منذ أن عاد دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة ثانيةً في بداية هذا العام، كانت التوقعات حيال مؤشرات سوق الأسهم متقلبة، لكنها كانت مدفوعة بجرعة كبيرة من التفاؤل. وقد صورت الحالة بوضوح كيف قد يكون للرئيس الأمريكي دور حيوي في التأثير في الأسواق.

بدايةً، ارتفع النشاط في الأسواق مشحونًا بالآمال المترافقة مع خفض الضرائب والإجراءات التي تساهم في تحرير الاقتصاد، لكن سرعان ما تلاشى الحماس نتيجةً للإعلانات عن التعريفات الجمركية وتشديد القيود على الهجرة. تأكيدًا لذلك، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 600 نقطة بعد أن أعلن ترامب أن التعريفات الجمركية التي هدد بها لأسابيع ستُفرض بالفعل على كندا والمكسيك.

في الحالات السابقة لم يكن المستثمرون يتفاعلون مع الأساسيات الاقتصادية فحسب، بل كانوا يُسقطون عليها افتراضاتهم الخاصة، مساهمين بذلك في تشكيل واقع السوق.

إن التنبؤات المالية مشهورة جدًا بكونها خادعة، فليس من السهل التفريق بين البيانات المفيدة وبين توافه الأمور، لكن يبقى السؤال: هل المستثمرون الأمريكيون مستعدون لفترة جديدة من الاضطرابات الاقتصادية والمالية؟ هل سيُغذي ترامب انتعاشًا جديدًا في وول ستريت؟ أم أن حالة الشك ستسبب هبوطًا في الأسواق؟

في الواقع فإن الخطابات والسياسات الرئاسية قد تسبب حالة من عدم اليقين في الأسواق. إذ تميل أسعار الأسهم إلى الارتفاع عندما تتوقع الشركات اكتساب أرباح أعلى، والعكس بالعكس.

ترسل التحولات الدراماتيكية في سياسة ترامب إشارات متضاربة إلى الأسواق، ما سيحدث في السنوات الأربع المقبلة قد يعيد تشكيل مستقبل أمريكا المالي، فاليوم يرتبط أكثر من 60% من الأمريكيين بسوق الأسهم بواسطة حسابات التقاعد والاستثمار، ما يعني أن تداعيات هذه الأسواق ستتجاوز وول ستريت بكثير.

كيف تؤثر سياسات الرئيس في سوق الأسهم؟

تؤثر الانتخابات الرئيسية بوضوح في الأسواق المالية، فعادةً ما ترتفع قيمة الأسهم في الأسابيع التي تسبق التصويت، لكن المخاطر ترتفع بنحو 15% مع استعداد المستثمرين لحالة عدم اليقين. هذا الشك يؤثر في شركات بعينها أكثر من سواها، نعني بذلك الشركات المختصة بالصناعات الحساسة للأوضاع السياسية، مثل قطاعي الصحة والطاقة. أكثر الشركات معاناة هي التي تنفق الكثير على أنشطة جماعات الضغط، والمتأثرة بالسياسات المناخية.

تشير العديد من التحليلات المختصة بعالم الأعمال أن أسواق الأسهم تجد ظروفًا أفضل للانتعاش تحت حكم الجمهوريين، إذ إن سياساتهم التي يزعمون أنها مؤيدة للأعمال التجارية ونشاط الأسواق من شأنها أن تعمل على تحسين العائدات. لكن على غير المتوقع نجد أن التاريخ يثبت العكس، إذ انتعشت الأسواق في فترات حكم الديمقراطيين أكثر بنسبة 9% مقارنةً بالجمهوريين.

هل يعني هذا أن الحزب الديمقراطي أفضل في إدارة الاقتصاد؟ ليس بالضرورة، فالدراسات تشير إلى عامل الزمن وتأثيره في القضية. إذ إن أوقات بداية حكم الديمقراطيين قد تخللها ركود اقتصادي، وتكون الأسواق إبان حالة الركود جاهزة للتعافي، بلغة السوق يمكن وصفهم بأنهم يشترون بأسعار منخفضة. مثلًا وصل الرئيس الديمقراطي باراك أوباما إلى الحكم في نهاية الأزمة المالية العالمية في 2008، وكانت الأسواق حينها تبدأ بالتعافي وتكتسب أرباحًا.

