في السنوات الأخيرة، لجأ علماء الآثار إلى الليزر للكشف عن حضارات قديمة كانت في السابق غير مرئية.
تستعمل الطائرات تقنية الليزر التي تسمى «ليدار» -اختصارًا «لضبط وتحديد مدى الضوء»- لإسقاط آلاف النبضات من الأشعة من السماء على الأرض لتخترق مظلة الغابات العميقة والكثيفة. قدم هذا للعلماء خرائط ثلاثية الأبعاد لما تحت الغطاء النباتي، كاشفًا بنىً شيدها الإنسان.
من مدينة مايانيةٍ إلى قرى معقدةٍ في عمق غابات الأمازون. في ما يلي خمس حضاراتٍ لم تكن معروفةً من قبل، اكتشفتها تكنولوجيا «الليدار» الأحدث.
حضارة مستترة مايانية عمرها 2000 سنةٍ في شمال غواتيمالا
باستعمال نبضات الليزر، رصد الباحثون حضارة مايانية شمالي غواتيمالا فيها ما يقارب 1000 موقعٍ أثري. وحسب خرائطهم الطوبوغرافية، حددوا 417 من القرى والمدن والبلدات التي تتشكل منها هذه الحضارة، والتي تمتد على ما يقارب 1,046 كيلومترًا مربعًا.
احتوت المستوطنة على عشرات ملاعب الكرة ومجموع 177 كيلومترًا من الطرق المعبدة التي مكنت المايانيين القدامى من السفر. نشرت الاكتشافات في صحيفة «أمريكا الوسطى القديمة» في ديسمبر 2022.
500 موقع ماياني وأولميكي شعائريٍ بالمكسيك فقدت منذ زمن بعيد
في دراسةٍ نشرت في أكتوبر 2021، كشف الباحثون عن 478 موقعًا في أمريكا الوسطى يقدر عمرها بين 2000 و3000 عام. تنتشر هذه المواقع تقريبًا على مساحة 52,786 كيلومتر مربعٍ في ولايتي «تاباسكو» و«فيراكروز» المكسيكيتين، حيث ازدهرت حضارتا الأولميك والمايا. يساعد هذا الاكتشاف علماء الآثار على إيجاد رابطٍ بين ثقافتي المايا والأولميك.
يقول تاكيشي إينوتوما -عالم الأنثروبولوجيا بجامعة أريزونا والذي ساهم في تأليف الدراسة- في تصريح صحفي: «لم تكن دراسة منطقة واسعة كهذه لتخطر على البال حتى السنوات القليلة الماضية»، مضيفًا أن تكنولوجيا «ليدار» بصدد تحويل علم الآثار بالكامل.
61 ألف بنية مجهولة سابقًا مخفية تحت الأدغال الكثيفة بغواتيمالا
عام 2018، استعمل الباحثون تكنولوجيا الليزر لرسم خريطةٍ لمدينة «بيتين» بغواتيمالا حيث عاش شعب حضارة المايا سابقًا. واكتشفوا 61480 طريقًا مفقودًا منذ زمن بعيد وأسسًا لمنازل وتحصيناتٍ عسكرية وطرقًا معبدةً مرتفعة، تعود كلها إلى الفترة بين 650 و800 ميلادي، أي في الفترة المايانية الكلاسيكية المتأخرة.
يقول فرانسيسكو إسترادا بيلي -عالم الآثار بجامعة تولان ومساهم في كتابة الدراسة- في تصريحٍ صحفي: «تكشف الشرفات وقنوات الري والخزانات والتحصينات العسكرية والطرق المعبدة إذا نظرنا إليها ككلٍ قدرًا مذهلًا من التغييرات في الأرض أنجزه المايا على نطاقٍ لم يكن يمكن تصوره سابقًا».
81 عملاً ترابيًا، من بينها قرى محصنة وطرق في عمق غابات الأمازون
في منطقة ماتسو غراسو البرازيلية، استعمل علماء الآثار الليدار لإيجاد أدلةٍ عن 24 موقعًا تحوي 81 عملاً ترابيًا من بينها طرقات متصلة وقرى محصنة مبنية على التلال. ويعتقد العلماء أن هذه البنى ربما كانت حاضنةً لحضارة معقدة تضم تعداد سكانٍ يصل إلى مليون نسمة بين عامي 1250 و1500، كما نقل موقع «إنسايدر» سابقًا.
كانت بعض المواقع المحفورة في الأرض، التي يسميها علماء الآثار الجيوغليف تصل إلى عرض 396.24 مترًا. ربما توجد مئات المواقع الأخرى مخبئةً في الأدغال في تسلسل خطيٍ من المستوطنات، كما يقول جوناس جريجوريو دو سوزا المؤلف الرئيسي للمقالة، متحدثًا إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» عام 2018. «يبدو أنها كانت فسيفساء من الثقافات».
حضارة قديمة نمت فوق أنقاضها الأشجار بغابات الأمازون في بوليفيا
في بوليفيا الحالية، كشف «الليدار» آثارًا مخفيةً لأكثر من 26 مستوطنةً للسكان الأصليين، تسعة منها اكتشفت حديثًا، وكانت مزدهرةً في غابات الأمازون قبل ما يزيد عن 600 عام.
تنتمي هذه المستوطنات إلى حضارة «كاسارابي» التي شغلت ما يقارب 2,736 كيلومترًا مربعًا بين عامي 500 و1400 ميلادي. وقد كشف علماء الآثار أيضًا منصاتٍ صاعدة وأهراماتٍ مخروطيةً يصل ارتفاعها إلى ما يقارب 22 مترًا.
كتب الباحثون في مجلة نيتشر: «تدحض نتائج أبحاثنا الحجج القائلة بأن منطقة الأمازون الغربية كانت قليلة السكان في الأزمنة السابقة لمجيء الإسبان».
اقرأ أيضًا:
أهمية التكنولوجيا في علم الآثار
آثار أقدام مكتشفة حديثًا تُظهر أن هجرة البشر للأمريكيتين كانت أقدم مما نعتقد
ترجمة: زياد نصر
تدقيق: جعفر الجزيري