السلوك الجنسي القهري (إدمان الجنس) هو حالة يعجز فيها الفرد عن التحكم في سلوكه الجنسي؛ إذ تعيق الأفكار الجنسية المستمرة قدرته على العمل، وحفاظه على علاقاته، وإتمام أنشطته اليومية.
يشير البعض إلى السلوك الجنسي القهري بمصطلح إدمان الجنس، لكن الرابطة الأمريكية لمعلمي الجنس والمستشارين والمعالجين (AASECT) نشرت إرشادات توضح أن إدمان الجنس والإباحية ليسا من الاضطرابات النفسية القابلة للتشخيص بسبب نقص الأدلة التجريبية.
أظهرت دراسة مرجعية في عام 2014 أن هناك 3 إلى 6% من الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون السلوك الجنسي القهري.
ما السلوك الجنسي القهري؟
لا تصنف الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين (APA) السلوك الجنسي القهري على أنه اضطراب نفسي قابل للتشخيص، وهناك جدل قائم بشأن وجوب تضمينه في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية الطبعة 5 (DSM-5).
ضمت منظمة الصحة العالمية (WHO) السلوك الجنسي القهري إلى تصنيف الأمراض الدولي المراجعة 11 (ICD-11)، وعرّفته بأنه اضطراب غريزي يؤدي إلى عدم القدرة على التحكم في الدوافع أو الرغبات الجنسية المتكررة والشديدة، ما يسبب سلوكًا جنسيًا متكررًا.
تصف جمعية APA الإدمان بأنه حالة تسبب تغييرات في مناطق الدماغ المتعلقة بالحكم، واتخاذ القرارات، والتعلم، والذاكرة، والتحكم في السلوك، ويمكن رؤية هذه التغييرات عند تصوير الدماغ.
على أية حال، تعرّف جمعية APA الإدمان بأنه إدمان مادة ما، لا إدمان نشاط معين.
من مؤشرات وجود السلوك الجنسي القهري لدى الفرد:
- نشاطات جنسية متكررة تستحوذ على تركيز الفرد في حياته، فيهمل صحته وعنايته بنفسه، وغير ذلك من الأنشطة والاهتمامات والمسئوليات.
- عدة محاولات فاشلة للحد من ممارسة السلوك الجنسي المتكرر.
- الاستمرار في ممارسة السلوك الجنسي المتكرر رغم النتائج السلبية، وانخفاض الإشباع الجنسي أو غيابه.
- عدم التحكم في الرغبات أو السلوكيات الجنسية الاندفاعية، والسلوك الجنسي المتكرر الناتج عنها لفترة زمنية طويلة تصل إلى 6 أشهر مثلًا.
- السلوك الجنسي القهري هو سلوك مستمر يسبب شعورًا بالضيق، وخللًا في الوظائف الشخصية، والعائلية، والاجتماعية، والتعليمية، والمهنية، وغيرها من الوظائف المهمة.
إن الضيق المرتبط بالأحكام الأخلاقية التي ترفض السلوكيات أو الرغبات أو الاندفاعات الجنسية غير كافٍ للتخلص منها.
لم تعتبر الهيئات المختصة بالصحة النفسية أن السلوك الجنسي القهري حالة طبية بعدْ رغم تأثيره السيئ في حياة الأفراد، والعائلات، والعلاقات.
يُعد اختلاف الرغبة الجنسية أو الشهوة من شخص إلى آخر من صعوبات تحديد السلوك الجنسي القهري، ونتيجة لذلك فقد يصف أحد الشريكين سلوك الشريك الآخر بأنه سلوك قسري بسبب امتلاكه رغبة جنسية أعلى.
ثمة حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث بشأن هذا الأمر لمعرفة هل يجب على الأطباء اعتبار أن السلوك الجنسي القهري اضطراب يجب علاجه أم لا؟
السلوكيات الشائعة
يركز الأشخاص ممن لديهم سلوك جنسي قهري على ممارسات جنسية مختلفة، فقد يشعر بعضهم برغبة عارمة في الاستمناء، ويشعر آخرون برغبة قهرية في ممارسة الجنس مع عدة شركاء في اليوم الواحد، ويزيد هذا التباين من صعوبة تحديد الحالة.
تشمل النشاطات التي قد ترتبط بممارسة السلوك الجنسي القهري:
- الاستمناء القهري.
- تعدد العلاقات، والشركاء الجنسيين، والعلاقات العابرة.
- مشاهدة المحتويات الإباحية باستمرار.
- ممارسة الجنس غير الآمن.
- ممارسة الجنس عبر الإنترنت.
- مواعدة من يمتهن الجنس.
قد تشمل السلوكيات والنزعات ما يأتي:
- عدم القدرة على كبح الرغبات الجنسية.
- الشعور بالانفصال بسبب عدم إشباع النشاط الجنسي لرغبات الشخص العاطفية.
- مشاعر أو انجذاب قوي تجاه الآخرين والوقوع في الحب، إضافةً إلى الانخراط في علاقات عاطفية جديدة تؤدي غالبًا إلى التوتر في العلاقات الموجودة.
- الشعور بالذنب والخزي.
- التخلي عن النشاطات الاجتماعية والترفيهية أو النشاطات المتعلقة بالعمل، والسعي وراء المحفزات الجنسية.
المضاعفات
لا تدعم الأدلة العلمية تشخيص السلوك الجنسي القهري، مع أنه سلوك يؤثر بشدة في الأشخاص الذين يمارسونه والمحيطين بهم أيضًا.
قد يؤدي السلوك الجنسي القهري إلى شعور شديد بالذنب وانخفاض تقدير الذات، وقد يسبب اكتئابًا وقلقًا عند بعض الأشخاص.
تشمل المضاعفات الأخرى:
- مشكلات في العلاقات العائلية وغيرها قد تنتهي بالانفصال.
- مشكلات مالية.
- الأمراض المنقولة جنسيًا (STIs).
الأسباب
إن أسباب ممارسة السلوك الجنسي القهري غير واضحة تمامًا.
تقترح بعض الدراسات نظرية مفادها أن السلوك الجنسي القهري وإدمان المخدرات لهما المسارات ونظام المكافأة نفسهما في الدماغ، لكن لا يوجد دليل تجريبي يدعم هذه النظرية بعد.
قد تحرض اضطرابات الصحة النفسية الكامنة مثل الاكتئاب هذا السلوك أيضًا، وقد تؤدي حالات المزاج المختلفة مثل الحزن، والوحدة، والسعادة إلى فقدان القدرة على التحكم في السلوك الجنسي لدى المصابين بهذه الحالة.
التشخيص
ما زال الجدل قائمًا بشأن المعايير التشخيصية للسلوك الجنسي القهري، فهناك عدة مجموعات من المعايير لتشخيص الحالة.
وفقًا للدليل (DSM-5)، فإن السلوك الجنسي القهري لم يُشخص رسميًا، إذ توضح جمعية ((APA أن ذلك يرجع إلى عدم وجود أدلة تدعم وجوده طبيًا. لكن على أية حال، ضمنت منظمة الصحة العالمية السّلوك الجنسي القهري في التصنيف ICD-11.
لا يوجد دليل كافٍ يدعم العلاقة بين السلوك الجنسي القهري ودوائر الإدمان النفسية، لذلك لا يمكن اعتماد هذا المعيار في تشخيص السلوك الجنسي القهري.
وسعت الأمثلة المتزايدة للسلوك الجنسي القهري وعواقبه النقاش بشأن اعتباره حالة طبية نفسية، لكن ما زالت هناك حاجة إلى المزيد من الأدلة التجريبية قبل أن تعتبره الهيئات المختصة بالصحة النفسية تشخيصًا مستقلًا بذاته.
العلاج
يصعب علاج السلوك الجنسي القهري، فقد يبرر الفرد سلوكياته وأنماط تفكيره، وقد ينكر وجود المشكلة تمامًا.
تهدف خيارات العلاج الحالية إلى التخفيف من الأعراض النفسية، والسيطرة على رغبات الانخراط المفرطة في علاقات جنسية. وتشجع هذه الطرق العلاجية تعزيز العادات والعلاقات الصحية أيضًا.
تشمل خيارات العلاج المتوفرة ما يأتي:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يقدم هذا النوع من العلاج النفسي تقنيات وأدوات متنوعة تساعد الفرد على تغيير سلوكه. ويوفر العلاج أيضًا مهارات تكيف جديدة، ويقلل من الرغبات الجنسية غير المرغوبة.
- الأدوية: قد تشمل الأدوية الموصوفة طبيًا مضادات الأندروجينات مثل ميدروكسي بروجستيرون (بروفيرا)، ومثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية(SSRIs) مثل فلوكسيتين (بروزاك). ولم توافق إدارة الغذاء والدواء(FDA) على أي دواء منها لعلاج هذه الحالة، لكن قد يصف الطبيب هذه الأدوية للتخفيف من الرغبات الجنسية.
إن دعم الأصدقاء والعائلة أساسي للمساعدة في التعافي من السلوك الجنسي القهري، وقد يصعب على الآخرين فهم هذه الحالة وتقبلها، خصوصًا إذا كانت سبب تدمير العلاقات. وعلى أية حال، يساعد امتلاك شبكة علاقات داعمة وقوية على الحد من السلوك الجنسي غير المرغوب، وقد يدعم وجود حالة جنسية صحية.
الخلاصة
يعاني الأشخاص الذين يمارسون السلوك الجنسي القهري أفكارًا جنسية تعيق علاقاتهم، أو عملهم، أو دراستهم، أو حياتهم اليومية.
قد تؤدي هذه الحالة إلى القلق والاكتئاب الشديدين، إضافةً إلى طيف واسع من المضاعفات الأخرى.
ما زال الخبراء غير متأكدين من أسباب هذا السلوك، لكن توجد خيارات علاجية متعددة تساعد الشخص على التحكم في حالته.
اقرأ أيضًا:
لماذا شعور ما بعد ممارسة الجنس أفضل من الممارسة ذاتها؟
ترجمة: حاتم نظام
تدقيق: نور حمود
مراجعة: هادية أحمد زكي