تُحاصر الإشعاعات المؤيّنة الأرض، وهي موجات عالية الطاقة بإمكانها فصل الإلكترونات عن الذرات في أجسامنا، ما قد يُعرضنا لعدة أمراض منها السرطان. لحسن حظنا يتصدى المجال المغناطيسي للأرض والغلاف الجوي تقريبًا لكل هذه الأشعة الخطيرة القادمة من الشمس والمجرات والنجوم المتفجرة في الفضاء السحيق.
لكن في محطة الفضاء الدولية، خارج الغلاف الجوي للأرض، يتعرض رواد الفضاء لمستويات عالية من الإشعاع المؤين، ما يزيد خطر إصابتهم بالسرطان.
لذلك تحدد ناسا الحد الأقصى من مستويات الأشعة المسموح أن يتلقاها رائد الفضاء على مدار حياته. وُضع عام 1989 مقياس متدرج على أساس العمر والجنس يوضّح مستويات الجرعات الإشعاعية وعلاقتها بخطورة إصابة رواد الفضاء بالسرطان، واتضح وجود فرق بين الرجل والمرأة. الحد الأدنى يبلغ 180 ملي سيفرت لامرأة بعمر 30 عامًا، أما الحد الأقصى فهو 700 ملي سيفرت لرجل بعمر 60 عامًا.
إذن لماذا يجب أن تتلقى رائدة الفضاء مستوى أدنى من الإشعاع مقارنةً بالذكور؟
وفقًا لـجوليان بريستون، من قسم الحماية من الإشعاع بوكالة حماية البيئة الأمريكية، اعتمدت ناسا في تحديد مستوى أدنى للمرأة على دراسات مفادها أن احتمال إصابة النساء بسرطان الرئة يبلغ الضعف مقارنةً بالرجال، عند تعرضهم لمستويات عالية من الإشعاع فترات مماثلة من الوقت.
يقول بريستون: «لُوحظ عمومًا، استنادًا إلى الناجين من القنبلة الذرية في اليابان، أن النساء أكثر حساسية للإشعاع المؤين مقارنةً بالرجال، خاصةً في الإصابة بسرطان الرئة».
أدى تحديد المستوى الأقصى من الجرعات الإشعاعية إلى بعض التداعيات على المسار المهنى للنساء. عام 2018، اضطرت الرئيسة السابقة لفيلق رواد الفضاء في ناسا، بيجي ويتسون، إلى التقاعد، وأعلنت عن تذمّرها وإحباطها بعد أن تجاوزت الحد الأقصى من الإشعاعات المسموح تلقيها بعمر 57 سنة.
من المتوقع أن تُغيّر ناسا هذه المستويات قريبًا. عام 2021، طلبت ناسا من لجنة من الخبراء تقييم مقترح لتغيير الحد الأقصى للإشعاع إلى 600 ملي سيفرت لجميع رواد الفضاء من جميع الأعمار. استنادًا إلى تطبيق نموذج خطر الإصابة بالسرطان على الأفراد الأكثر عرضة: النساء في بداية مشوارهن المهني.
حسبت ناسا متوسط خطر الوفاة الناجم عن التعرض للإشعاع لهذه الفئة، وحولته -ما يسمح بهامش خطأ أكبر بكثير من السابق- إلى جرعة إشعاعية. تعادل جرعة 600 ملي سيفرت تعرض رائد فضاء خلال أربع بعثات مدة كل منها 6 أشهر على محطة الفضاء الدولية.
للمقارنة، يبلغ متوسط الجرعة السنوية من الإشعاع التي يتلقاها شخص على الأرض نحو 3.6 ملي سيفرت، مقابل 300 ملي سيفرت سنويًا على محطة الفضاء الدولية.
قال بريستون إن الحد الجديد سيقلل من الجرعة لبعض فئات رواد الفضاء الذكور، خاصةً الذكور الأكبر سنًا، في حين تحظى النساء بمشوار مهني أطول.
تألفت اللجنة، التي نشرت تقريرها في يونيو 2021، من 3 مجموعات تولت عملية تقييم المخاطر والقضايا الأخلاقية وتقديم التوصيات الجديدة.
صرح بريستون: «لتحقيق المساواة، يمكن لرائدات الفضاء تلقي جرعة أعلى بقليل من الأشعة مما هو مسموح به حاليًا. ناقشنا الأمر مُطولًا من الناحية الأخلاقية، ورأينا أنه من الواجب تحقيق التوازن بين تأثير زيادة الجرعة مقابل تكافؤ الفرص المهنية بين الجنسين، واقترحنا إمكانية المضي قدمًا في هذا النهج».
من المقترح أن تقدم ناسا تنازلات فيما يتعلق بالمستوى المسموح تلقيه من الأشعة خلال مهمات الفضاء الطويلة، مثل الرحلة المرتقبة إلى المريخ، إذ سيتعرض روادها لنحو 900 ملي سيفرت. في حين أن الحد الأقصى المعمول به حاليًا وفقًا لوكالات الفضاء الأوروبية والكندية والروسية يبلغ 1000 ملي سيفرت.
قد تتنازل ناسا عن القيود التي وضعتها إذا رأت أن مهمة المريخ حرجة وتتطلب رواد فضاء ذوي خبرة طويلة بصرف النظر عن تجاوزهم الحد المسموح به من الإشعاع المؤين. إنها قضية أخلاقية معقدة إلى حد ما، لكنها ضرورية من أجل الذهاب إلى المريخ.
اقرأ أيضًا:
هل تقتل الأشعة الكونية رواد الفضاء بالسرطان ؟ ما هي مخاطر الإشعاع الكوني ؟
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: أكرم محيي الدين