أُعطيت جائزة نوبل في الفيزياء لهذا العام (2022) لثلاثة علماء في الفيزياء التجريبية هم: ألان أسبكت Alain Aspect من فرنسا، وجون كلوازر John F. Clauser من الولايات المتحدة، وآنتون زلينجر Anton Zeilinger من النمسا. وقد أعلنت لجنة جائزة نوبل للفيزياء في السويد أن ثلاثتهم مُنحو الجائزة «لإجراء تجارب على الفوتونات المتشابكة، وإثبات انتهاك لا مساواة بِل ودورهم الرائد في تطوير علم المعلومات الكمية (أو الكمومية)». قد لا يعني هذا الاقتباس من لجنة نوبل الكثير لأغلب الناس، ولكن هذه الجائزة تتعلق بإحدى أهم المعارف العلمية التي توصل إليها الفيزيائيون وأغربها، وربما أهمها في طريقنا إلى فهم أعمق الحقائق حول طبيعة الواقع ومبناه (nature and structure of reality) والتطبيقات المذهلة لهذا الفهم. في هذا المقال الصغير سوف أحاول شرح تاريخ هذا الموضوع؛ ما الإشكالية المركزية به؟ ما تطبيقاته؟ ولماذا استحق العلماء الثلاثة هذا التكريم الكبير؟
في عام 1925 و 1926 اقترح -على نحو مستقل- العالمان فرنر هايزنبرغ Werner Heisenberg من جامعة غوتنغن في ألمانيا، والفيزيائي النمساوي إرفين شرودنغر Erwin Schrödinger الذي كان يعمل حينها في جامعة زوريخ السويسرية، نظرية الكم Quantum Theory التي أتت بعد 25 عامًا من محاولات كثيرة لتفسير ظواهر ذرية وضوئية لم تكن نظرية نيوتن الكلاسيكية قادرة على تفسيرها. على الرغم من الجوانب المفاجئة لنظرية الكم ونظرية النسبية العامة اللتين تشكلان عامودي الأساس للفيزياء الحديثة، فإن نظرية الكم هي النظرية الأكثر غرابة بكثير بين النظريتين.
تحمل نظرية الكم عددًا من الصفات العجيبة التي تعاملت مع جميعها في الفصل السابع من كتابي «في البدء: فيزياء، فلسفة وتاريخ علم الكون» مثل الطبيعة المزدوجة للجسيمات (مادة وموجة)، مشكلة القياس the measurement problem، مبدأ اللا يقين uncertainty principle، صفة النفق الكمي quantum tunneling، التراكب الكمي quantum superposition وغيرها. لن أستطيع الدخول في معظم هذه الصفات هنا لضيق المجال، لكني سوف أتوسع في إحدى هذه الصفات وهي صفة التشابك الكمي quantum entanglement التي هي الصفة الأساسية لنظرية الكم التي أسهم في فهمها الفائزون بجائزة نوبل عام 2022. إذ مُنحت لهم الجائزة لإجرائهم تجارب مهمة أثبتت أن التشابك الكمي ظاهرة حقيقية.
أشدد هنا على أنه على الرغم من أن ظاهرة التشابك الكمي هي أغرب صفات نظرية الكم، فإنها تمكّننا من تطوير ما يسمى بالحاسوب الكمي quantum computer الذي يعمل على بنائه الكثير من العلماء والمهندسين ونظرية المعلومات الكمية quantum information theory، وتمكننا أيضًا من النقل الكمي عن بعد quantum teleportation الذي كثيرًا ما يظهر في مسلسلات الخيال العلمي. لكن سوف أبدأ، كما في أغلب الأمور التي أكتبها، بتاريخ هذه الصفة وكيفية ظهورها.
آينشتاين ونظرية الكم:
كان آينشتاين أحد أجداد نظرية الكم لأنه كان من أوائل من مهدوا لها الطريق عندما فسر عام 1905 ظاهرة التأثير الكهربائي الضوئي (وهو التأثير الذي يقف وراء تقنية الخلايا الضوئية المعاصرة التي تحوّل طاقة الضوء التي تصطدم بها إلى كهرباء)، إذ تتعامل مع الضوء على أنه جسيم لا موجة، معتمدًا في هذا على اقتراح العالم الألماني ماكس بلانك Max Planck. لكن على الرغم من الدور الطلائعي الذي أداه آينشتاين، فإنه لم يكن مرتاحًا مع طبيعة الواقع الذي انبثق عن نظرية الكم التي تعاملت مع قوانين الطبيعة على نحو إحصائي لا حتمي كما كان الحال في الميكانيكا الكلاسيكية. رفض آينشتاين قبول التفسير الإحصائي لنظرية الكم، وبقي مقتنعًا بأن نظرية الكم هي مجرد تقريب لنظرية أعمق منها تحوي متغيرات مستترة Hidden Variables نجهلها، وما التفسير الإحصائي لنظرية الكم إلا انعكاس لهذا الجهل، أي إن نظرية الكم ليست الحقيقة الكاملة! وفي هذا السياق جاءت جملته الشهيرة التي ظهرت في رسالة كتبها للفيزيائي الألماني ماكس بورن Max Born قال فيها «ميكانيكا الكم مثيرة جدًا للإعجاب. لكن يوجد صوت داخلي يخبرني بأنها ليست ‹الشيء الحقيقي› بعد. على الرغم من انبثاق الكثير من النتائج الجيدة عن النظرية، فإنها بالكاد تقربنا من أسرار ‹الرجل القديم› [يعني هنا الله]. أنا، على أي حال، مقتنع تماما بأنه لا يلعب النرد».
من الجدير التوضيح هنا أن آينشتاين قَبِل نظرية الكم على أنها طريقة لوصف الطبيعة، فقد أسهم في تطوير عدة جوانب منها، لكنه لم يقتنع أبدًا بأنها النظرية التي تصف الواقع على نحو كامل، بل كان مقتنعًا بأنها نظرية غير متكاملة. هذا ولم يكن آينشتاين الوحيد من علماء الفيزياء البارزين الذي لم يقبل التفسير السائد حينها لنظرية الكم (المعروف باسم تفسير كوبنهاغن)، بل كان إلى جانبه عدد منهم، أهمهم إرفين شرودنغر بذاته، أحد مكتشفَي نظرية الكم، الذي انتقد أيضًا الطبيعة الإحصائية للواقع التي يبينها مبدأ اللا يقين ومشكلة القياس. لهذا اقترح شرودنغر تجربة القطة الشهيرة التي أظهرت إحدى المشكلات الكبيرة لنظرية الكم التي تتعلق بعملية القياس.
لنقف الآن عند التفسير السائد حينها لنظرية الكم المسمى تفسير كوبنهاجن. بحسب هذا التفسير، توجد صفات أساسية لهذه النظرية منها أن المجموعة الفيزيائية الكمية تعيش في كل الاحتمالات الممكنة، وهذا ما يسمى بمبدأ التراكب. لكن هذا صحيح فقط عندما لا نقيس هذه المجموعة الفيزيائية، مثلًا عندما يمر الإلكترون من مكانين معًا في نفس الوقت، لكن عندما نحاول قياسها تتبنى هذه المجموعة إمكانيةً واحدة فقط من الاحتمالات الممكنة، وكأن هذه المجموعة «تعرف» أننا نقيسها. هذه في الحقيقة من أغرب صفات نظرية الكم وتسمى «مشكلة القياس» (The Measurement Problem)، وهي تقول إن عملية القياس في نظرية الكم تجبر المجموعة الفيزيائية على اختيار حالة معينة ومحددة من جميع الإمكانيات المتاحة أمامها، أي إنه من دون القياس تعيش هذه المجموعة كل الاحتمالات الممكنة معًا، لكن يملي عليها القياس كيف تتصرف ويجبرها على أن تختار حالة واحدة! وهذا بالطبع مناقض لدور عملية القياس في الفيزياء الكلاسيكية التي بها نقيس الطبيعة كما هي ولا نملي عليها أن تختار حالة دون الأخرى.
ظهور فكرة التشابك الكمي:
لعبت انتقادات آينشتاين وحلفاؤه على تفسير كوبنهاجن دورًا هامًا في تطور فيزياء الكم وتوضيح معالمها. لكن أشد هذه الانتقادات أتت في مقال كتبه آينشتاين مع زميليه بوريس بودولسكي Boris Podolsky ونتان روزن Nathan Rosen، الذي علمني موضوع نظرية النسبية العامة في الجامعة، الذي يعرف باسم EPR نسبة إلى مؤلفيه الثلاثة. لم يتحدّ مؤلفو هذا المقال الطبيعة الإحصائية لنظرية الكم، بل تعمدوا انتقاد ما هو أعمق بكثير، وهو مفهوم هذه النظرية لطبيعة الواقع نفسه.
