يؤثر الاكتئاب الذي يحدث قبل الولادة على نحو 15٪ إلى 21٪ من النساء الحوامل في جميع أنحاء العالم. وقد يؤثر هذا الاكتئاب على عملية الولادة ونمو الأطفال، فضلًا عن زيادة خطر الإصابة به بعد الولادة.
قد تواجه الحوامل تحديات في الحصول على العلاجات الحالية للاكتئاب، مثل العلاج النفسي. إضافةً إلى أن تناول مضادات الاكتئاب ربما يؤدي إلى مشكلات في أثناء الحمل وفي نمو الجنين أيضًا.
كشفت الدراسات خلال العقدين السابقين أن سوء التغذية هو عامل مساهم في تغييرات الصحة العقلية. وفقًا لدراسة مطولة أُجريَت فإن معظم الحوامل في نيوزيلندا لا يتبعن الإرشادات الغذائية اللازمة لحالاتهن الصحية واستوفت 3% فقط منهن التوصيات لجميع أنواع الأطعمة.
أُجريَت مجموعة دراسات أخرى في البرازيل أظهرت أن الأطعمة المصنعة شكلت على الأقل 30% من الطاقة الغذائية اليومية في أثناء الحمل وحلّت محل الخيارات الصحية الأخرى.
تكون الأطعمة المصنعة مُعدَّة كيميائيًا وتحتوي على مواد مضافة للحفاظ على جودتها وصلاحيتها فترةً أطول. وعادةً ما تكون هذه الأطعمة غنية بالسكر والملح وتفتقر إلى العناصر الغذائية الدقيقة الأساسية مثل الفيتامينات والمعادن.
يُعدّ تناول هذه الأطعمة أمرًا مقلقًا للغاية، لأن النظام الغذائي غير الصحي في فترة الحمل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة العقلية للأطفال. وتشمل أعراضه الاكتئاب والقلق وفرط الحركة وشرود الانتباه.
قد يحسن تقليل الأطعمة المصنعة وزيادة المغذيات الصحية في نمط الغذاء لدى الحوامل الصحة العقلية للأم وجنينها والأجيال القادمة. وقد يكون للتغذية الجيدة أثر جيد وطويل المدى للنسل القادم.
تشير عوامل متعددة مع ذلك إلى أن تغيير النظام الغذائي وحده قد لا يكون كافيًا في حد ذاته لمواجهة مشكلات الصحة العقلية. ربما من الضروري أيضًا تناول مغذيات إضافية لتلبية الاحتياجات الغذائية في فترة الحمل.
المغذيات الدقيقة وعلاج للاكتئاب:
أثبتت دراسات سابقة أن مكملات المغذيات الدقيقة قد تكون لها فوائد في علاج الاكتئاب خارج إطار الحمل.
ولكن لا توجد حتى الآن تجارب سريرية عشوائية أجريت خصيصًا لتقييم فاعلية وسلامة هذه المغذيات الدقيقة واسعة الطيف على اكتئاب ما قبل الولادة والوظائف الحيوية ككل.
شملت تجربة نوتريموم التي أُجريت بين عامي 2017 و2022، 88 امرأة في الثلث الثاني من حملهن، وأظهرت أنهن عانين من أعراض اكتئاب متوسطة. وُزِّعوا عشوائيًا لتلقي إما 12 كبسولة (أربع حبات، ثلاث مرات في اليوم) من المغذيات الدقيقة واسعة الطيف، أو دواء وهمي نشط يحتوي على اليود والريبوفلافين لمدة 12 أسبوعًا.
كانت جرعات المغذيات الدقيقة عمومًا بين الكمية الموصي بها من النظام الغذائي والحد الأقصى المسموح به.
أظهرت المغذيات الدقيقة وفقًا لتقييمات الأطباء تحسنًا كبيرًا في الوظائف النفسية العامة مقارنة بالمجموعة التي خضعت لتأثير الأدوية الوهمية. وقد أخذت النتائج في الاعتبار جميع التغييرات التي لوحظت بناءً على التقييم الذاتي للمشاركات والملاحظات السريرية للأطباء. وهذه الملاحظات تشمل النوم وتنظيم المزاج والتكيف والقلق والآثار الجانبية.
أظهرت كلتا المجوعتين انخفاضًا في أعراض الاكتئاب على نحو مشابه. أكثر من ثلاثة أرباع المشاركات كن في حالة استقرار في نهاية التجربة. ولكن 69% من المشاركات في مجموعة المغذيات الدقيقة قيموا أنفسهم بأنهم “تحسنوا كثيرًا” أو “تحسنوا جدًا”، مقارنة بنسبة 39% في المجموعة التي خضعت للعقاقير الوهمية.
