إذا جربت سابقًا أن ترى نفسك من خلال عدسة تصوير حراري، ستجد أن جسدك ينتج الكثير من الحرارة. في الحقيقة، هذا منتج مهدور نتيجة عملية الأيض. كل قدم مربعة من مساحة الجسد البشري ينتج في الساعة حرارة تكافئ 19 عود ثقاب.

للأسف فإن معظم هذه الحرارة تتبدد في الهواء الطلق. ألن يكون عظيمًا أن نسخِّرها لإنتاج الطاقة؟ يشير بحث إلى إمكانية حدوث هذا. يجري العمل على اكتشاف طرق لقياس وتخزين حرارة الأجسام لتوليد الطاقة باستخدام مواد صديقة للبيئة.

الهدف هو صنع جهاز يستطيع أن يولد ويخزن والطاقة مثل بنك طاقة مُدمَج ضمن الأدوات التكنولوجية القابلة للارتداء. ليست أجسامنا فقط التي تنتج طاقة مهدورة، ففي عالمنا التكنولوجي المتقدم، تولد حرارة مُهدَرة بكميات كبيرة، بدءًا من محركات السيارات حتى الآلات التي تصنع البضائع.

عادةً ما تهرب هذه الكميات الهائلة من الحرارة إلى الهواء الطلق، ما يُعَد فرصة ضائعة لاستعادة الطاقة. إن مبدأ «استعادة الحرارة الُمهدَرة» يسعى لحل هذه المشكلة. بالاستفادة من هذه الطاقة المُهدَرة، يمكن للصناعات تحسين كفاءتها التشغيلية والمساهمة في خلق بيئة أكثر استدامة.

التأثير الكهروحراري هو ظاهرة قد تساعد على تحويل الحرارة إلى كهرباء. ذلك بجعل فرق درجة الحرارة ينتج جهدًا كهربائيًا، إذ تتدفق الإلكترونات من الجانب الساخن إلى الجانب البارد، ما يؤدي إلى توليد طاقة كهربائية قابلة للاستخدام. مع ذلك، فإن المواد الحرارية الكهربائية التقليدية غالبًا ما تكون مصنوعة من الكادميوم أو الرصاص أو الزئبق، هذه المواد تنطوي على مخاطر بيئية وصحية تحد من تطبيقاتها العملية.

قوة الخشب

اكتشفنا أنه بإمكانك أيضًا إنشاء مواد حرارية كهربائية من الخشب، ما يوفر بديلاً أكثر أمانًا واستدامة. كان الخشب جزءًا لا يتجزأ من الحضارات الإنسانية لقرون، إذ كان مصدرًا لمواد البناء والوقود، ونكتشف الآن قدرات المواد المشتقة من الخشب في تحويل الحرارة المُهدَرة إلى كهرباء قيمة، غالبًا ما تضيع في العمليات الصناعية.

هذا النهج يعمل ليس على تعزيز كفاءة الطاقة فحسب، بل يعيد تعريف كيفية رؤيتنا للمواد اليومية بوصفها مكونات أساسية لحلول الطاقة المستدامة. استطاع فريق البحث تطوير طريقة مستدامة تحوِّل الحرارة المُهدَرة إلى كهرباء باستخدام منتجات الخشب الأيرلندي، التي تُعد منتجًا ثانويًا من صناعة الورق مثل خشب اللجنين.

تظهر الدراسة أن الأغشية القائمة على اللجنين، عند نقعها في محلول ملحي، يمكنها تحويل الحرارة المُهدَرة منخفضة درجة الحرارة -أقل من 200 درجة مئوية- إلى كهرباء بكفاءة. يؤدي فرق درجة الحرارة عبر غشاء اللجنين إلى تحرك الأيونات -الذرات المشحونة- في المحلول الملحي.

تتحرك الأيونات الموجبة نحو الجانب الأبرد، في حين تتحرك الأيونات السالبة نحو الجانب الأدفأ. يؤدي هذا الفصل بين الشحنات إلى خلق فرق جهد كهربائي عبر الغشاء، يمكن تسخيره طاقةً كهربائية. لما كان نحو 66% من الحرارة المهدرة نتيجة الصناعة تقع ضمن هذا النطاق الحراري، فإن هذا الابتكار يمثل فرصة كبيرة لحلول الطاقة الصديقة للبيئة.

تتمتع التكنولوجيا الجديدة بالقدرة على إحداث فرق كبير في العديد من المجالات. فالصناعات التي تنتج كميات كبيرة من الحرارة المتبقية، قد تشهد فوائد كبيرة بتحويل تلك الحرارة المُهدَرة إلى كهرباء، ما من شأنه أن يساعد على توفير الطاقة وتقليل تأثيرها على البيئة.

يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في العديد من المجالات، من توفير الطاقة في المناطق النائية إلى تشغيل أجهزة الاستشعار والأجهزة في التطبيقات اليومية. أيضًا فإن طبيعتها الصديقة للبيئة تجعلها حلًا واعدًا لتوليد الطاقة المستدامة في المباني والبنية الأساسية.

مشكلة التخزين

تخزين الطاقة أمر لا يقل صعوبة عن توليدها. المكثفات فائقة التخزين هي أدوات تُستَخدَم لتخزين الكهرباء وتفريغها، ما يجعلها مهمة للتطبيقات التي تتطلب سرعة في نقل القدرة. مع ذلك، فإن اعتمادها على المواد الكربونية المشتقة من الوقود الأحفوري يشكل أزمة من ناحية الاستدامة ما يدفع إلى البحث عن طرق لصناعتها بواسطة مصادر متجددة.

اكتشف الباخثون أن الكربون المسامي القائم على اللجنين قد يعمل قطبًا كهربائيًا في المكثفات الفائقة لتخزين الطاقة الناتجة من حصاد الحرارة المهدرة باستخدام غشاء اللجنين. تسمح هذه العملية لغشاء الليجنين بالتقاط الحرارة المُهدَرة وتحويلها إلى طاقة كهربائية، في حين يعمل هيكل الكربون المسامي على تسهيل الحركة السريعة للأيونات وتخزينها.

بتوفير بديل أخضر يتجنب المواد الكيميائية الضارة والاعتماد على الوقود الأحفوري، يقدم هذا النهج حلًا مستدامًا لتخزين الطاقة من الحرارة المُهدَرة. هذا الابتكار في تخزين الطاقة سيحدث تقدمًا في الأجهزة الإليكترونية والتكنولوجيا القابلة للارتداء والسيارات الكهربائية.

اقرأ أيضًا:

تقرير للأمم المتحدة يدعو لاعتبار الذكاء الاصطناعي خطرًا مثله كمثل التغير المناخي!

نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة تستطيع حل اختبار كابتشا الخاص بالصور بسهولة!

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر