واجه العلماء لغزًا فيزيائيًا معقدًا عقودًا طويلةً: هل سيتمكن البشر يومًا من الاستفادة من الطاقة الهائلة التي تنتجها نظريًا الثقوب السوداء الدوارة؟
إن تمكنت المجتمعات في المستقبل بطريقة ما من تحقيق ذلك الإنجاز الرائع، فستكون إمدادات الطاقة لحضارات المجرات البعيدة مضمونة، إذ يملك العلماء اليوم تفسيرًا جديدًا لإمكانية تنفيذ هذا الاستخراج الغريب للطاقة.
يوضح عالم الفيزياء الفلكية لوكا كوميسو من جامعة كولومبيا: «تحاط الثقوب السوداء بحساء ساخن من جزيئات البلازما التي تحمل حقلًا مغناطيسيًا. تظهر نظريتنا أنه عندما تنفصل خطوط الحقل المغناطيسي وتتصل مجددًا اتصالًا صحيحًا، فإنها تستطيع تسريع جزيئات البلازما وصولًا إلى طاقتها السلبية، وعندها يمكن استخراج كميات كبيرة من طاقة الثقب الأسود».
تشارك كوميسو مع الفيزيائي فيليبي أ.أسينجو من جامعة أدولفو إيبانيز في تشيلي، وقدما عملًا حديثًا يعطي منظورًا جديدًا لإلقاء نظرة على كيفية استخراج الطاقة من ثقب أسود دوار.
من الطبيعي أن تمتلك الثقوب السوداء كميات كبيرةً جدًا من الطاقة نظرًا إلى كتلتها الهائلة، ولسوء الحظ فهي محجوزة في الزمكان أسفل إحدى الحفر الغامضة. في ظل تلك الظروف التي تؤثر في الكتلة، قد نتمكن من تجربة استخراج الطاقة بحذر وعناية من مجمع الطاقة الهائل خلال انسحاب أطراف الزمكان.
اقترح عالم الرياضيات والفيزيائي في جامعة أكسفورد روجر بينروز طريقةً واحدةً مبتكرةً عُرفت لاحقًا بعملية بينروز، إذ تبين نظريًا إمكانية استخراج الطاقة من الإرغوسفير، الذي يمثل المنطقة الواقعة خارج أفق الحدث، حيث يلتف الزمكان نتيجةً لتأثيرات دوران الثقب الأسود.
اقترحت حسابات بينروز الرياضية أنه في حال انقسام جسيم ما إلى جزأين داخل الإرغوسفير، ليسقط أحدهما داخل أفق الحدث، ويهرب الآخر من قوة جاذبية الثقب الأسود، فإن الطاقة الناتجة عن الجسيم الهارب ستكون قابلةً للاستخراج نظريًا حتى وإن استحال ذلك عمليًا.
تحقق مجموعة من العلماء تجريبيًا من تلك الفكرة عبر ورقة بحثية نُشرت منذ أشهر قليلة مضت، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة المقترحة لتسخير طاقة الثقب الأسود؛ فإشعاع هوكينغ الذي يعتمد على الانبعاثات الناجمة عن ميكانيكا الكم يمثل طريقةً أخرى تُعرف بعملية بلاندفورد-زنايك، إذ يمكن استخراج الطاقة كهرومغناطيسيًا عبر المجال المغناطيسي المحيط بالثقب الأسود.
وفقًا لتحليل كوميسو وأسينجو، تؤدي المغناطيسية دورًا أساسيًا خاصةً عند انقطاع خطوط الحقل المغناطيسي وإعادة وصلها داخل الإرغوسفير، لكنها أيضًا أعادت صياغة التفكير بجزء من عملية بينروز.
تحدث عمليات إعادة الاتصال خارج أفق الحدث، إذ تتسارع جسيمات البلازما المقسمة إلى سرعات تصل إلى سرعة الضوء في اتجاهين مختلفين، وقد يسقط أحد تدفقَي البلازما إلى داخل أفق الحدث في حين يهرب الآخر. من منظور الثقب الأسود سيكون الجسيم الساقط مشبعًا بالطاقة السالبة، أما طاقة الجسيم الخارج منه فستكون إيجابيةً ويمكن الاستفادة منها. بهذه الطريقة يمكن الاستفادة نظريًا من تدفقات البلازما الهاربة والمشحونة بالطاقة بالكامل لتعمل مصدرًا غير محدود للطاقة مجانًا، وسيستمر ذلك طالما أن الثقب الأسود يواصل ابتلاع الطاقة السلبية للبلازما.
يشرح أسينجو: «لقد حسبنا أن عملية تنشيط البلازما يمكن أن تصل بفاعليتها إلى 150% أي أعلى بكثير من أي محطة أخرى لتوليد الطاقة على سطح الأرض. ويمكن تحقيق أي فعالية أكبر من 100% بسبب تسرب الطاقة من الثقوب السوداء، إذ تترك الطاقة مجانًا للبلازما الهاربة من الثقوب السوداء».
عمليًا قد لا نتمكن من استثمار تلك الطريقة في توليد الطاقة، لكن هذا لا يعني أنها عديمة الفائدة تمامًا. من وجهة نظر فلكية يمكن أن تكون هذه الظاهرة سببًا لانفجارات الثقب الأسود التي تمثل انبعاثات هائلة من الطاقة الإشعاعية غير المستغلة في الفضاء.
كتب مؤلفو الدراسة: «بطريقة مختلفة عن عملية بلاندفود-زنايك التي نحصل بواسطتها على الطاقة الدورانية عبر آلية كهرومغناطيسية بحتة، تتطلب آلية استخراج الطاقة الموصوفة هنا همود الجسيمات غير الصفرية (غير المعدومة الكتلة). تختلف هذه الآلية أيضًا عن عملية بينروز الأصلية من حيث الحاجة إلى تبديد الطاقة المغناطيسية لإنتاج الجسيمات ذات الطاقة السلبية. من الواضح أن جميع الآليات تستخرج طاقة دوران الثقب الأسود بتغذية الثقب الأسود بالطاقة السلبية والزخم الزاوي».
اقرأ أيضًا:
هل تكون محطات الطاقة الشمسية الفضائية الحل لاحتياجاتنا من الطاقة؟
الزمكان – كيف فسرت نظرية النسبية العامة الجاذبية ؟
ترجمة: فاطمة طاهر أحمد
تدقيق: راما الهريسي