الطعام من الطبق ولكنها لا تمنعه في المطلق. إننا ندين بالامتنان لهذه الكميات على الاستقرار الظاهري لنظامنا الشمسي.
أبرزت رينو مالهوترا، أستاذة علوم الكواكب في جامعة أريزونا والتي لم تشارك في الدراسة، مدى دقة الآليات التي حُددت في دراسة لاسكار. وأضافت في حديثها لمجلة لايف ساينس أنه من المثير للاهتمام أن المدارات الكوكبية لنظامنا الشمسي تظهر فوضى ضعيفة على نحو استثنائي.
تساؤلات مطروحة
يبحث لاسكار وزملاؤه -في بحث آخر- عن أدلة حول: هل كان عدد الكواكب في النظام الشمسي مختلفًا عما نراه حاليًا؟ مع الاستقرار الواضح اليوم، يظل السؤال مطروحًا حول: هل كان هذا هو الحال دائمًا على مدى مليارات السنين قبل تطور الحياة؟
اقرأ أيضًا:
عمره على الأقل 4 مليارات عام، هل سيدوم كوكب الأرض إلى الأبد؟
هل تقترب الأرض من الشمس، أم أنها تبتعد عنها؟
ترجمة: عمرو أحمد
تدقيق: باسل حميدي