يجري كاتبو المقال تجربة ذهنية تعتمد على مبدأ اللا يقين الذي يقول بوجود أزواج من الصفات المترابطة للأجسام (مثل كمية حركة الجسم وموقعه)، لنسميهما، 1 و 2. إذا استطعنا قياس الصفة الأولى بدقة لا متناهية لن نستطيع قياس الصفة الثانية أبدًا. استعمل كاتبو المقال، كما سأوضح بعد قليل، هذه الصفة للتشكيك القاتل في صفتين أساسيتين من صفات فيزياء الكم بحسب تفسير كوبنهاجن. ويستنتج هذا المقال وجود خلل مبدئي في نظرية الكم، أو كما ذكر المقال: «لهذا يستخلص المرء أن وصف الواقع بواسطة دالة الموجة (الكمية) وصف غير كامل».
تخيل مؤلفو مقال EPR تجربة مشابهة للتجربة التالية: لنفرض أننا عملنا على إنتاج إلكترون (لنسمه A) وبوزيترون (لنسمه B) بوصفهما زوجين مرتبطين على نحو يحمل كل منها الصفتين 1 و 2 اللتين ذكرتهما في الفقرة السابقة، بمعنى أننا لا نستطيع أن نقيس A1، أي الصفة 1 للإلكترون، و A2، أي الصفة 2 للإلكترون، في نفس الوقت. إضافة إلى ذلك، فقد حضرنا هذين الجسمين على نحو يجعل مجموع الصفة 1 لكليهما يساوي الصفر (A1+B1=0) وكذلك مجموع الصفة 2 لكليهما هو أيضًا صفر (A2+B2=0). ابتعد الإلكترون والبروتون بعد إنتاجهما عن بعضهما بسرعة كبيرة على نحو أصبح فيه كل منهما بعد فترة في الطرف المعاكس للمجرة (أنظر الشكل رقم 1). عندها عملت الفيزيائية أليس Alice المقيمة في طرف المجرة الأيمن على قياس A1، وكذلك عمل الفيزيائي بوب Bob المقيم في طرف المجرة الأيسر على قياس B2، اللذين هما قياسان ممكنان حسب مبدأ اللا يقين لأنهما يتبعان لجسمين مختلفين. نكون عندها قد عرفنا القيم الأربعة A1 و A2 و B1 و B2، وذلك لأننا بالإضافة إلى القياس الذي أجراه كل من أليس وبوب نعرف أن مجموع 1 و 2 هو صفر لكلا الجسمين.
تتحدى نتائج هذه التجربة مبدأ اللا يقين في فيزياء الكم، إذ إننا استطعنا أن نعرف الصفتان 1 و 2 للجسم A في نفس الوقت، وكذلك الأمر فيما يخص قيمة الصفتين 1 و 2 للجسم B، وهذا في تناقض تام مع ما يقوله هذا المبدأ. إضافة إلى ذلك يدعي تفسير كوبنهاجن أن المجموعة الفيزيائية الكمية تعيش في كل الاحتمالات الممكنة ولا تختار حالة معينة منها إلا عند القياس. لهذا عندما تقيس أليس قيمة A1 تتحدد قيمة B1 تلقائيًا، لكن كيف يعرف الجسم B نتائج قياس الجسم A وهما بعيدان جدًا ويوجدان خارج نطاق التواصل مع بعضهما؟ توجد طريقتان لكي يتحقق ذلك، الأولى أن الجسمين يعرفان مسبقًا نتائج تجربتي أليس وبوب، وذلك لأنهما يحملان متغيرات خفية، وهو التفسير الذي يحبذه آينشتاين وزملاؤه. أما الإمكانية الثانية فهي أن الجسمين متشابكان ويتواصلان مع بعضهما طوال الوقت على نحو آني رغم البعد بينهما! بدا التفسير الثاني في حينه غير معقول وذلك لأن الفرضية الأساسية التي تكمن وراء تجربة EPR وهي أن الواقع الفيزيائي محلي، أو بكلمات أخرى يخضع لمبدأ المحلية Principle of Locality. هذا يعني أن ما يحدث في مجموعة معينة في مكان ما لا علاقة له بما يحدث في مجموعات بعيدة جدًا عنها (بمفهوم أنها بعيدة أكثر مما يسمح الضوء به)، وهو بحسب آينشتاين وزملائه مبدأ أساسي في الطبيعة.
