تأبى المادة المظلمة إلا أن تكون مكونًا غامضًا جدًا، فإلى جانب كون وجودها ضروريًا لعمل نماذجنا الحالية للكون، فإنه ليس بمقدورنا رؤيتها أو الإحساس بها أو حتى التفاعل معها ناهيك عن أنّا لسنا متأكدين ماهية هذه المادة المظلمة بالضبط. ولكن، في متناول أيدينا بعض الأفكار المفتاحية، كالكيفية التي يمكن بها للمادة المظلمة أن تتفاعل أو «تتحدث» بها مع المادة العادية عبر الجاذبية. فرغم أن طريقة حدوث هذه التفاعلات ماتزال لغزًا، فإن دراسة جديدة تقترح أن الحل يمكن أن يكمن في شيء يسمى «الاقتران غير البسيط».
شرح علماء الكون الثلاثة جيوفاني جاندولفي وأندريا لابي وستيفانو ليبيراتي في بيان صحفي حول عملهم: «لقد سألنا أنفسنا: هل الجاذبية خاطئة؟ أم أننا فقط ينقصنا شيء جوهري بخصوص طبيعة المادة المظلمة؟ وماذا لو كانت المادة المظلمة والمادة الباريونية القياسية لا تتواصلان بالطريقة التي تخيلناها دومًا؟ يحاول هذا البحث الإجابة عن هذه الأسئلة المثيرة للاهتمام».
يتمثل أفضل تخمين لدينا حول ماهية المادة المظلمة في كونها جزيئات ضخمة وباردة وضعيفة التفاعل. وهي الجزيئات التي انكب على استكشافها علماء الفيزياء التجريبية حول العالم عقودًا دون أن يجدوها حتى الآن.
ورغم أن هذا النوع المميز من المادة المظلمة يعمل جيدًا في نماذجنا، فإننا ما نزال نواجه معضلتين بخصوصه، تسمى أكبرهما «معضلة الهالة المعلّقة»، إذ إن الكثافة المستنتجة للمادة المظلمة في المجرات لا تتوافق مع ما يعرف بمحاكاة الجسم N.
فبينما تقترح هذه المحاكاة أنه لتفسير بنية وحركة المجرات منخفضة المادة فإن المادة المظلمة التي تحويها يجب أن تكون «مشتتة»، ما يعني أن تكون أكثر ارتكازًا حول أعتاب المجرة أو خارجها. ولكن الملاحظات تقول لنا العكس، فأغلب المجرات القزمة تحتفظ بمادتها المظلمة في الوسط.
هذه ليست الدراسة الأولى -ومن الوارد جدًا ألا تكون الأخيرة- التي تحاول حل هذه المعضلات المتعلقة بالمادة المظلمة، لكن هذه المرة اقترح الفريق نظامًا جديدًا، إذ اقترح الباحثون أنه إذا كانت المادة المظلمة غير مقترنة بالجاذبية عبر الاقتران غير البسيط، فإن ذلك يحل معضلة التشتت، إضافةً إلى معضلة أخرى متعلقة بذلك تسمى علاقة التسارع المحوري.
كتب الفريق في بحثهم: «في هذه الدراسة اقترحنا وجهة نظر أخرى لتعديل هيكل المادة المظلمة الباردة القياسية وجعلها بذلك قادرة على وصف منحنيات دوران المجرة التي لوحظت بنحو صحيح، وفي الوقت نفسه، قادرة على إعادة إنتاج علاقة التسارع المحوري بكل أمانة. إن إدخال مثل هذا الاقتران يمكن أن يحافظ على نجاح نموذج المادة المظلمة الباردة على المستويات الكونية مع تحسين سلوكها في الأنظمة المجرية».
يمكننا أن نعد تسمية الاقتران غير البسيط تسمية خاطئة إلى حد ما. ويعني أن المادة المظلمة مقترنة مباشرةً مع انحناء في الزمكان يسمى مُوثِّر أينشتاين. ببساطة إنه نوع جديد من التفاعل بين المادة المظلمة والجاذبية. وإذا كان الاقتران غير البسيط يحدث فعلًا فإن المادة المظلمة تتفاعل مع الزمكان بطريقة مختلفة عن الطريقة التي تتفاعل بها معه المادة العادية.
يقول الفريق: «هذه الخاصية للمادة المظلمة ليست جزءًا من فيزياء أساسية جديدة وغريبة، إذ يمكن للمرء تفسير وجود هذا الاقتران غير البسيط بالاستعانة بالفيزياء المعروفة فقط».
لا يعدو هذا التفسير كونه فرضية واحدة من بين الكثير من الفرضيات، لكنه -مع ذلك- يتوافق جيدًا مع بيانات المراقبة التي رصدناها حتى الآن. ولكن، ما تزال المادة المظلمة موضوعًا شائكًا. لا شك أنّا نحتاج إلى أبحاث أكثر لنحدد: هل الاقتران غير البسيط صفة للمادة المظلمة أم أنه مجرد فرضية ستدفعنا لاكتشاف ما يحدث حقا؟
وكتب المؤلفون في بيان صحفي: «يبدو مستقبل المادة المظلمة مشرقًا، إذ ستجرى المزيد من الدراسات لاستكشاف كل النتائج المثيرة للاهتمام لهذه الخاصية الجديدة المُقترَحَة للمادة المظلمة، ولن نكون متفاجئين إذا اكتشفنا أن هذا الاقتران غير البسيط قد يحل أسئلة أخرى من أسئلة الكون».
اقرأ أيضًا:
دراسة جديدة تقترح بأن مصدر المادة المظلمة قد يكون بعدا آخر
باحثون يقترحون وجود كون معاكس لكوننا في محاولةٍ لتفسير المادة المظلمة
تدقيق: حسين جرود