تتزاحم قوانين الفيزياء في الكتب المدرسية؛ مفسّرةً كل شيءٍ عن حركة الأشياء، وتوقفها وانحرافها وطيرانها. تصف هذه القوانين الأحداث التي يمكننا ملاحظتها، ويمكن أن تترافق هذه الأحداث مع عوامل عديدة لا يمكننا ملاحظتها بسهولة.
حديثًا طوّر مجموعة من الباحثين التابعين لجامعة كولومبيا برنامحًا خاصًا بالذكاء الاصطناعي، ويبدو أن هذا الذكاء الاصطناعي اكتشف قوانينه الفيزيائية البديلة للقوانين المتداولة.
بعد تزويد الذكاء الاصطناعي بالعديد من الفيديوهات التي تحتوي على ظواهر فيزيائية حدثت على الأرض، أوجد الذكاء الاصطناعي متغيرات جديدة تفسر هذه الظواهر، أي لا يمكن اعتبارها قوانين قديمة وأُعيد اكتشافها.
وهنا لا بد لنا أن نوضح أن تلك القوانين لم تكن ثورة تنفي تلك التي نعرفها مسبقًا، أو تشكك في قدرتها على تفسير الظواهر من حولنا، والمثال الأكبر على ذلك هو قوانين آينشتاين؛ التي لم تعجز عن تقديم تفسيرات للظواهر على مر العصور.
ولكن قوانيننا تلك التي أنشئت سابقًا على مدى قرون، على أساس ما يسمى لغة النظرية والمبادئ، قديمةٌ جدًا. بإعطائه القليل من الوقت والفرصة لمعالجة المشاكل نفسها ولكن من منظور آخر، وبطريقة تفكير مختلفة، سيكون السؤال هنا هل سنستخدم القوانين لتفسير ظواهر الكون بالشكل نفسه؟
هذه القوانين بقيت ذات فعالية عالية مع مرور الوقت، وبالتزامن مع الوصول إلى تقنيات عالية الأداء مكنتنا من تصوير الثقوب السوداء، وتحديد أماكن غريبة في هذا العالم؛ وهنا نقصد القوانين الظاهرة الملموسة وليست القوانين اللا مرئية مثل: ميكانيكيا الكم.
ومن الجدير بالذكر أن الهدف من الذكاء الاصطناعي ليس إيجاد قوانين جديدة تفسر الكون، أو التحسين من قوانين آينشتاين. ذلك لأن الظواهر التي اختبرها الذكاء الاصطناعي، ليست سوى قلة قليلة من مجمل الظواهر الكثيرة الحاصلة.
يقول عالم الروبوتات هود ليبسون من مختبر الآلات الإبداعية بجامعة كولومبيا: «دائمًا ما يتبادر إلى ذهني سؤال غريب، لو كانت هناك كائنات فضائية ذكية، هل كانت ستكتشف نفس قوانين الفيزياء التي لدينا الآن؟، وهل كان من المحتمل لها أن تقدم تفسيرات حول الكون، مغايرةً لتلك التي بين أيدينا؟».
وأضاف: «عدد المتغيرات هو نفسه في كل مرة يُعيد بها الذكاء الاصطناعي التجربة، وما يتغير فعليًا هو المتغيرات المحددة. وهذا يُثبت أنه توجد عدة طرق بديلة يمكن أن نفسر بها ظواهر الكون. ومن الوارد أن تكون الطريقة التي فسرنا بها ظواهر الكون ليست الطريقة المثالية».
أراد الفريق معرفة احتمالية إيجاد قوانين جديدة؛ التي إن وُجدت ك، ستساعدنا على تفسير عدة ظواهر جديدة معقدة تظهر في البيانات الحالية، وتصعب مواكبتها من ناحية الفهم النظري، مثل البيانات الجديدة التابعة لتجارب هائلة مثل تجارب مُصادم الهادرونات الكبير الذي يُنبئ بفيزياء جديدة.
يقول الرياضي كوانغ دو التابع لجامعة كولومبيا: «ما القوانين التي لا نملكها بسبب افتقارنا إلى المتغيرات التابعة لها؟».
والسؤال هنا:كيف سيكتشف الذكاء الاصطناعي فيزياء جديدة؟
زود الفريق النظام بفيديوهات تحتوي على لقطات لظواهر مفهومة مسبقًا، وطرحوا سؤالًا بسيطًا على البرنامج: ما أقل عدد من المتغيرات الأساسية الضرورية لوصف الحالة التي في الفيديو؟
الفيديو الأول كان يحتوي على بندولين اثنين في حالة تأرجح ومن المعروف أن هذه الحالة لها أربع متغيرات، وهي زاوية وسرعة زاوية كل بندول.
بعد أن فكر الذكاء الاصطناعي بإجابة السؤال كان جوابه هو أن هذه الظاهرة تتطلب 4.7 متغير لتفسيرها.
وبالنظر إلى النتيجة بدت أنها كانت قريبة من المتغيرات الأربعة التي نعرفها، لكن لم نجد تفسيرًا لبقية المتغيرات الأخرى؛ التي وجدها الذكاء الاصطناعي.
هذا وحاول الفريق الوصول إلى رابط بين المتغيرات المعروفة والمتغيرات التي أوجدها الذكاء الاصطناعي، وانتهوا إلى أن اثنين منهما متطابقان، وهما زوايتا البندولين، وأما المتغيران الآخران فقد شكّلا لغزًا للعلماء.
بقي الذكاء الاصطناعي قادرًا على التنبؤ بدقة بالأحداث التالية للنظام. لذلك توصل الفريق إلى أن الذكاء الاصطناعي يمتلك معلومات أُخرى يجهلها الفريق.
يقول بويوان تشين مشرف البحث، والباحث في البرمجيات والأستاذ المساعد في جامعة ديوك: «حاولنا ربط المتغيرات الأُخرى التي لدى الذكاء الاصطناعي مع جميع الخيارات الممكنة من زوايا، وسرعات خطية، وطاقة حركية، وجهد، وأيضًا مجموعات متنوعة من الكميات المعروفة. لم نتوصل إلى تطابق كامل في النتائج ولم نفهم حتى الآن اللغة التي يتحدث بها الذكاء الاصطناعي».
بعد ذلك زوّد الفريق نظام الذكاء الاصطناعي بالفيديوهات الأُخرى.
الفيديو الأول كان عبارة عن ذراع يتموّج في الهواء؛ أي بندول هوائي، و قد فسّره الذكاء الاصطناعي من خلال ثمانية متغيرات.
أما الفيديو الثاني فكان عبارة عن لقطات مصباح اللافا «مصباح الحمم» وقد فسره بثمانية متغيرات.
والأخير فيديو اللهيب فسّره بأربعة وعشرين متغيرًا. وفي كلّ مرة كانت النتائج فريدة ومختلفة.
كتب الباحثون في ورقتهم البحثية: «اكتشفت خوارزميتنا البعد الجوهري للديناميكيات المُحلِّلة، التي يمكنها تحديد المجموعات المحتملة لمتغيرات الحالة المدروسة، من دون أي معرفة مسبقة بالفيزياء الأساسية».
هنا ومن هذا الاكتشاف نذهب إلى المستقبل، إذ نأمل أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي في تحديد المتغيرات التي تدعم المفاهيم الجديدة، التي نجهلها حاليًا.
اقرأ أيضًا:
مفارقات رياضية تضع حدودًا لتطور الذكاء الاصطناعي.
استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لفهم كيفية عمل الدماغ.
ترجمة: رهف ابراهيم
تدقيق: منال توفيق الضللي
