رصد العلماء مجرة راديوية أكبر من مجرتنا بنحو 32 مرة. وأطلقوا عليها لقب إنكاثازو أو مشكلة، إذ يسعى الفريق لفهم الفيزياء التي تكمن وراءها، فمن المعروف أن جميع المجرات تحتوي على ثقب أسود هائل في مراكزها.
قد تبلغ الثقوب السوداء الهائلة في كتلها عدة ملايين أو مليارات أضعاف من كتلة الشمس، وهي كثيفة لدرجة أنها تشوه الزمكان حولها. وفي بعض المجرات، تدور كميات كبيرة من الغاز بين النجوم حول الثقب الأسود الهائل وتُسحب إلى ما وراء أفق الحدث، إي إلى الثقب الأسود عمليًا. تعطي هذه العملية كمية هائلة من الاحتكاك والطاقة، قد تسبب إطلاق كميات هائلة من الضوء بألوان وترددات مختلفة عبر الطيف الكهرومغناطيسي.
وأحيانًا، ينفث الثقب الأسود نفاثات من البلازما تصل إلى بعد ملايين السنين الضوئية عبر الفضاء بين المجرات. وغاز البلازما حارّ جدًا لدرجة أنه في الأساس عبارة عن إلكترونات تتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء. تتوهج نفاثات البلازما هذه بترددات راديوية، لذلك يمكن رؤيتها باستخدام تلسكوب راديوي، وتسمى مجرات راديوية. وبحسب تشبيه ورد في حلقة حديثة من بودكاست علم الفلك (The Cosmic Savannah)، تظهر نفاثات البلازما وكأنها عصا تخرج من كرة من المادة اللاصقة (المجرة). ويفترض علماء الفلك أن نفاثات البلازما تستمر في التوسع للخارج مع مرور الوقت، تنمو في النهاية إلى حجم كبير بحيث تصبح مجرات راديوية عملاقة.
يعرف العلماء بوجود ملايين من المجرات الراديوية ذات الحجم الطبيعي، لكن بحلول عام 2020، لم يُكتشف سوى حوالي 800 مجرة راديوية عملاقة، فكانت تُعد نادرة نظرًا إلى مرور حوالي 50 عامًا منذ اكتشافها لأول مرة.
لكن الجيل الجديد من التلسكوبات الراديوية -مثل ميركات في جنوب إفريقيا- قلب هذه الفكرة رأسًا على عقب، ففي السنوات الخمس الماضية، اكتُشِفَ نحو 11000 مجرة راديوية عملاقة. وأحدث اكتشاف للمجرة الراديوية العملاقة الذي اكتشفه تلسكوب ميركات غير عادي.
تمتد نفثات البلازما لهذا العملاق الكوني على مسافة 3.3 مليون سنة ضوئية، أي أكثر من 32 ضعف حجم مجرة درب التبانة. وأُطلق عليه اسم إنكاثازو، الذي يعني مشكلة في لغتي isiXhosa وisiZulu في جنوب إفريقيا. وذلك بسبب تعذر فهم الفيزياء وراء ما يحدث مع إنكاثازو بالكامل.
لقد منحنا هذا الاكتشاف فرصة فريدة لدراسة المجرات الراديوية العملاقة، تتحدى النتائج النماذج الحالية وتشير إلى أننا لا نفهم بعد الكثير من فيزياء البلازما المعقدة التي تؤدي دورًا في هذه المجرات المتطرفة.
المشكلة الجوهرية في الاكتشاف
يقع تلسكوب ميركات في منطقة كارو في جنوب إفريقيا، ويتكون من 64 طبق راديو يُشغَل ويُدار باستخدام مرصد علم الفلك الراديوي في جنوب إفريقيا. ويُعد مثالًا مبدأيًا لمجموعة الكيلومتر المربع التي ستكون أكبر تلسكوب في العالم عندما تبدأ عملياتها العلمية في عام 2028.
لقد أدى ميركات دورًا محوريًا في الكشف عن بعض الكنوز المخفية في السماء الجنوبية منذ تكليفه لأول مرة في عام 2018. وهذه هي المجرة الراديوية العملاقة الثالثة التي اكتشفتها ميركات في منطقة صغيرة نسبيًا من السماء بالقرب من خط الاستواء، بحجم خمسة أقمار كاملة، وقد أطلق عليها علماء الفلك اسم حقل COSMOS.
وفي المراحل المبكرة لأحد أكثر المسوحات تقدمًا للمجرات البعيدة، توجه ميركات إلى COSMOS لاستكشاف خارج المجرة الدولي متعدد المستويات بالجيجاهيرتز (MIGHTEE). وبالنتيجة رصد كيركات إنكاثازو مؤخرًا مثلما حدث في مسح MIGHTEE الكامل.
لكن إنكاثازو تختلف عن قرائنها الكونية بعدة طرق. إذ لا تتمتع بنفس خصائص العديد من المجرات الراديوية العملاقة الأخرى. فلديها مثلًا نفاثات بلازما ذات شكل غير عادي، وبدلاً من الامتداد باستقامة من طرف إلى طرف، فإن إحدى النفاثات منحنية.
بالإضافة إلى ذلك، تعيش إنكاثازو في مركز مجموعة من المجرات، بدلًا من عزلة نسبية، ما يجعل نمو نفاثات البلازما إلى مثل هذه الأحجام الهائلة أمرًا صعبًا. ويثير موقعها تساؤلات حول دور التفاعلات البيئية في تكوين هذه المجرات العملاقة وتطورها.
تساعد القدرات الاستثنائية لتلسكوب ميركات على حل هذا اللغز الكوني، وذلك بإنشاء بعض الخرائط الطيفية الأعلى دقة على الإطلاق للمجرات الراديوية العملاقة. تتبع هذه الخرائط عمر البلازما في أجزاء مختلفة من المجرة، ما يوفر أدلة حول العمليات الفيزيائية التي تحدث.
كشفت النتائج عن تعقيدات مثيرة للاهتمام في نفاثات إنكاثازو، إذ تتلقى بعض الإلكترونات داخل نفاثات البلازما دفعات غير متوقعة من الطاقة. ويُعتقد حدوث هذا عندما تصطدم النفاثات بالغاز الساخن في الفراغات بين المجرات في مجموعة. ويعطي هذا تلميحات حول نوع فيزياء البلازما التي قد تحدث في هذه الأجزاء المتطرفة من الكون التي لم نتوقعها من قبل.
كنز ثمين
تشير حقيقة اكتشاف ثلاث مجرات راديوية عملاقة من خلال توجيه تلسكوب ميركات إلى رقعة واحدة من السماء أنه من المحتمل وجود كنوز ضخمة تنتظر اكتشافها في السماء الجنوبية. إن هذا التلسكوب قوي جدًا وهو في موقع مثالي لهذا النوع من الأبحاث ولاكتشاف المزيد عن المجرات الراديوية العملاقة في السنوات القادمة.
اقرأ أيضًا:
بحث علمي جديد يشير إلى أن مجرتنا بالفعل تلامس مجرة أندروميدا
مجرة صغيرة تدور حول مجرتنا في الفضاء، لكنها مختلفة عمّا نعتقد!
ترجمة: لور عماد خليل
تدقيق: زين حيدر
مراجعة: محمد حسان عجك