اعتمد العلماء في بحثهم الجديد الذي تناول الأجرام في الفضاء على تحليل بياناتٍ جديدة إلى جانب تلسكوبات الأشعة السينية. أوضحت الدراسة الجديدة التي نشرها باحثون من جامعة دورتموث، أن الثقوب السوداء ذات البصمات الضوئية المختلفة كانت تُعد سابقًا أجسامًا متشابهة عند مراقبتها بالتلسكوبات من زوايا مختلفة. لكن الآن، تبين أن هذه البصمات الضوئية دليل على المراحل المختلفة لدورة حياة الثقوب السوداء!
يُسمى مجال البحث المعني بدراسة الثقوب السوداء (نوى المجرات النشطة) أو AGN. ويتحدى الباحثون في دراستهم الجديدة النموذج الشائع للثقوب السوداء، الذي ينص على أن جميعها لها الخصائص ذاتها، مؤكدين ضرورة مراجعة هذا النموذج وتحديثه بما يتوافق مع الاكتشافات الجديدة.
هذه الدراسة التي نشرت في مدونة الفيزياء الفلكية The Astrophysical Journal تُفيد في الإجابة عن بعض أهم الأسئلة المتعلقة بالثقوب السوداء، وستتيح المجال للباحثين لإنشاء نماذج أكثر دقة حول تطور الكون، فضلًا عن إلقاء مزيد من الضوء على كيفية تطور الثقوب السوداء.
قالت مؤلفة الدراسة الرئيسية تونيما تسنيم أنانا، الباحثة ما بعد الدكتوراه في كلية دارتموث: «لقد حيرت هذه الأشياء الباحثين أكثر من نصف قرن. وبمرور الوقت وضعنا العديد من الافتراضات حول فيزياء هذه الأشياء. نحن نعلم الآن أن خصائص الثقوب السوداء المحجوبة تختلف اختلافًا كبيرًا عن خصائص النوى المجرية النشطة، وهي ليست مخفية كثيرًا».
تُشير الدراسات السابقة إلى أن الثقوب السوداء الهائلة تقع في مركز كل المجرات الكبيرة تقريبًا، بما في ذلك مجرة درب التبانة. وتلتهم غاز المجرة والغبار والنجوم، وأحيانًا تصبح أثقل من المجرات الصغيرة.
كان العلماء يدرسون النوى المجرية النشطة منذ ثمانينيات القرن الماضي، بتقييم بصماتها الضوئية، وهي نوع من الثقوب السوداء العملاقة تمر بمرحلة نمو متسارع ومتراكم.
اكشف العلماء في نهاية الثمانينيات أن مصدر البصمات الضوئية القادمة من الفضاء على شكل أمواج راديوية أو أشعة سينية، قد يكون النوى المجرية النشطة.
وُضعت فرضية تنص على أن شكل هذه الأجسام يُشبه كعكة دائرية، أو طارة من الغبار والغاز حولها. ويعتقد الباحثون أن السطوع والألوان المختلفة المرتبطة بالأشياء، ترجع إلى الزاوية التي يُمكن أن تُلاحظ بها النوى المجرية النشطة ومقدار الطارة التي تحجب الرؤية.
قال العلماء إنه بناءً على هذا الاعتقاد، أصبحت النظرية الموحدة للنواة المجرية النشطة هي المفهوم السائد حتى يومنا هذا. وتنص النظرية على أنه لو نظرنا إلى الثقوب السوداء عبر طارتها، سيبدو ضوؤها خافتًا. لكن عند مراقبته من أعلى الدائرة أو أسفلها، سيبدو الثقب الأسود مضيئًا.
توضح الدراسة الجديدة أن المشكلة في الاعتماد على هذه النظرية تكمن في البيانات المأخوذة من الأجسام المحجوبة قليلًا، ما يؤدي إلى تشويه نتائج البحث.
قيّم الباحثون في هذه الدراسة مدى السرعة التي تتغذى بها الثقوب السوداء على مادة الفضاء أو معدلات تراكمها، ووجدوا أن معدل التراكم لا يعتمد على كتلة الثقب الأسود، ولكنه يختلف اختلافا كبيرًا اعتمادًا على مدى حجبه بواسطة حلقة الغاز والغبار.