بالمقابل غالبًا ما يرث الجمهوريون اقتصادات قوية ذات فرص نمو محدودة، إذ تولى الرؤساء الجمهوريون مناصبهم خلال فترات النمو الاقتصادي، ما يترك مجالًا أقل لنمو الأرباح، خاصةً عندما يكون السوق مستقرًا بالفعل.

ترامب والأسواق وعدم اليقين

من الأكثر الأمور التي تتلاءم مع طبيعة الأسواق هي الاستقرار والقدرة على التنبؤ بالمسارات المستقبلية، لكن التغيرات السياسية تجلب معها التقلب، على هذا ستهتز ثقة المستثمرين وستتأثر تقييمات الأسهم، فنجد مثلًا عددًا أقل من الشركات الخاصة ترغب في طرح أسهمها للاكتتاب العام في سنوات الانتخاب. ونجد أن الشك السياسي يؤثر في القدرة على اتخاذ القرارات التجارية ويقيدها. الشركات التي تعتمد كثيرًا على العقود الحكومية وعلى التجارة الدولية هي الأكثر عرضة لهذا التأثير.

تخلق سياسات ترامب بالفعل حالة واضحة من عدم اليقين، تؤثر مباشرةً في أداء الأسواق واستقرارها. مثلًا، أدت الإعلانات الأخيرة بشأن فرض رسوم جمركية على السلع القادمة من كندا والمكسيك والصين إلى تقلبات كبيرة في الأسواق، خاصةً في الصناعات المعتمدة على سلاسل التوريد العالمية، مثل التكنولوجيا.

قرر ترامب أن يؤجل تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة على كل من كندا والمكسيك، لكن تلك الموجهة نحو الصين دخلت بالفعل حيز التنفيذ. خلق هذا التناقض بحد ذاته حالة من الشك. إذا واصل ترامب اعتماد سياسات مشابهة فإن الشركات المعتمدة في عملها على التجارة الدولية ستواجه المزيد من العقبات المتعلقة بعدم اليقين في أسواق متقلبة بالفعل.

مسألة الهجرة قضية أخرى تبين كيف تؤدي سياسات ترامب إلى عدم اليقين. فأي سياسات تستهدف الهجرة غير الشرعية وتحد من وجود العمال الأجانب ستؤثر في القطاعات المعتمدة على العمالة الأجنبية مثل الزراعة والتكنولوجيا. مع أن بعض القطاعات ستستفيد من تقليل المنافسة الأجنبية، فإن التأثير العام في الاقتصاد الأمريكي قد يؤدي إلى صعوبة القدرة على توقع أداء الأسواق.

إضافةً إلى أجندة الرئيس السياسية، يؤثر عامل آخر في أسواق الأسهم: عدم القدرة على توقع قرارات ترامب ذاته! منشور واحد على إحدى المنصات كفيل بنشر الفوضى في صناعات بأكملها. بالمثل، التغيرات غير المتوقعة في السياسة قد تؤدي إلى هبوط سريع في أسواق الأسهم.

مع بداية الفترة الرئاسية الثانية لدونالد ترامب يتابع الأمريكيون من كثب طبيعة أجندته السياسية، وما يعنيه ذلك لحياتهم وتأثيره في الاستثمارات واستقرار الأسواق والاتجاهات الاقتصادية الأوسع، كلها أسئلة ما زالت دون إجابة.

في حالة المستثمرين الذين يقارنون المخاطر بالمكافآت فإن فهم التفاعل بين عدم اليقين والسياسة الاقتصادية وديناميكيات السوق أمر أساسي. تحمل فترة ترامب الثانية في طياتها تقلبات مثيرة، ليس فقط لوول ستريت وأسواق الأسهم، بل للاقتصاد الأمريكي بأكمله.

اقرأ أيضًا:

كيف سيؤثر قرار الصين بحظر تصدير المعادن الثمينة في صناعة الرقائق الدقيقة؟

كيف تنشئ بيئة عمل جذابة تحث على الإبداع؟

ترجمة: محمد ياسر الجزماتي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر