بعد 600 مليون سنة من الانفجار العظيم، تمنحنا مجرة كامنة في أقصى أطراف الكون أفضل لمحة حتى الآن عن الشكل الذي كان من الممكن أن تبدو عليه مجرة درب التبانة الصغيرة.

تتميز هذه المجرة بتكوين النجوم، واسمها بفايرفلاي سباركل، لكن بعد أن قطعت 13.2 مليار سنة للوصول إلينا، لا يمكن رؤية الضوء المتلألئ للمجرة إلا بفضل مزيج من أقوى تلسكوب فضائي وغرابة الجاذبية التي تحني الزمكان إلى عدسة مكبرة.

إن منظر فايرفلاي سباركل مفصل جدًا، لدرجة أن علماء الفلك تمكنوا من تحديد 10 مجموعات نجمية منفصلة، وتحديد كتلة المجرة في أثناء تشكلها ونموها بنشاط في ظلام الفجر الكوني.

تقول عالمة الفيزياء الفلكية لاميا مولا من كلية ويلسلي بالولايات المتحدة: «لم أكن أعتقد أنه من الممكن تحليل مجرة كانت موجودة في وقت مبكر من الكون إلى العديد من المكونات المتميزة، ناهيك باكتشاف أن كتلتها مماثلة لكتلة مجرتنا عندما كانت في طور التشكل».

يحدث الكثير داخل هذه المجرة الصغيرة، ويتضمن ذلك المراحل المختلفة لتكوين النجوم.

يشكل أول مليار سنة من عمر الكون أهمية كبيرة لأي شخص يدرس الكون. تُعرف هذه الفترة باسم الفجر الكوني، وتحتوي على العصور التي بدأت فيها كل المادة في الكون تتجمع من الضباب البدائي للجسيمات، وتحولت إلى نجوم ومجرات وكل شيء آخر يشكل الكون من حولنا.

من الواضح أننا نريد معرفة المزيد عن كيفية ولادة الكون؛ لكن من الصعب جدًا رؤية الفجر الكوني، فهو بعيد جدًا لدرجة أن الأجسام الموجودة داخله بالكاد تُسجَل كبقع من الضوء لأقوى تلسكوباتنا.

وهنا يأتي دور عدسة الجاذبية، فعندما يوجد شيء ضخم في الفضاء، يتسبب مجال جاذبيته الهائل في انحناء الزمكان ذاته، مثلما يحدث عندما يتمدد نسيج الترامبولين عند وضع كرة بولينغ عليه، إذا دحرجت كرة رخامية عندئذ ستتبع مسارًا منحنيا، وكذلك يتبع الضوء الذي يسافر عبر عدسة الجاذبية انحناء الزمكان المشوه.

عندما يخرج الضوء من الجهة الأخرى، غالبًا ما يكون مشوّهًا ومتكررًا في صور متعددة، ومكبّرًا قبل كل شيء. يمكن لعلماء الفلك أخذ كل هذا الضوء المشوّش وتقويمه ليروا الطبيعة الحقيقية للمصدر الذي أنتجه.

هذا هو الحال مع فايرفلاي سباركل، فهي تقع على طول خط رؤيتنا خلف مجموعة مجرات عملاقة في المقدمة سافر ضوؤها مدة 5.3 مليار سنة ليصل إلينا. تُعرف هذه المجموعة بأنها مصدر عدسي، وبالتالي فهي مرشحة رئيسية لتلسكوب جيمس ويب الذي تعدّ قدراته في مجال الأشعة تحت الحمراء مثالية لدراسة الضوء البعيد الممتد إلى أطوال موجية أكثر احمرارًا بسبب توسع الكون.

يمتد الضوء الصادر من مجرة فايرفلاي سباركل والمكبّر بواسطة مجموعة المجرات إلى لطخة طويلة متلألئة، وبالوسع رؤية مجموعات من النجوم تتلألأ على طولها. أعاد الباحثون بناء هذا الضوء إلى مجرة متماسكة تشبه دمعة تتفتح مع ولادة نجوم جديدة.

يقول عالم الفيزياء الفلكية كارثيك آير من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة: «تُظهر عملية إعادة البناء لدينا أن مجموعات النجوم التي تتشكل بنشاط محاطة بضوء منتشر من نجوم أخرى غير مفصلة. هذه المجرة في الواقع في عملية تجميع».

نظرًا لتمديد ضوء المجرة إلى قوس، فقد تمكن الباحثون بسهولة من تحديد مجموعات النجوم الفردية وكتلة المجرة. إنها خفيفة الوزن إلى حد كبير، مع كتلة نتوقع رؤيتها في مجرة درب التبانة الصغيرة. بالإضافة إلى ذلك، تظهر مجموعات النجوم ألوانًا متعددة عبر الطيف.

يشير هذا إلى أن تكوين النجوم ليس متزامنًا، إذ تبعث النجوم في مراحل حياتها المختلفة أنواعًا متعددة من الضوء. كل مجموعة من المجموعات في مرحلة مختلفة من تطورها، وإذا نظرنا إليها مجتمعة، فإنها تمثل نصف كتلة فايرفلاي سباركل تقريبًا. إنها نظرة نادرة إلى عملية تجميع المجرات.

يوجد دليل آخر على نمو المجرة وهو أن المجرات الأخرى قريبة جدًا، تنتشر مجرتان على مسافات من فايرفلاي سباركل تبلغ 6500 سنة ضوئية و42000 سنة ضوئية على التوالي.

هذه المسافة قريبة بما يكفي لدرجة أن المجرات الثلاث مرتبطة جاذبيًا في رقصة مدارية ثلاثية الاتجاهات، وقد تكون هذه المرحلة المبكرة من الطريقة الشرسة التي تنمو بها المجرات الصغيرة، فمثلًا دُفع نمو مجرة درب التبانة بامتصاص العديد من المجرات الأصغر حجمًا.

يقول عالم الفيزياء الفلكية يوشيهيسا أسادا من جامعة كيوتو في اليابان: «لقد تنبأ العلماء منذ فترة طويلة بتشكّل المجرات في الكون المبكر بسبب تفاعلات واندماجات متتالية مع مجرات أخرى أصغر حجمًا. وربما نشهد هذه العملية بالواقع الفعلي».

لقد منحتنا المجرة الصغيرة واحدة من أكثر النظرات تفصيلًا على الإطلاق حول كيفية نمو المجرات الصغيرة، وتمثل فرصة نادرة لفهم مجرتنا بطريقة أفضل. لكن أصبحت هذه الفرص أقل ندرة بالفعل.

تقول عالمة الفلك ماروشا براداك من جامعة ليوبليانا في سلوفينيا: «هذه مجرد أولى المجرات العديدة التي سيكتشفها تلسكوب جيمس ويب. تمامًا كما تسمح لنا المجاهر برؤية حبوب اللقاح من النباتات، تسمح الدقة المذهلة التي يتمتع بها جيمس ويب والقوة المكبرة لعدسات الجاذبية برؤية القطع الصغيرة داخل المجرات. يحلل فريقنا الآن جميع المجرات المبكرة، وتشير النتائج كلها في نفس الاتجاه: لم نتعلم بعد الكثير عن كيفية تشكل تلك المجرات المبكرة».

اقرأ أيضًا:

تألق مجرة المثلث بالنجوم: صورة رائعة من عدسة تلسكوب هابل

اكتشاف أقدم مجرة معروفة على الإطلاق

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر