يقضي الشخص الذي يعاني أحلام اليقظة المفرطة فترات طويلة في التخيل وإنشاء أحلام في النهار، ما قد يضعف قدرته على التركيز في الدراسة أو يؤثر في إنتاجيته في العمل. وقد وصف الحالة أول مرة أستاذ في جامعة حيفا في فلسطين عام 2002.
علمًا أن هذا الموضوع له سمات مشتركة مع الإدمان السلوكي، كإدمان ألعاب الإنترنت أو الكحول، وقد يكون شديدًا جدًا إلى درجة أن يشتت انتباه الشخص عن حياته الواقعية.
يمكن أن تتحرض أحلام اليقظة بسبب أحداث مثل محادثات أو صور أو فيلم أو خبر ما، إلى جانب استخدام الإنترنت أو المنبهات الحسية كالروائح أو الضوضاء والنشاط الجسدي.
إن أحلام اليقظة المفرطة لا تعد تشخيصًا مستقلًا، ولا تنتمي إلى الدليل الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات الذهنية DSM-5، ولا يوجد علاج نوعي لها.
ما أعراض أحلام اليقظة المفرطة؟
قد يواجه الشخص واحدة أو أكثر مما يلي:
- يعيش أحلام يقظة مع شخصياته الخاصة والأماكن والأحداث، وغيرها من التفاصيل التي تعبر عن عالم داخلي معقد.
- تتحرض هذه الأحلام بأحداث الحياة في الواقع.
- صعوبة إنهاء الواجبات اليومية.
- صعوبة النوم في الليل.
- رغبة شديدة في إكمال حلم اليقظة.
- أداء حركات متكررة في أثناء حلم اليقظة.
- إظهار تعابير وجهية في أثناء حلم اليقظة.
- الهمس والتكلم في أثناء حلم اليقظة.
- استمرار حلم اليقظة لفترة طويلة قد تصل إلى عدة ساعات.
- قلق كبير حول حلم اليقظة.
- الحرص على اختلاف العالم الخيالي الداخلي عن الواقع الخارجي.
وقد يعاني الشخص من اضطراب آخر، مثل ADHD اضطراب فرط الحركة مع نقص الانتباه.
تختلف أحلام اليقظة المفرطة عن أحلام اليقظة العادية من حيث المحتوى والتحكم بها والتكرار والتجربة الشخصية، متضمنةً القلق الذي تسببه وتأثيرها في الحياة اليومية.
ويُظهِر الخبراء أنها تختلف أيضًا عن شرود الذهن العام، لأنها تتضمن إنشاء وبناء قصص خيالية عن قصد. وعلى خلاف ذلك، فإن شرود الذهن يحدث عفويًا، ويتعلق بالحياة اليومية.
اختبارات أحلام اليقظة المفرطة:
أنشأ الأستاذ سومر اختبارًا مكونًا من 16 عنصرًا ليستخدمه الأطباء في معرفة: هل لدى الشخص أحلام يقظة مفرطة، أم لا؟
تتناول الأسئلة أمورًا مثل:
- محرضات أحلام اليقظة والعلامات الجسدية المرافقة لها.
- الشعور المرتبط بها وتأثير العوامل المشتِّتة لها.
- تأثير عدم القدرة على إنشاء أحلام يقظة.
- تأثيرها على الحياة اليومية.
- معرفة: هل الشخص يستمع إلى الموسيقا أثناء حلم اليقظة؟
وتكون نتيجة كل سؤال ضمن مجال من صفر إلى مئة بالمئة.
هل يستطيع الأطباء تشخيص أحلام اليقظة المفرطة؟
لا توجد وسيلة عالمية مستخدمة لتشخيص أحلام اليقظة المفرطة ولا تشكل تشخيصًا مستقلًا، ولكن توجد بعض الأدوات التي تساعد الأطباء في معرفة ما إذا كان الشخص يواجه مثل هذه الحالة أم لا:
قد يساعد اختبار الأسئلة الستة عشر في معرفة ذلك، وهو أداة تقييم ذاتية يمكن استنادًا إليها تقييم التجارب الخاصة لكل فرد.
طور الأستاذ أداة تشخيصية أخرى، وهي مقابلة سريرية تساعد الأطباء على استنتاج أجوبة تساعد على التحري عن حالات أحلام اليقظة المفرطة SCIMD.