كان جوهر رد أنصار مدرسة كوبنهاجن أن مبدأ المحلية لا ينطبق على فيزياء الكم وأن الحالات الكمية مترابطة، وهو ما يسمى بالتشابك الكمي Quantum Entanglement. ينص مفهوم التشابك الكمي ببساطة على أنه إذا كان جسيمان في تفاعل في أي وقت في الماضي فنحن لا نستطيع عندها وصفهما على أنهما جسمان مستقلان حتى إذا كانت المسافة بينهما كبيرًا جدًا.
من ناحية، كان رد أنصار تفسير كوبنهاجن غير مقنع، إذ يوجد تأثير بين الأجسام المتشابكة يجعلها تعرف التغيرات التي تطرأ على صفات بعضها مباشرة، حتى لو كانت بين هذه الأجسام مسافات هائلة. لكن في نفس الوقت نستطيع أن نثبت أن التشابك لا يسمح بنقل المعلومات بسرعة أكبر من سرعة الضوء! من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل النجاحات الهائلة لنظرية الكم التي جعلتها أنجح نظرية فيزيائية في تاريخ البشر. هل هي بالفعل كما قال آينشتاين وزملاؤه مجرد نظرية تصف الطبيعة لكنها لا تعبر عن حقيقة الواقع العميقة، مثل نظرية نيوتن مثلًا التي نعرف أنها لا تعبر عن أعمق أشكال الواقع لكنها نظرية ناجحة جدًا في إطار تطبيقات كثيرة. هل من الممكن أن نعرف ما هي الحقيقة هنا؟
لا مساواة بِل وامتحانها التجريبي:
اقترح العالم أيرلندي الأصل جون ستيوارت بِل John Stewart Bell عام 1964 نظريةً خلاقةً تمكّننا من التحقق من أي التفسيرين هو الصحيح، أتفسير آينشتاين وزملاؤه؟ أم تفسير مدرسة كوبنهاجن؟ تقع في صلب هذه النظرية تجربة تشبه تجربة EPR، يشارك فيها شخصان لا يستطيعان التواصل مع بعضهما اسمهما، كما في السابق، أليس Alice التي نرمز لها بـ A، وبوب Bob الذي نرمز له بـ B، يقيسان الصفتين 1 و 2 على نحو يرمز لقيمة كل من المتغيرين الذين تقيسهما أليس بـ A1 و A2 وللذين يقيسهما بوب بـ B1 و B2. سوف نفرض هنا أن القيم التي تأخذها هذه المتغيرات هي إما +1 أو -1 عشوائيًا. تفحص جون ستيوارت بِل نتائج القياس الذي يجريانه أليس وبوب، ولم يجد تشابكًا كميًا، ووجد أن حصيلة مزيج الأرقام التالية تحقق اللا مساواة:
A1B1+A2B1+A1B2-A2B2 ≤ 2.
تسمى هذه العلاقة لا مساواة بِل Bell inequality؛ في الحقيقة هذه صيغة خاصة لنظرية بِل تسمى لا مساواة كلاوزنر وهورن وشمعوني وهولت CHSH inequality. تذكر أن هذه اللا مساواة تتحقق في المعدل، أي إن علينا أن نكرر هذه التجربة كثيرًا ونأخذ المعدل لمزيج الأرقام من كل هذه التجارب لنرى أن اللا مساواة تتحقق.
الفرضية الأساسية وراء هذه اللا مساواة هي أنه لا علاقة بين قيم القياسات التي تجريها أليس وتلك التي يجريها بوب، وهو ما نتوقعه من مجموعة فيزيائية تخضع لمبدأ المحلية. اقترح جون بِل وآخرون أنه إذا أجرينا تجربةً من هذا النوع ورأينا أن اللا مساواة تتحقق يكون قد صدق آينشتاين وزملاؤه الذين اعتقدوا بأن قوانين الطبيعة تخضع لمبدأ المحلية وبوجود متغيرات مستترة تتوارى وراء نظرية الكم لتجعلها ذات طبيعة إحصائية، بينما النظرية الحقيقية الأعمق لا بد أن تكون ذات طبيعة حتمية. أما إذا وجدنا أن هذه المساواة لا تتحقق أي إننا مثلًا وجدنا مجموع مزيج هذه الأرقام أكبر من 2، عندها لا بد من وجود علاقة بين أليس وبوب كما يقترح التشابك الكمي.
