إذا أمكنك السفر عبر الزمن تحت شرط واحد وهو أنّ عند عودتك لن تتمكن من تذكر أي حدث شهدته خلال رحلتك، فهل ستبقى مهتمًا بالخوض في هذه الرحلة؟ ليس هذا بسؤال مخادع، لكنه من العواقب التي قد يواجهها المسافرون عبر الزمن، وفقًا لأحدث الدراسات في هذا المجال.
حتى وقتنا الحالي، صبّ العلماء جلّ تركيزهم على علم السفر عبر الزمن وإمكانية تطبيقه، وتجنبوا الحديث عن التغيرات التي قد يواجهها المسافرون عند عودتهم إلى الحاضر، فهل يمكن أن يشعروا بتغيرات فريدة؟
أشار لورينزو غافاسينو إلى أنّ الجانب المثير للاهتمام في السفر عبر الزمن هو إمكانية حدوث آثار جانبية غريبة، وذلك بوصفه عالم رياضيات وباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه من جامعة فاندربلت في ناشفيل. قد تتراوح هذه الآثار بين اضطرابات بسيطة وتغيرات نفسية أو جسدية عميقة، وذلك بناءً على الكيفية التي يُفترض أن يعمل بها السفر عبر الزمن.
ويرى غافاسينو أن فقدان الذاكرة المحتمل هو من أكثر الآثار أهمية للسفر عبر الزمن. تحديدًا، قد تُمحى الذكريات التي اكتُسبت في أثناء الرحلة على طول المنحنى الزمني المغلق قبل انتهاء الحلقة.
يشير هذا إلى أن المسافرين قد لا يحتفظون بأي إدراك واعٍ لتجاربهم، ما يلغي فعليًا القيمة الذاتية للرحلة. وما يعنيه ببساطة هو أنه فور عودة الشخص إلى الحاضر من الماضي، ستُمحى ذكريات رحلته، ولكن لماذا؟ وما هو المنحنى الزمني المغلق؟
اللوم يقع على الإنتروبيا
المنحنى الزمني المغلق (CTC) هو أحد المفاهيم الأساسية في النسبية العامة لأينشتاين، حيث ينحني الزمكان أو يتشوه بطريقة تُشكّل حلقة. تسمح هذه الحلقات لجسم، يتبع مسارًا معينًا عبر الزمكان، بالعودة إلى نفس النقطة في المكان والزمان التي بدأ منها. يجعل هذا الفكرة النظرية للسفر إلى الماضي ممكنة.
ومع إن فكرة السفر عبر الزمن ما تزال نظرية، فهي ما تزال مستندة على إطار العلم، وهذا يعني أنّ أي رحلة على طول المنحنى الزمني المغلق (CTC) ستلتزم بالقوانين الأساسية للفيزياء، مثل النسبية العامة والديناميكا الحرارية.
ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية على أن الإنتروبيا -مقياس الفوضى في النظام- تميل إلى الزيادة مع مرور الوقت. ينطبق هذا المبدأ بشكل عالمي ويصف المسار الطبيعي لحركة الزمن. هذا يعني أنه إذا سافر شخص إلى الماضي ثم عاد إلى الحاضر، يجب أن تتماشى أفعاله مع هذا القانون. فمثلًا، عندما يختلط الحليب بالقهوة تزداد الإنتروبيا لأن الفوضى في النظام تصبح أكبر، ولا يمكن للسفر عبر الزمن عكس هذه التأثيرات لأن ذلك سينتهك القانون الثاني، ما يعزز الفكرة بأن بعض جوانب الزمن ذات اتجاه واحد ولا يمكن عكسها.
لا يمكن عكس هذه العمليات بسهولة لأنها تعني انخفاضًا في الإنتروبيا، وهو أمر لا يحدث بطريقة طبيعية في الكون.
عند السفر على طول المنحنى الزمني المغلق (CTC)، ستتصرف إنتروبيا الشخص بطريقة مختلفة عن الظروف العادية. ومع السفر من الحاضر إلى الماضي ثم العودة، في البداية يجب أن تزداد الإنتروبيا لدى المسافر بسبب مروره عبر الزمن وأي تفاعلات فيزيائية تحدث على طول الطريق. وعند عودتهم إلى الحاضر، يجب أن تعود الإنتروبيا إلى نفس المستوى الذي كانت عليه قبل مغادرتهم، ما يحافظ على التوافق مع قوانين الديناميكا الحرارية.