وهذا يدعم فكرة أن الهياكل الحلقية حول الثقوب السوداء ليست كلها متشابهة. وأوضح ريان هيكوكس أستاذ الفيزياء وعلم الفلك وأحد مؤلفي الدراسة، وجود علاقة بين الهيكل وكيفية نموه.
يُشير البحث الجديد إلى أن كمية الغبار المحيطة بالنواة المجرية النشطة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بكمية التغذية، ما يشير إلى وجود اختلافات تتجاوز الاتجاه بين مجموعات مختلفة من النوى المجرية النشطة. وقال العلماء إن الثقب الأسود شديد التراكم يُزيل الغبار والغاز، ومن المرجح أن يبدو أكثر إشراقًا، بينما تُحيط بالنواة المجرية الأقل نشاطًا حلقةٌ أكثر كثافة فتبدو أكثر خفوتًا.
تضيف الدكتورة أنانا: «في الماضي، كان من غير المؤكد كيف تختلف مجموعة النوى المجرية النشطة المحجوبة عن نظيراتها التي تسهل ملاحظتها وغير المحجوبة، يوضح هذا البحث الجديد قطعًا اختلافًا جوهريًا بين المجموعتين يتجاوز زاوية الرؤية».
ساعد في إجراء هذه الدراسة الجديدة تحليل النوى المجرية النشطة القريبة على مدار عقد كامل، وقد كان ذلك ممكنًا بفضل تليسكوب ناسا الخاص بتتبع الأشعة السينية عالية الطاقة المُسمى Swift-BAT. يسمح هذا التلسكوب للباحثين بالبحث عن النوى المجرية المحجوبة وغير المحجوبة في المجرة الهدف.
جاء هذا البحث نتيجة مشروع تعاون دولي على الصعيد العلمي – يُدعى the BAT AGN Spectroscopic Survey (BASS) – بدأت به الدول المشاركة منذ عقد باستخدام تلسكوب Swift-BAT، لمراقبة النوى المجرية النشطة. وكان الهدف منه تحليل طيف الأمواج الضوئية وتحت الحمراء، وجمع النتائج في مكان واحد.
تقول أنانا: «لم تتوفر لنا من قبل عينة واسعة من النوى المجرية النشطة المحلية المحجوبة، التي يُمكن كشفها بتلسكوب أشعة سينية. يُثبت هذا الاكتشاف كفاءة تلسكوبات الأشعة السينية عالية الطاقة».
يبني هذا البحث على ما جاء من قبله من البحوث المعنية بدراسة النوى المجرية النشطة. وتكمن ميزته في أن الدكتورة أنانا طورت تقنية حاسوبية لتقييم تأثير حجب المادة على خصائص الثقوب السوداء، وتحليل البيانات التي جمعها فريق البحث بأكمله.
يستطيع العلماء بواسطة معرفة كتلة الثقب الأسود ومدى نشاط تغذيته، تحديد متى حصل الجزء الأكبر من نمو غالبية الثقوب السوداء الهائلة. وتُضيف معلومات قيمة حول تطور هذه الكيانات الكونية والكون بأكمله.
يقول هيكوكس إن النتائج الأخيرة تحل جزءًا مهمًا من اللغز المتمثل في: «من أين تأتي الثقوب السوداء الهائلة».
ويُضيف قائلًا: «يُتيح لنا البحث الجديد إمكانية الإجابة عن هذا السؤال، وأعتقد أنه سيصبح مرجعًا مهمًا في هذا المجال العلمي».
سيكون التركيز في المستقبل على نشر بحوث معنية بدراسة أطوال الأمواج التي تُتيح للعلماء البحث خارج نطاق مجرة درب التبانة. وعلى المدى القريب، ستصب جهود العلماء في محاولة فهم ما يدفع الثقوب السوداء للدخول في حالة تراكم متزايد، والمدة الفاصلة بين تحول النوى المجرية النشطة شديدة التراكم من مرئية بوضوح إلى محجوبة.
اقرأ أيضًا:
رصد ثقب أسود يختلف عن أي ثقب أسود مكتشف سابقا
رصد نجم يدور حول الثقب الأسود في مركز مجرتنا بسرعة 29 مليون كيلومتر في الساعة
ترجمة: طاهر خوجة
تدقيق: جنى الغضبان