أجرى الأمريكيان ستيوارت فريدمان وجون كلاوزنر التجربة الأولى لفحص لا مساواة بِل في عام 1972 وتبعهما الفرنسي ألان أسبكت بتجربة محسنة جدًا في عام 1982. كانت نتائج هذه التجارب واضحةً جدًا؛ الطبيعة لا تُحقق لا مساواة بِل، أي إن ما ادعاه أنصار نظرية الكم كان صحيحًا وإن التشابك الكمي، الذي وصفه آينشتاين على أنه تفاعل مخيف من بعيد (Spooky Action at a Distance!)، هو ظاهرة حقيقية.
منذ هذا الاكتشاف طور العلماء عددًا من التطبيقات المذهلة لهذه الصفة العجيبة لنظرية الكم. قد تكون أغرب هذه التطبيقات هي ما يسمى الانتقال الكمي عن بعيد Quantum teleportation. يظهر عادةً الانتقال المباشر عن بعد في مسلسلات وقصص الخيال العلمي مثل مسلسل «رحلة بين النجوم» Star trek الذي يتحلل جسم الشخص فيه في مكان معين ويعاد تركيبه في مكان آخر، أو في مسلسل «بوابة النجوم» Stargate حيث يحدث الانتقال من كوكب إلى آخر عبر المجرة بواسطة ثقب دودة Wormhole، لكننا هنا نتحدث عن نوع ثالث من الانتقال عن بعد ألا وهو نقل المعلومات عن حالة جسم معين لنستطيع «استنساخها» بالضبط على جسم آخر من طريق التشابك الكمي، وهذا بالضبط ما اقترحه مجموعة من العلماء (Bennett, Brassard, Crépeau, Jozsa, Peres and Wootters) في ورقة بحثية عام 1993. بعد عدة سنوات وبالتحديد في عام 1997، أجرى فريق أنتون زلينجر (أحد الحاصلين على جائزة نوبل هذا العام) تجربة الانتقال الكمي عن بعد وخلق مجموعة فيزيائية مستنسخة عن مجموعة أخرى.
يستعمل التشابك الكمي أيضًا في عمل الحواسيب الكمومية، إذ يعمل على تسريع الحسابات على نحو كبير، وذلك لأن الحسابات التي نجريها على حالة فيزيائية ما تؤدي إلى تغييرات في كل الحالات الفيزيائية المتشابكة بها مباشرةً. هذا التسريع الكبير في الحسابات نتيجة تشابك الحالات الفيزيائية لمركبات الحاسوب، بالإضافة إلى قدرة المجموعة الفيزيائية الكمية الكبيرة على حمل المعلومات بسبب ظاهرة التراكب الكمي quantum superposition، أو ما يسمى كيوبيت Qbit أو Quantum-bit، مقارنة بوحدة المعلومات في الحواسيب العادية bit الذي تستطيع أن تحمل القيمة إما الصفر أو الواحد، يعطي هذه الكمبيوترات قدرةً حسابيةً فائقةً سوف تكون لها إسقاطات هائلة على الجنس البشري ومستقبله.
ما زالت غرائب نظرية الكم تدهشنا حتى بعد مئة عام من اكتشافها وسوف تظل تدهشنا، كما يظهر، إلى الأمد البعيد. فهي أنجح نظرية فيزيائية عرفها البشر في تاريخهم وتصف بدقة كبيرة الأغلبية الساحقة من الظواهر من حولنا، لكننا ما زلنا حتى الآن لا نفهمها بعمق، أو على الأقل لا نتفق على تفسير معين لها. من أجل تطوير فهم عميق لنظرية الكم اقترح الفيزيائيون والفلاسفة أكثر من 20 تفسيرًا مختلفًا لقوانينها. المواضيع التي تشغل هذه التفسيرات تتضمن الأسئلة عن المعنى العميق لنظرية الكم وعلاقتها بالواقع الموضوعي، وعناصر الحتمية والاحتمالية في هذه النظرية، وماهية الادعاءات الأنطولوجية (التي تتعلق بما هو موجود) وتصنيفها والابستمولوجية (التي تتعلق بكيفية معرفة ما هو موجود) التي تحملها هذه النظرية، وفهم الصفات المحلية Local والصفات المتشابكة Entangled، وكيفية فهم دور المراقب في تحديد نتائج التجارب، وإلى ما ذلك من أسئلة.
بقلم سليم زاروبي
تدقيق: عون حدّاد