شعرت المشاركات اللاتي تناولن المغذيات الدقيقة بتحسن ملحوظ في النوم والوظائف اليومية عمومًا مقارنةً بالمشاركات اللاتي تناولن الدواء الوهمي. ولم تظهر اختلافات بين المجموعتين فيما يتعلق بمقاييس الضغط والقلق وجودة الحياة.
لم تكن هناك أي اختلافات بين المجموعتين في الآثار الجانبية المُبلَّغ عنها، وانخفضت التقارير عن الأفكار الانتحارية على مدار فترة الدراسة في كلتا المجموعتين. أكدت أيضًا اختبارات الدم زيادةً في مستويات الفيتامينات (فيتامين C و D و B12) وانخفاضًا في حالات نقصها في مجموعة المغذيات الدقيقة.
كانت العناصر الغذائية الدقيقة مفيدة خصوصًا للنساء اللاتي يعانين من مشكلات صحية عقلية مزمنة واللاتي تناولن أدوية نفسية في الماضي. تحسنت النساء اللواتي يعانين من أعراض أخف بوجود المواد المغذية الدقيقة أو من دونها، ما يشير إلى أن الرعاية العامة والمراقبة ربما تكون كافية لبعض النساء.
كانت فوائد المغذيات الدقيقة قابلةً للمقارنة مع العلاج النفسي، ولكن بمقدار أقل، ولا توجد تجارب عشوائية ومضبوطة للأدوية المضادة للاكتئاب لمقارنة هذه النتائج ببعضها. أما نسبة الاحتفاظ بالعناصر المشاركة في هذه الدراسة جيدة بنسبة 81% ونسبة الاستجابة كانت ممتازة 90%.
ما وراء صحة الأم العقلية:
تابعنا أطفال الأمهات المسجلات في تجربة نوتريموم -اللاتي تناولن المغذيات الدقيقة في أثناء الحمل- لمدة 12 شهرًا، بجانب رُضّع من السكان في نيوزيلندا.
تحتوي المجموعة الثانية من رضع من السكان على مجموعة فرعية أصغر خضعت لدواء مضاد للاكتئاب لعلاج الاكتئاب ما قبل للولادة.
قمنا بتقييم التطور العصبي-السلوكي لكل رضيع خلال الأسابيع الأربعة الأولى من الحياة، والطباع حتى عام واحد بعد الولادة. وأظهرت المتابعة آثارًا إيجابية للمغذيات الدقيقة على قدرة الأطفال على تنظيم سلوكهم. كانت هذه النتائج تعادل الحالات النموذجية للحمل أو تفوقها، وأفضل من علاجات الاكتئاب بالمضادات الحيوية.
أظهر الأطفال الذين تعرضوا للعناصر الدقيقة في أثناء الحمل تحسنًا ملحوظًا في الاستجابة للمحفزات الخارجية. كانوا أيضًا أفضل في منع المحفزات الخارجية أثناء النوم وأظهروا علامات أقل للإجهاد وكان توتر عضلاتهم أفضل مقارنةً بالأطفال الذين لم تتعرض أمهاتهم للمغذيات الدقيقة.
أظهروا أيضًا قدرةً أكبر على التفاعل مع بيئتهم. وكانوا أفضل في تنظيم حالتهم العاطفية وتمتعوا بعدد أقل من ردود الفعل العضلية غير الطبيعية مقارنةً بالأطفال الذين تعرضوا للأدوية المضادة للاكتئاب أثناء فترة الحمل. باطمئنان، لم يكن للعناصر الغذائية الدقيقة أي تأثير سلبي على نشاط الرضع.
تسلط هذه النتائج الضوء على إمكانات المغذيات الدقيقة بوصفها بديل آمن وفعال للعلاجات الدوائية التقليدية لاكتئاب ما قبل الولادة.
تضع البيئة الجنينية الأسس لمستقبل الطفل. ستمنحنا الدراسات الإضافية في فوائد تكميل المغذيات الدقيقة المزيد من الثقة في استخدامها لمشاكل الصحة النفسية الخاصة بفترة ما قبل الولادة وبعدها «من بداية الحمل حتى عام بعد الولادة». وهذا قد يوفر للأجيال القادمة بداية أفضل في الحياة.
اقرأ أيضًا:
التغذية في فترة الحمل: تكوين طفل في غضون تسعة أشهر ليس أمرًا بسيطًا!
المكملات الغذائية في أثناء الحمل: ما هو آمن وما هو غير آمن
ترجمة: أسماء خالد
تدقيق: ريم الجردي