الختان إجراء جراحي لإزالة الجلد الذي يغطي طرف القضيب، وهو إجراء شائع نسبيًا يخضع له الصبية حديثو الولادة في عدة بلدان حول العالم، منها الولايات المتحدة. يمكن إجراء الختان في وقت لاحق من الحياة، لكن يصبح الإجراء أعقد.
بالنسبة إلى بعض العائلات، يُعد الختان من الطقوس الدينية، وأحيانًا يمثل الختان تقليدًا عائليًا، أو إجراءً مرتبطًا بالنظافة الشخصية، أو الرعاية الصحية الوقائية. لكن بالنسبة إلى آخرين يُعد الختان إجراءً غير ضروري، أو فعلًا تشويهيًا.
الميكروبيوم هو مجموع الميكروبات المتعايشة مع الإنسان أو الأحياء الأخرى، إذ تعيش على أجسامها أو داخل أمعائها. يُقصد بالميكروبيوم أساسًا النبيت الجرثومي المعوي والميكروبات التي تعيش على الجلد، أو ما يُسمى نبيتًا جرثوميًا جلديًا. ويشمل أيضًا الميكروبات التي تعيش في أجزاء أخرى من جسم الإنسان تعايشًا سلميًا، كما في الفم والأنف والعين والأعضاء التناسلية.
وجدت دراسة جديدة صغيرة شملت 11 طفلًا في الولايات المتحدة دليلًا على أن إزالة الجلد الذي يغطي طرف القضيب، قد يغيّر المجتمعات البكتيرية والفطرية التي تعيش طبيعيًا هناك، من حيث الوفرة والتركيب.
تربط دراسات أخرى بعض الأنواع البكتيرية التي نقصت بعد الختان بالالتهابات والأمراض المنقولة جنسيًا. هذا يعني مبدئيًا أن الختان يقلل من قابلية الشخص للإصابة بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، بالحد من الالتهاب في أنسجة القضيب.
يمثل الميكروبيوم حدودًا جديدة في البحث العلمي، في حين نحصل على فكرة أفضل عن كيفية تأثير الميكروبات التي تعمل داخل أجسامنا في صحتنا، فإن ميكروبيوم القضيب لم يُدرس باستفاضة مثل ميكروبيوم الأمعاء أو الميكروبيوم المهبلي.
حتى الآن لدينا بيانات محدودة، ونقص في الدراسات الخاضعة للرقابة حول الختان لاستخلاص أي استنتاجات، خاصةً عندما نفكر في الدراسات السابقة غير الدقيقة، التي نميل إلى التغاضي عنها.
كانت النظرية القائلة بأن الختان يحمي من الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، متداولةً منذ القرن التاسع عشر على الأقل، إذ افترض العالم «جوناثان هاتشينسون» أن اليهود المختونين في لندن تمتعوا بحماية أكبر من مرض الزهري مقارنةً بالمجتمعات غير المختونة.
جادل علماء آخرون بأن هاتشينسون كان يتعجل الاستنتاجات، وحذروا من أن الارتباط لا يعني السببية، إذ قد تؤثر عوامل أخرى في هذه الصلة الإحصائية.
ما زال النقاش مستمرًا حتى الآن، ويعتقد كل فريق أن رأيه أدق علميًا، ومدعوم بأدلة أكثر من الآخر.
وجدت العشرات من الدراسات القائمة على الملاحظة، وبعض التجارب السريرية المُعشاة على مر السنين، أدلةً تشير إلى أن الختان ربما يحمي الأفراد من بعض الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، على الأقل إلى حد ما.
أما التحليلات الشمولية المستندة إلى البيانات العلمية، فقد وجدت أن الختان مرتبط بانخفاض الالتهابات البكتيرية مثل الزهري، أو الالتهابات الفيروسية، مثل الهربس التناسلي، أو فيروس الهربس البسيط من النوع الثاني.
عام 2020، أظهرت دراستان دليلًا على أن البالغين المختونين لديهم ميكروبيوم قضيب مختلف مقارنةً بغير المختونين، وقد ثبت أن هذا يحمي المجموعة الأولى، إلى حد ما، من انتشار التهاب المهبل البكتيري أو الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية. مع أن النتائج حول فيروس نقص المناعة البشرية خصوصًا مثيرة للجدل.
استنادًا إلى بيانات المراقبة التي جُمعت في جنوب إفريقيا، جادل الباحثون بأن الختان قد يكون فعالًا في الوقاية من انتقال فيروس نقص المناعة البشرية بين المغايرين جنسيًا.
تستند مثل هذه الاستنتاجات إلى نتائج ثلاث تجارب كبيرة أجريت في إفريقيا بين الذكور البالغين، أظهرت أن الختان قد يقلل من خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية بنسبة 50 – 60%.
في حين أن هذا يبدو مذهلًا -وبعضه مبالغ فيه بوضوح- فإن دراسات أخرى تتحدى مفاهيم العلاقة بين عدوى فيروس نقص المناعة البشرية والختان. في أكتوبر 2022، فحصت دراسة الإحصائيات الكامنة وراء ختان الذكور وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية في ست دول إفريقية، دون العثور على صلة واضحة.
تشكك الدراسة في الاستراتيجية الحالية لحملات الختان الطبي الطوعي للذكور للسيطرة على وباء فيروس نقص المناعة البشرية، وأن هذه الحملات تثير عددًا من القضايا الأخلاقية، وفقًا لمؤلفي الدراسة.
في إفريقيا، الختان شائع للغاية، ومنتشر على نطاق واسع. وفي حين أن ذلك يرجع غالبًا إلى أسباب ثقافية، فقد انتشر الحث على إدخال هذه الممارسة وسيلةً للحد من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية.
عام 2000، اقترح العلماء أن الختان يحمي من الالتهاب والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، بواسطة تغيير ميكروبيوم القضيب.
الدراسة الأخيرة التي شملت 11 طفلًا هي الأولى من نوعها التي تظهر أن تغيرات الميكروبيوم يمكن أن تتبع الختان. مع أن النتائج مثيرة للاهتمام، فإن حجم العيّنة الصغير، وحقيقة أنها لا تثبت تأثيرًا سببيًا، كانا سببًا كافيًا لإبقاء الشك قائمًا إلى حد ما.
قد يكون صحيحًا أن الختان يغيّر ميكروبيوم القضيب، لكن ما تأثير هذا التغيير في العدوى؟ ما زال الأمر غير واضح. قد تكون بعض التغيرات مفيدةً للصحة من جانب، وقد تضر من جانب آخر، أو لا تناسب أجسام الجميع.
في الدنمارك مثلًا، لم تجد دراسة سكانية امتدت لثلاثة عقود أي دليل على أن الختان في مرحلة الطفولة يحمي من فيروس نقص المناعة البشرية، أو الأمراض الأخرى المنقولة بالاتصال الجنسي. في الواقع، ارتبط الختان بارتفاع الإصابة بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي عمومًا، وخاصةً الثآليل التناسلية والزهري.
عام 2007، استعرضت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال الأبحاث حول الختان، وجادلت بأن «الأدلة الحالية تشير إلى أن الفوائد الصحية لختان الذكور حديثي الولادة تفوق المخاطر».
يقول مسؤولو مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها بأن الختان قد يحمي جزئيًا من فيروس نقص المناعة البشرية، لكنهم في الوقت ذاته يشيرون إلى عدم وجود أدلة حاسمة على أن ختان الذكور يقلل انتقال الفيروس بين المثليين.
من دون دراسات سريرية محكمة تدرس العلاقة بين الختان وميكروبيوم القضيب والأمراض المنقولة جنسيًا، ستظل الأدلة متضاربةً بشدة، ولن يتوصل العلماء إلى نتائج دقيقة.
اقرأ أيضًا:
هل يؤثر الختان على حساسية القضيب؟
ختان الذكور: ما هي فوائد وأضرار الختان من وجهة نظر العلم؟ هل هو جيد ام سيء؟
ترجمة: كلوديا قرقوط
تدقيق: منال توفيق الضللي