لدينا الكثير من الأقمار الغريبة في النظام الشمسي. لكن من بين ما يقرب من 300 قمر اكتُشف حتى الآن، لا يوجد قمر واحد ذو حلقات. هذا في الواقع أمر غريب.

من بين الكواكب الثمانية في النظام الشمسي، لنصفها حلقات من الغبار والجليد تدور حول خط استوائها. يُظن أن المريخ كان له حلقات ذات يوم. بعض الكواكب القزمة لها حلقات أيضًا، مع أن علماء الفلك لا يستطيعون أحيانًا تأكيد وجودها. حتى أن بعض الكويكبات لها حلقات.

في أثناء دراسة فكرة الأقمار الحلقية خارج النظام الشمسي -تُسمى كرونومونز- بدأ هذا السؤال يُقلق عالم الفيزياء الفلكية ماريو سوسيركويا من جامعة أدولفو إيبانيز، وفريقه.

أوضح سوسيركويا: «إذا كانت الكواكب العملاقة في نظامنا الشمسي تمتلك حلقات، وإذا كانت السنتورات -الكويكبات خارج مدار المشتري- والأجسام وراء نبتون تمتلك أيضًا حلقات، فلماذا لا تمتلك الأقمار في النظام الشمسي حلقات؟».

ويتابع: «يبدو هذا الغياب مخالفًا للمنطق نظرًا لانتشار الحلقات في أماكن أخرى، لذا أردنا استكشاف ما إذا كانت هناك أسباب ديناميكية أساسية تمنع تشكل الحلقات أو الاستقرار طويل الأمد حول الأقمار».

لم نكتشف قمرًا خارج النظام الشمسي بعد، لكن سوسيركويا وزملاءه افترضوا في عام 2021 أنه إذا كان هناك نظام حلقي كبير بما يكفي، فمن المحتمل أن يحجب ضوء النجوم بشكل كاف ليظهر.

لكن بعد ذلك، تبين لهم أننا لم نر قط قمرًا لديه حلقات، ما يفتح الباب أمام احتمال مرجح للغاية أن تلك الحلقات في الواقع غير موجودة.

حسنًا، عندما تكون عالم فلك ولديك أدوات للطرح والمحاكاة، فليس هناك سوى شيء واحد يمكنك فعله: إنشاء نماذج صغيرة للأنظمة الكونية، ودراسة ما يحدث عندما تجعلها تتحرك.

يوجد الكثير من المواد الخام التي قد تتشكل منها حلقات حول أقمار مختلفة في النظام الشمسي. بعضها مغطى بالحفر، والغبار المنبعث في أثناء الاصطدام يمكن أن يشكل حلقة. البعض الآخر ينفث البخار أو الغاز.

توقع الباحثون أن التأثير الجاذبي للقمر وكوكبه المضيف، وربما أقمار أخرى، قد يكون قويًا جدًا بحيث لا تستقر الحلقات، لذا صمم الباحثون اختبارات وأجروها باستخدام محاكاة الأجسام (N).

مثلًا، يقذف إنسيلادوس، أحد أقمار زحل الذي يتمتع بنشاط جيولوجي كبير، بخار الماء وجزيئات الجليد والغازات من السخانات في منطقته القطبية الجنوبية. بدلًا من تكوين حلقة حول القمر، تنتقل هذه المواد إلى مدار الكوكب بسبب التفاعلات المكثفة مع الأقمار المجاورة، ما يغذي حلقة زحل (E).

«بعبارة أخرى، حين تنتج الأقمار جزءًا من المادة الخام للحلقات، فإن البيئة المحيطة تضمن احتفاظ الكوكب الأضخم بها، ما يمنع تكوين الحلقات حول الأقمار نفسها».

حتى الآن، أحصت وكالة ناسا 293 قمرًا تدور حول كواكب في نظامنا الشمسي، معظمها تابع لكوكبي المشتري وزحل. هناك أيضًا أقمار تدور حول كواكب قزمة وكويكبات.

