هل تخطئ كتب لغة الجسد؟ وما الحقيقة وراء قراءة الإشارات غير اللفظية؟
لا بد أننا سمعنا من قبل أن عقد الذراعين أمام الصدر يدل على الدفاع والترصد، وأن اللعب بالشعر في أثناء الكلام يدل على القلق والتوتر، ولكن ما الحقيقة وراء أسرار لغة الجسد هذه؟
يصدر من معظم الناس عندما يتحدثون حركات يد عفوية ولا شعورية لتوضيح ما يقولونه أكثر، ولا يوجد قاموس لفهم هذه الحركات، ولكنها تُفسر إلى جانب الكلام الذي يقولونه. وعندما لا يستطيع الناس ملاحظة هذه الحركات، تفوتهم معلومات مهمة جدًا.
قد تمكننا قراءة لغة الجسد من فهم مشاعر شخص ما أو اكتشاف ما يدور في ذهنه، ولكن من المهم معرفة أن لغة الجسد ليست علمًا دقيقًا بحد ذاتها، وأنها قد تختلف بين الأشخاص في كيفية تعبيرهم عن أنفسهم بسبب وجود اختلافات ثقافية وفردية. فمثلًا، يُعد التواصل البصري في اليابان تصرفًا عدوانيًا أو وقاحة.
على الرغم من ذلك، لا تتطابق لغة الجسد والكلام أحيانًا. فقد يقول المتحدث: «أنا وشريكي مقربان جدًا»، ولكن يداه تدل على وجود فجوة كبيرة بدلًا من القرب الذي يتحدث عنه أو يقول شخص آخر: «لدي طموحات عالية جدًا»، ولكن يده لا ترتفع إلى ذلك الحد، وهذا ما نتوقعه إذا كان الشخص يعني ما يقوله حقًا.
في مثل هذه الحالات، غالبًا ما تكون الحركات غير الشعورية هي الدليل الأكثر مصداقية لما يجول في عقل المتكلم، ولكن عليك أن تعرف ما الذي يتحدث عنه تمامًا لقراءة الحركات الإيمائية بدقة أكبر.
من الأسهل كثيرًا الكذب في الكلام بدلًا من الكذب في لغة الجسد؛ لأن حركات لغة الجسد لها أوقات معقدة مرتبطة بالكلام نفسه؛ إذ تبدأ حركة اليد قبل الكلام مباشرة ثم يتزامن الجزء المهم من الحركة مع الكلمة المتعلقة به، فيكون إدراك هذه الأوقات صعبًا عند الكذب.
كل ذلك مرتبط بالحركة والوقت والتواصل الوثيق وغير الشعوري بين الكلام ولغة الجسد.
تضمن الكثير من كتب لغة الجسد النجاح في الاجتماعات، وغرف النوم، والحانات، والمطاعم، والعمل، والمنزل عندما تعلم الشخص قراءة لغة جسد الأصدقاء والجيران. وبغض النظر عن كسب المال، لهذه الكتب هدفان رئيسيان وهما اكتساب الخبرة في قراءة لغة الجسد وتزييفها لإضفاء أفضل تأثير في الأشخاص.
لا يمكن في الواقع تصديق كل ما نقرأه في كتب لغة الجسد، ففي كتاب نُشر عام 1970، ادعى مؤلفه راي بيردوهيستيل أن البشر يملكون 20000 تعبير وجه مختلف. وفي كتاب «المرجع الأكيد في لغة الجسد» الذي نُشر عام 2004 لمؤلفيه آلان وباربرا بيز، ارتفع هذا العدد فجأة إلى 250000 تعبير للوجه، أي ربع مليون تعبير وجه مختلف. إذن لا عجب أننا بحاجة إلى قراءة دليل عن لغة الجسد لفك شفراتها و تفسيرها.
تشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن العدد الفعلي لتعبيرات الوجه ما يقارب 21 تعبيرًا في الواقع.
فمثلًا، يخبرنا آخر كتاب في لغة الجسد أن وضعية crotch (الوقوف وفتح الساقين وإبعادهما عن بعضهما، ودفع الحوض قليلًا إلى الأمام، مع وضع اليدين على الخصر) يستخدمها الرجال مفتولي العضلات والرجال الأقوياء فهي إشارة جنسية قوية؛ إذ يقول المؤلفون إن هذه الوضعية تخبر الآخرين أن الشخص قوي ويمكنه السيطرة، ويدّعون أنها تعمل، لذلك يعتمدها معظم الرجال الذين يريدون لفت الانتباه.
يقتني الملايين من الناس هذه الكتب ويحاولون تطبيق وضعية crotch أو وضعية catapult (الجلوس مع وضع اليدين والمرفقين خلف الرأس)، التي يستخدمها الذكور خصوصًا لترهيب الآخرين.
يصعب عدم السخرية من هذه الرموز والمعاني «السرية» بسبب انتشارها على نطاق واسع في الكتب الأكثر مبيعًا، ولأنها تُعد نوعًا ما سخيفة بطبيعتها.
تمتلئ كتب لغة الجسد بصور حركات وإيماءات لأشخاص يتواصلون من خلال لغات جسدهم بفعالية ودقة كبيرة؛ لأن لغة الجسد ديناميكية والجسد في حالة حركة دائمًا، فلا يمكنك الوقوف في وضعية crotch أو الجلوس في وضعية catapult طوال اليوم.
أضاف عالم النفس الأمريكي والخبير في علم اللغة النفسي ديفيد مكنيل في كتابه «اللغة والإيماءات» أن هناك مشكلة أخرى تتعلق بالطبيعة الثابتة لكتب لغة الجسد، وهي أن الكلام ولغة الجسد مرتبطان ارتباطًا وثيقًا ولا مجال للفصل بينهما.
جاء في كتاب «لغة الجسد في إعادة التفكير» أن على الشخص معرفة أين ينظر عند قراءة لغة الجسد بدقة، فقد لا يكون هناك 20000 تعبير وجه مختلف، ولكن لا يزال الوجه قادرًا على كشف المشاعر والأحاسيس المخفية إذا لم يحاول المتكلم إخفاءها بابتسامة مزيفة مثلًا.
كيف يمكن التمييز بين ابتسامة مزيفة وابتسامة حقيقية؟
وفقًا لعالم النفس الأمريكي بول إيكمان في تجاربه الرائدة التي تربط بين المشاعر وتعبيرات الوجه، الابتسامة الحقيقية تتضمن استخدام العضلات حول العين؛ إذ تتشكل الخطوط والتجاعيد حولها عند الابتسام، أما إذا كانت الابتسامة مزيفة، فإن هذه الخطوط لا تظهر. ونضيف إلى ذلك المدة الزمنية، فالابتسامة الحقيقية تتلاشى ببطء على الوجه، أما الابتسامة المزيفة، فتزول فجأة.
ربما تبدو هذه الاختلافات غير كافية، ولكن قد يظهر الفرق عند التركيز على تعبيرات الوجه وعند اختفاء الابتسامة.
في الختام، هذا لا يعني أن لغة الجسد ليست مهمة، بل هي في غاية الأهمية، رغم أنها لا تضاهي أهمية التواصل اللفظي.
اقرأ أيضًا:
الفراسة وقراءة الوجه خرافة أم حقيقة؟
لماذا يصعب علينا إخفاء مشاعرنا الحقيقية ويسهل قراءة عواطفنا؟
ترجمة: تيماء القلعاني
تدقيق: هزار التركاوي
مراجعة: هادية أحمد زكي