بالنظر إلى المياه الضحلة قبالة ميناء جراسي على الساحل الجنوبي الشرقي لجزيرة كينغ آيلاند في مضيق باس، قد ترى هيكلًا غريبًا يشبه منزلاً من طابقين مصنوعًا من خرسانة سميكة ذات زوايا مع طوافات فولاذية، إنه الحقيقة مولد للطاقة.
طوّرت شركة Wave Swell Energy في ملبورن محطة UniWave 200 لاختبار قدرتها على توليد الطاقة من الأمواج التي تثيرها الرياح العاتية فوق المحيط الجنوبي.
اعتمدت الشركة في تقنيتها على مفهوم عمود الماء المتذبذب الذي يحاكي أساسًا فتحة النفخ التي تنشأ طبيعيًا. فعندما تدخل الأمواج إلى الغرفة المفتوحة أسفل خط الماء، فإنها تدفع الهواء نحو التوربين المتوضع في الأعلى، الذي يولد الطاقة بعد ذلك.
بعد مرور ستة أشهر من تركيبها، بدأت محطة UniWave 200 التي بلغت تكلفتها 12 مليون دولار في توليد الكهرباء. و رُبطت مع شبكة هيدرو تسمانيا المحلية عبر كابل تحت سطح البحر. استمرت المحطة في توليد الكهرباء حتى انتهاء التجربة في أغسطس عام 2022، وبعد ستة أشهر من ذلك أُخرجت الوحدة من الخدمة.
وفقًا للدكتورة جانا أُورسزاجوفا؛ المحاضرة الأولى في جامعة غرب أستراليا والباحثة في الطاقة المتجددة للمحيطات ونائبة رئيس برنامج أنظمة الطاقة المتجددة البحرية في مركز البحوث التعاونية للاقتصاد الأزرق: «كانت هذه التجربة بمثابة نقطة تحوّل في صناعة طاقة المحيطات في أستراليا، لقد كان جهازًا متكاملًا موجودًا في المحيط ومتصلًا بالشبكة».
توافق على ذلك أيضًا ستيفاني ثورنتون؛ المدير العام لمجموعة Ocean Energy Group التي تقود هذه الصناعة بالقول: «لقد كانت تجربة UniWave 200 مهمةً جدًا. لقد كان هذا أول دليل على الإمكانات التجارية لتكنولوجيا طاقة المحيطات في أستراليا».
منذ عام 1799 حلم البشر باستخدام الطاقة الهائلة للمحيط التي تُعد نظيفةً ويُمكن التنبؤ بها لتلبية احتياجاتهم من الكهرباء. إذ بدأ هذا الحلم عندما قدم المهندس والمخترع الفرنسي بيير سيمون جيرار براءة اختراع لآلة تستخدم طاقة الأمواج لضخ المياه من أجل الرّي. وبفضل التطورات التكنولوجيّة الحديثة، أصبح من الممكن تحويل هذا الحلم إلى حقيقة قريبة.
بحسب تقرير صادر في نوفمبر من عام 2023 عن شركة Ocean Energy Systems، التي تُعد بمثابة تعاون حكومي دولي أنشأته وكالة الطاقة الدولية، فإنه يمكن توليد 300 غيغا واط من الطاقة من أمواج المحيط والتيارات والمد والجزر بحلول عام 2050، وهو ما يكفي لتزويد ما يقرب من 225 مليون منزل بالطاقة.
وقد اتخذت وكالة الطاقة المتجددة الأسترالية بعض الخطوات للمساعدة على تحقيق ذلك الحلم؛ فمنذ عام 2012 موّلت ثلاثة عشر مشروعًا للطاقة في المحيطات ومنها تجربة UniWave 200.
في مارس 2023، وقعت تونغا (التي تستخدم حاليًا وقود الديزل المستورد لتوليد الطاقة، ولديها واحد من أعلى أسعار الكهرباء في العالم) مذكرة تفاهم مع شركة طاقة الأمواج الأيرلندية لتطوير محطة طاقة موجية بقدرة 10 ميغا واط قبالة ساحل جزيرة تُونجاتابو الرئيسية. وتسعى السلطات القانونية في بعض الأقاليم إلى تحقيق تقدم أكبر في مجال الطاقة المتجددة.
في نوفمبر من عام 2020، أعلن الاتحاد الأوروبي استراتيجيته لتطوير طاقة المحيطات، التي تهدف إلى توليد 1 غيغا واط بحلول عام 2030، و 4 غيغا واط بحلول عام 2050. ولدعم هذه الجهود، يقدم الاتحاد الأوروبي (الموجة الأوروبية) برنامج بحث وتطوير بقيمة 20 مليون دولار من خلال Wave Energy Scotland وOcean Energy Europe ووكالة الطاقة الباسكية، بهدف دعم تكنولوجيا طاقة الأمواج للانتقال إلى المرحلة التجارية.
في سبتمبر 2023، تمنح الشركة Carnegie Clean Energy التي تتخذ من غرب أستراليا مقرًا لها مبلغ 6.3 مليون دولار لتطوير وتشغيل نسخة بقوة 400 كيلو واط تقريبًا من محول الطاقة الأمواج (CETO) الخاص بها قبالة سواحل إسبانيا بحلول عام 2025.
يُطلق على هذه التكنولوجيا اسم CETO تيمّنًا باسم إلهة البحر اليونانية وهي تشبه قنديل البحر الميكانيكي. تستخدم هذه التكنولوجيا ما يُسمى بتقنية طاقة الأمواج من النوع الممتص للنقاط، إذ تعتمد على عوامة مغمورة تثبت في قعر البحر وتتأرجح مع حركة الأمواج لتحوّل طاقتها إلى كهرباء.
في عام 2021، أكملت شركة الهندسة اليابانية IHI اختبارًا مدته ثلاثة أعوام ونصف لمولد يعمل تحت سطح البحر بوزن 330 طنًا وقدرة 100 كيلو واط، يُعرف باسم Kairyu الذي من المتوقع أن يبدأ تشغيله بحلول ثلاثينيات القرن الحالي.
يشبه المولد الياباني الطائرة العملاقة، وستكون راسيةً في قاع البحر على عمق يتراوح بين 30-50 مترًا في تيار كُوروشيو الذي يُعد أحد أقوى التيارات المحيطية في العالم، إذ يتدفق بمعدل 2.5 مترًا في الثانية. إذ سيدور التيار المروحتين التوربينية للمولد من أجل توليد الكهرباء.
تُعد كوريا الجنوبية المجاورة أيضًا موطنًا لأكبر مشروع لاستغلال طاقة المد والجزر في العالم. حيث أُنشئت محطة طاقة المد والجزر ببحيرة سيهوا بقدرة 254 ميغا واط في عام 2011 على الساحل الغربي للبلاد؛ حيث توجد بعض أعلى مستويات المد والجزر في العالم. وتستخدم المحطة نظامًا مكونًا من عشرة توربينات للمد والجزر مدفوعة بالحركة الطبيعية الواسعة للمياه من أجل توليد ما يكفي من الطاقة لتزويد 200 ألف منزل.
اقتُرحت مشاريع مماثلة لمصب نهر ميرسي في ليفربول وفي مياه مدينة سوانسي الويلزية. إذا أُنشئت المحطتان، فإن الأولى ستنافس محطة طاقة المد والجزر في بحيرة سيهوا.إذ إنها ستنتج 1-1.5 تيرا واط ساعي من الكهرباء سنويًا، ما يقرب من ثلثي متطلبات الطاقة في ليفربول لعام 2017، من خلال استغلال ثاني أعلى نطاق للمدّ والجزر في المملكة المتحدة.
ومع إن الطاقة المعتمدة على المحيطات موثوقة ومتجددة ونظيفة، فهي بالطبع مناسبة فقط لمواقع معينة، أي تلك المدن والبلدان التي لا تقع بالقرب من المحيط فحسب، بل أيضًا في مناطق محددة جدًا حيث توجد موجات قوية أو تيارات بحرية أو مد وجزر. ولا ننسى بالتأكيد أن هذه المشاريع تشكّل بعض المخاطر على البيئة البحرية.
فقد وجد التقرير النهائي لمشروع أطلس طاقة الأمواج الأسترالي مثلًا فقدانًا صغيرًا لكنّه ذو أهمية إحصائية في طاقة الأمواج عند ترددات منفصلة، ويعزى إلى وجود محولات طاقة الأمواج.
تشير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بالنسبة لمشاريع طاقة المد والجزر إلى أنها قد تغيّر مستوى المد والجزر في الحوض وتزيد التعكر ما قد يؤدي بدوره إلى اضطراب سلوك الأنواع الحيوانية والنباتية المحلية وتوزيعها.
تعترف أورسزاغوفا بذلك، لكنها تقول: «إن أجهزة طاقة المحيطات لها تأثير صغير نسبيًا مقارنةً مع الطرق التقليدية لإنتاج الطاقة … إذا كان البديل هو محطة توليد الطاقة، فربما لا يكون الضرر واضحًا على الفور، لكننا جميعًا ندرك العواقب السلبية طويلة المدى لانبعاث الغازات الدفيئة».
المشكلة الأكثر إلحاحاً وفقاً لأورسزاغوفا هي التكاليف المرتفعة الحالية المرتبطة بتوليد الكهرباء من المحيطات. في الواقع، وفقًا لتقرير عام 2019 الصادر عن وزارة الطاقة الأمريكية، فإن تكلفة طاقة الرياح الآن أقل بكثير لكل ميغا واط في الساعة.
تقول أورسزاغوفا: «إن القيام بأي شيء في المحيط أمر صعب، إنها بيئة قاسية وحيوية وتسبب التآكل، لذلك نحتاج إلى تصميم هياكل يمكنها تحمل تلك البيئة طوال عمرها الافتراضي، وهذا يكلف الكثير من المال وبخاصة أننا بحاجة إلى العديد من الوحدات الفردية».
ومع إن أُورسزاغوفا ترى في التركيز فقط على التكلفة المالية لتوليد الطاقة رؤية ضيقة، فهي تقول إن هذا هو السبب الرئيسي وراء عدم استخدام أشكال توليد الطاقة المعتمدة على المحيطات بشكل أوسع في الوقت الحالي.
تؤيد هذه الرأي الدكتورة جيني هايوارد؛ عالمة الأبحاث الرئيسية في CSIRO Energy: «نظرًا لأنها ما تزال تكنولوجيا ناشئةً، فهي باهظة الثمن ما يجعل من الصعب على طاقة الأمواج التنافس مع مصادر الطاقة المتجددة الحالية والمنخفضة التكلفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية».
في المستقبل القريب، تتوقع أُورسزاغوفا أن تبدأ التكلفة المرتفعة لطاقة المحيطات في الانخفاض مع استمرار الصناعة في الابتكار والنضج. وتأمل أن يؤدي هذا إلى نمو واسع النطاق في الصناعة.
اقرأ أيضًا:
اليابان تتوجه نحو إطلاق محرك مائي عملاق بهدف الوصول إلى طاقة غير محدودة
كيف يمكن للمحيطات أن تمدنا بالطاقة النظيفة؟
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: محمد حسان عجك