وقد يستخدم الأطباء أدوات أخرى لتقييم:
- الانفصام.
- الوسواس القهري.
- اضطراب فرط الحركة مع نقص الانتباه.
- حالات أخرى تشابه أو تتداخل مع أحلام اليقظة المفرطة.
هل تؤدي أحلام اليقظة المفرطة إلى تطور حالات أخرى؟
لا يوجد دليل يثبت ذلك، ولكنها تؤثر في نوعية الحياة من ناحية القدرة على التركيز والعمل والدراسة وتكوين علاقات حقيقية، وتؤثر في الصحة الذهنية بسبب القلق حول التحكم بأحلام اليقظة المفرطة.
تتضمن الحالات التي لوحظت لدى الناس بجانب أحلام اليقظة المفرطة:
- الاكتئاب.
- اضطرابات القلق.
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- الوسواس القهري.
- اضطراب فرط الحركة مع نقص الانتباه.
- الاضطراب ثنائي القطب.
- اضطراب الشخصية الحدية.
- الاضطراب الفصامي.
- الذهان.
ولكن علاقة هذه الاضطرابات مع أحلام اليقظة المفرطة ليست واضحة حتى الآن!
وجدت إحدى الدراسات أن 25% تقريبًا ممن لديهم أحلام يقظة مفرطة قد حاولوا الانتحار مرة على الأقل. ولا تزال العلاقة غير واضحة بين هذه الحالة والانتحار.
طبعًا، عند التعامل مع شخص يفكر بالانتحار أو إيذاء نفسه، من الضروري البقاء بجانبه وإبعاد أي سلاح قريب أو أي أدوات حادة، وطلب المساعدة بالاتصال بخدمات الطوارئ المحلية إذا تطلب الأمر.
وجد الخبراء روابط مشتركة بين أحلام اليقظة المفرطة واضطراب فرط الحركة مع نقص الانتباه، في دراسة عام 2017 أُجريت على 39 شخصًا لديهم أحلام يقظة مفرطة، وكانت النتيجة أن 77% من المشاركين لديهم اضطراب فرط الحركة مع نقص الانتباه وأحلام يقظة مفرطة.
في عام 2020، أكد الخبراء على ضرورة الابتعاد عن اعتبار فرط الحركة مع نقص الانتباه اضطرابًا سلوكيًا، والتركيز أكثر على الطريقة التي يؤثر بها على الحياة الداخلية للشخص.
إن أحلام اليقظة المفرطة هي جزء من هذه الحياة الداخلية، وقد تؤثر في الكفاءة في المدرسة والعمل. ولاحظ الباحثون أنها قد تؤثر في الإناث بصفة خاصة.
علمًا أن اضطرابات النوم شائعة أيضًا في كل من اضطراب فرط الحركة وأحلام اليقظة المفرطة.
وفي سياقٍ متصل، أظهرت دراسة حديثة أنه من الأفضل تصنيف أحلام اليقظة المفرطة ظاهرة عقلية مستقلة عن اضطراب فرط الحركة مع نقص الانتباه.
فقد وجد الباحثون أن 20% فقط من عينة مرضى فرط الحركة مع نقص الانتباه لديهم المعايير الخاصة بأحلام اليقظة المفرطة، ليظهروا أن أحلام اليقظة تتضمن شكلًا خاصًا من نقص الانتباه، يجعلها بعيدة عن اضطراب فرط الحركة. لذلك يُفضَّل وصفها على أنها اضطراب فصامي أو إدمان سلوكي بدلًا عن كونها مشكلة في الانتباه.
كيف تُعالَج أحلام اليقظة المفرطة؟
لا يوجد علاج نوعي حتى الآن. لكن في دراسة حالة أجرِيت عام 2018، خضع شخص مدة ستة أشهر لعلاج استشاري يتضمن معالجة سلوكية إدراكية وتأملًا ذهنيًا، وأدى إلى تقليل الوقت الذي يقضيه في أحلام اليقظة إلى أكثر من النصف.
اقترح بعض الباحثين تقنية تدعى التعرض ومنع الاستجابة ERP، تهدف إلى تقليل أو إيقاف أحلام اليقظة المفرطة بتغيير نهايات القصص لجعلها غير سارة للشخص.
ووجد الباحثون في دراسة أجرِيت عام 2008 أن دواء الفلوفوكزامين -المعروف باسم تجاري Luvox- كان فعالًا للشخص الذي لديه أحلام يقظة مفرطة ويساعده على التحكم بها، علمًا أن هذا الدواء يوصف عادةً لمرضى الوسواس القهري.
إذا تعلم الباحثون المزيد عن أسباب حدوث أحلام اليقظة المفرطة وعلاقتها مع الحالات الأخرى، من الممكن أن يصلوا إلى علاج فعال في المستقبل.
لماذا تحدث أحلام اليقظة المفرطة؟
قد يمتلك الأشخاص الذين لديهم أحلام يقظة مفرطة سمات مشتركة مع أشخاص لديهم إدمان سلوكي كإدمان ألعاب الانترنت. مثلًا:
- قد تكون أحلام اليقظة سبيلًا للهروب من صعوبات الواقع، كالقلق الاجتماعي وصدمات الطفولة.
- وقد تستخدم أحلام اليقظة للبحث عن طرائق للتغلب على المشكلات التي يكون الشخص عاجزًا عن حلها في الواقع، إضافةً إلى أنها تسبب شعورًا بالرضا، فيصبح من الصعب التوقف عن ذلك.
- كما قد يكون لدى الشخص الذي يعاني منها قابلية للانفصام، مثل التركيز الشديد على أفكار داخلية والشك بالحواس. ومن الشائع أن يرافق أحلام اليقظة شعور بالقلق لعدم قدرة الشخص على التحكم بأحلام اليقظة.
في دراسة حالة شاهد، وصف الشخص الذي يواجه أحلام يقظة مفرطة مشاعره من خجل وخوف، وعدم قدرته على طلب ما يريده من الآخرين. ومن المحتمل أن هؤلاء الأشخاص قد تعرضوا للصدمة نتيجة هذه المشاعر، مع أنهم لا يُبدون أعراض متلازمة ما بعد الصدمة. وبصفة خاصة:
• التعرض للاضطهاد في المدرسة.
• الشعور بالإهمال في المنزل.
• الشعور بقلق شديد وفقدان الدعم العاطفي، الأمر الذي لا يشجع الشخص على التفاعل مع الآخرين ويمنعه عن طلب ما يريد.
توجد أبحاث قليلة تبين سبب حدوث أحلام اليقظة المفرطة، ويتابع الخبراء كشف ارتباط هذه الحالة بالخبرات السابقة للشخص والحالات الأخرى. ويناقشون إمكانية تصنيف أحلام اليقظة المفرطة بنحو مستقل.
ما التوقعات حول أحلام اليقظة المفرطة؟
قد تؤثر أحلام اليقظة المفرطة على الحياة اليومية، وقد يحتاج الشخص إلى مساعدة للتعامل مع هذه الحالة.
قد يساعد الانضمام إلى مجموعة دعم في معرفة كيفية تعامل الآخرين مع هذه الحالة، وكيف يمكن التحكم بأحلام اليقظة المفرطة؟ ويوجد العديد من النماذج على الانترنت لأشخاص واجهوا أحلام يقظة مفرطة منها Daydream In Blue وWild Minds.
الخلاصة:
قد تتضمن أحلام اليقظة المفرطة أحلامًا معقدة أو تخيلات يصعب التحكم بها، وقد يشعر الشخص أنه في عالم داخلي يضم شخصيات عديدة وحوارات معقدة، وقد يشعر بالخوف أيضًا لكون هذه الأمور لا تنتمي إلى العالم الواقعي.
لا يعلم الخبراء حتى الآن السبب الحقيقي لحدوث أحلام اليقظة المفرطة. ولكن بعض التفسيرات تتضمن التعرض لرضوض سابقة أو صعوبة مواجهة الحياة اليومية، وحالات أخرى مثل اضطراب فرط الحركة مع نقص الانتباه.
لا يوجد اختبار تشخيصي أو علاج نوعي لأحلام اليقظة المفرطة.
قد تساعد التقنيات للعلاجية للوسواس القهري والقلق، مثل تقنية التعرض ومنع الاستجابة والمعالجة السلوكية الإدراكية.
ويستفيد الأشخاص الذين لديهم أحلام يقظة مفرطة عند علاج الحالات المرافقة لها.
اقرأ أيضًا:
وسيلةٌ غير مجهدةٍ لتحسين ذاكرتك
الميثامفيتامين: المخدر الأقوى في العالم: مخاطر الإدمان
ترجمة: فرح علي محمد
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: حسين جرود