بالوسع استخدام مفهوم دورة بوانكاريه الرياضي لفهم كيفية حدوث السفر عبر الزمن على طول المنحنى الزمني المغلق (CTC). في دورة بوانكاريه، يمر النظام عبر سلسلة من المراحل أو الحالات بطريقة متكررة ودورية، ليعود في النهاية إلى حالته الأصلية. مثلًا، عندما يسافر شخص ما على طول CTC، تتبع رحلته حلقة تبدأ من نقطة، وتتحرك عبر الزمن، ثم تعود إلى نفس النقطة في المكان والزمان.
اقتراح غافاسينو أنه عندما يعود المسافر من الماضي إلى الحاضر بعد أن تصل الإنتروبيا إلى ذروتها، يبدأ الاضطراب في النظام في الانخفاض. يؤدي هذا إلى عكس العمليات الديناميكية الحرارية، ومنها العمليات البيولوجية مثل تكوين الذكريات والشيخوخة.
إذن وعلى عكس ما تصوره أفلام السفر عبر الزمن، فإنّ المسافر لا يستطيع أن يتذكر أيّ جزء من رحلته إلى الماضي، لأنّ الذكريات التي شكلها ستمحى كأنها لم تكن، وستكون هذه نتيجة طبيعية تمامًا لرحلة السفر عبر الزمن.
آثار جانبية أخرى للسفر عبر الزمن
قد تعتقد أنه بإمكانك التغلب على الطبيعة في هذا، إذ يمكن لأي منا أن يصطحب هاتفه في هذه الرحلة، وببساطة أن يلتقط كمًّا هائلًا من الصور في أثناء الرحلة، وعند انتهائها نستطيع استعادة ذكرياتنا بمشاهدتها مجددًا، ولكن هل هذا الاقتراح ممكن؟ هل نستطيع فعلًا أن نستهزئ بالطبيعة ونخدعها؟ ببساطة، لا.
ينطبق القانون الثاني للديناميكا الحرارية على جميع الأنظمة الفيزيائية، وليس فقط على الكائنات الحية. وهذا يعني أن القانون ينطبق بنفس القدر على الكائنات الحية والأشياء غير الحية، ويتضمن ذلك الآلات والأجهزة الإلكترونية. فعند تخزين مسافر عبر الزمن للبيانات -سواء أكانت صورًا أو ملاحظات أو ملفات- على هاتفه الذكي أو حاسوبه المحمول في أثناء رحلته، فإن الإنتروبيا في تلك الأنظمة ستخضع أيضًا لنفس القوى التي تنطبق على جسم المسافر وعقله. عند العودة إلى الحاضر، قد يتسبب إعادة ضبط الإنتروبيا في محو البيانات أو تلفها أو جعلها غير قابلة للوصول، تمامًا كما تنمسح ذكريات المسافر. أي أن المسافر وأجهزته سيختبرون نوعًا من إعادة الضبط وفقًا لقوانين الفيزياء.
يقترح غافاسينو أن الساعات التقليدية، المصممة للعمل بطريقة خطية، قد تصبح غير دقيقة في أثناء السفر عبر الزمن. ذلك لأن هذه الساعات مبنية على افتراض أن الوقت يسير في اتجاه واحد، حالها حال أنظمة قياس الوقت الأخرى. إذا لم يكن الوقت خطيًا وتحرك ضمن حلقات أو انعكاسات -كما في المنحنيات الزمنية المغلقة (CTCs)- قد لا تعمل الساعات بطريقة صحيحة. وبالمثل، فإنّ سلوك الذرات والجزيئات التي تهتز بترددات معينة، يعتمد على هذا التدفق الخطي للزمن. عند تغيير الزمن أو عكسه، قد يتعطل هذا النمط الطبيعي للاهتزاز، ما يؤدي إلى تأثيرات غير متوقعة على الخصائص الفيزيائية للمادة.
تبدو هذه الاحتمالات مثيرة للاهتمام جدًا، ولكن للأسف، لا توجد أيّ وسيلة لإثباتها، نظرًا لعدم قدرتنا على السفر عبر الزمن فعليًا، أم هل سنتمكن من ذلك؟
اقرأ أيضًا:
فيزيائيون يكتشفون إمكانية السفر عبر الزمن نظريًا
نظرية فيزيائية غريبة تفسر استحالة السفر عبر الزمن
ترجمة: آية شميّس
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: لبنى حمزة