صمم سوسيركويا وفريقه عمليات المحاكاة الخاصة بهم لمحاكاة الأقمار التي يمكن العثور عليها حول أجرام النظام الشمسي، من الأرض بقمرها الوحيد إلى أقمار المشتري وزحل الأكبر حجمًا، على مدى مليون عام من التطور. أرادوا دراسة استقرار هذه الأجسام وبيئتها الجاذبية وأنظمة الحلقات المحتملة وكيف تغيرت بمرور الوقت. وكانت النتائج على عكس ما توقعه الباحثون.

«في البداية، توقعنا أن تكون الحلقات غير مستقرة تمامًا، وهو ما كان ليجيب عن السؤال مباشرةً. لكن على عكس توقعاتنا، وجدنا أن هذه الهياكل كانت مستقرة تمامًا في كثير من الحالات».

«أثبتنا في ورقة بحثية سابقة أن الأقمار المعزولة قد يكون لها حلقات مستقرة، لكننا لم نتوقع أن الأقمار في بيئة جاذبية معادية، مع العديد من الأقمار والكواكب الأخرى التي تزعج حلقاتها، ستظل تحافظ على استقرارها. مفاجأة أخرى ظهرت عندما أدركنا أن هذه البيئات المعادية، بدلاً من تدمير الحلقات، منحتها في الواقع جمالًا رائعًا، بإنشاء هياكل مثل الفجوات والموجات، على غرار تلك التي لوحظت في حلقات زحل».

توجد بعض السمات على أقمار النظام الشمسي تشير إلى وجود حلقات في الماضي. تدعم المحاكاة الاقتراحات القائلة بأن الحطام الذي عُثر عليه في مدار قمر زحل «ريا» قد يكون آخر بقايا ما كان ذات يوم نظامًا حلقيًا كاملًا. أيضًا فإن قمر زحل إيابيتوس له خطوط استوائية قد تكون بقايا حلقة سقطت على القمر، تمامًا كما تتساقط حلقات زحل ببطء على العملاق الغازي.

تشير هذه النتائج إلى أن سبب عدم رؤيتنا لحلقات القمر في النظام الشمسي هو أننا لم نكن في المكان المناسب في الوقت المناسب. يقول الباحثون إن الضغط الإشعاعي من الشمس، والحقول المغناطيسية، والتسخين الداخلي، والبلازما المغناطيسية، كلها ساهمت في فقدان أي حلقات قمرية كانت موجودة ذات يوم.

«أعتقد أننا ربما كنا غير محظوظين إلى حد ما في هذا الصدد، إذ بدأنا مراقبة الكون خلال فترة لم تعد فيها هذه الهياكل موجودة. بعد إجراء هذه الدراسة، أنا مقتنع بأن هذه الحلقات ربما كانت موجودة في الماضي».

قد يبدو هذا الأمر محبطًا بعض الشيء، لكنه معقول للغاية. تشير الدراسات إلى أن سبب رؤيتنا لحلقات زحل هو أننا في المكان والوقت المناسبين. الأمر ذاته بالنسبة إلى الكسوف الشمسي، فالقمر يبتعد عن الأرض، وبمرور الوقت سوف يكون بعيدًا جدًا بحيث لا يتمكن من حجب الشمس تمامًا.

يعتقد الباحثون أن المزيد من المحاكاة التي تشمل المزيد من المعلمات، مثل ضغط الإشعاع والحقول المغناطيسية، قد تساعدنا في فهم مسألة غياب الحلقات بمزيد من التفصيل. اقترح سوسيركويا أن ندرس الأقمار بعناية أكبر، بحثًا عن أدلة سابقة على وجود حلقات، مثل سلسلة إيابيتوس.

اقرأ أيضًا:

الصين تبدأ دراسة العينات التي حصلت عليها من الجانب البعيد من القمر

سطح قمر المشتري (آيو) مغطى ببحيرات من الحمم البركانية

ترجمة: شهد حسن

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: باسل حميدي

المصدر