أظهر علماء النفس اهتمامهم منذ فترة طويلة بكيفية تحديد كذب الشخص. يوجد عدد هائل من المؤلفات العلمية والمؤلفات «المشهورة» غير العلمية المتعلقة بالخداع البشري، بالإضافة إلى وجود عدد لا يحصى من كتب المحققين المحترفين السابقين وغيرهم، ومن الجلي أن منابر وسائل التواصل الاجتماعي تتيح آلاف التقنيات السريعة البسيطة، بالإضافة إلى الكثير من الدورات التدريبية الإرشادية التي تعِد بتقديم معلومات عن كيفية كشف الكذب على نحو دقيق.
بيد أن الرسالة المستمدة من الكتابات النفسية المتعلقة بالخداع البشري تُعد واضحةً متناسقةً إلى حد ما، فإنه لا يوجد مؤشر واحد موثوق يبين الكذب. أنف بينوكيو غير موجود في الحياة الحقيقية وأحد الأسباب التي تُصعّب اكتشاف كذبة ما هو أن كل كاذب يتصرف بطريقة مختلفة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون مختلفًا عن قائلي الحقيقة.
تبين أن بعض الكاذبين يظهرون مجموعةً واسعةً من السلوكيات الجسدية أو اللفظية، سواء على نحو مستمر أو متقطع عند الكذب، في حين أن آخرين لا يظهرون شيئًا منها. على سبيل المثال، الضحك والتبسم وتحريك اليدين والأصابع واللمس الذاتي ( يشار إليه عادة بمصطلح المُهيّئات الذاتية self-adaptors) والتلعثم والعزوف عن التحديق والتظاهر بضعف الذاكرة واستغراق وقت طويل للإجابة عن الأسئلة، جميعها لوحظت عند الكاذبين، ولكن ليس على الدوام.
علاوةً على ذلك، فإن بعض هذه السلوكيات أو جميعها يظهرها قائلو الحقيقة، ولكن كذلك، ليس دائمًا.
عمومًا، كشفت الأبحاث أن البشر ليسوا جيدين في كشف الكذب. عادة ما يكشف الناس الكذب بمحض الصدفة، وهي نتيجة اتفق عليها أفراد عامة الناس والخبراء منهم. يعتقد علماء النفس أن هذا قد يتضمن جانبًا منه، لأن الناس لديهم تحيز للحقيقة، وعلى ذلك هم لا «يبحثون» عن الأكاذيب في التعاملات اليومية، في حين تبين أن الخبراء يظهرون تحيزًا للكذب ويبحثون بدقة عن مؤشراته. تتعارض مثل هذه التحيزات مع الطريقة التي يفهم بها الناس العالم من حولهم، الأمر الذي بدوره يؤثر في قراراتهم وأحكامهم.
مع ذلك، يتمكن غالبًا الناس من كشف الكذب بدقة أكبر بكثير عندما يكون الكاذب أحد أفراد الأسرة أو شخصًا آخر هم على دراية كبيرة بصفته المخادعة. يتمكن الناس غالبًا من معرفة كون الشخص يتصرف على نحو مختلف أو غريب، الأمر الذي يساهم في توعيتهم عند الكذب. في الواقع، كثيرًا ما يكون الآباء قادرين على كشف خداع أطفالهم لأن سلوك الأطفال الصادق معروف ملاحظ باستمرار، فإن التغيرات في هذه السلوكيات المعتادة تظهر غريبةً على الفور.
في الوقت الذي تفرض فيه الأبحاث النفسية تحديات كثيرة ودائمة ومهمة للكشف الدقيق عن الأكاذيب، تسهم الدراسات أيضًا في تقديم توجيهات بشأن تمييز الكاذب، حتى عندما يكون هذا الشخص غريبًا، ومن المعروف أن التلميحات اللفظية تشخص حالات الكذب أكثر بكثير من السلوكيات أو اللغات الجسدية.
يتعارض الاعتماد على لغة الجسد وحدها مع قدرتنا على كشف الكذب بدقة لكونها إشارة غير موثوقة.
نظرًا إلى أن الكذب يتطلب عادة جهدًا عقليًا أكبر من قول الحقيقة، فإن هذا العبء العقلي الإضافي يمكن استغلاله لتحسين القدرة على كشف الكذب.
كشف البحث عن العديد من أساليب الاستجواب الفعالة المنبثقة من العمل المخبري للكشف عن الأكاذيب، وفي الآونة الأخيرة، استُخدمت الألعاب الانغماسية لمحاكاة العالم الحقيقي بفاعلية بالإضافة إلى العمل في هذا المجال إلى جانب الخبراء وأفراد المجتمع ضمن سياقات أمنية حقيقية.
اطرح الصنف المناسب من الأسئلة: الكلمات ناقلات للكذب، لذا يجب على كل سؤال أن يستمد أكبر عدد ممكن من الكلمات. بما معناه، طرح أسئلةً مفتوحة قدر الإمكان. على سبيل المثال، «أخبرني كيف تقضي أوقاتك في نيويورك» بدلًا من «قلت إنك كنت تعيش في نيويورك» الأولى تلتمس ردًا أكثر تفصيلًا. الثانية تُعد سؤالًا مغلقًا، ولذلك عادةً تكون الإجابة عليه بـ «نعم» أو «لا».
اجعل كل سؤال مهمًا: لا تطرح أسئلةً لا فائدة منها لمجرد قول شيء ما. عوضًا عن ذلك، اضمن أن كل سؤال يدفعك نحو هدفك، وهو فهم حقيقة ما يقوله الناس لك.
كن تكتيكيًا: إذا كنت على علم بالحقائق الموضوعية، فكر في السؤال عن كل حقيقة قبل الكشف عن أنك تعرف الإجابة. يُمكّنك هذا من إدراك ما إذا كان الشخص صادقًا أم لا. بعد ذلك، عند طرح أسئلة لا تعرف إجابتها سيكون لديك بعض المعرفة حول الطريقة التي يتصرف بها الشخص إذا كان صادقًا، أو لم يكن.
الاستماع بدلًا من التحدث: ينبغي للمستجوبين اختصار الكلام قدر الإمكان، وذلك لإعطاء أنفسهم الوقت الكافي للاستماع والتفكير والفهم التام للردود على أسئلتهم. اجعل كل سؤال مهمًا واطرح أقل عدد ممكن من الأسئلة.
اتبع السلوك الحواري الاستفساري بدلًا من العدواني الرسمي الاتهامي: يشكل استجواب شخص ما تفاعلًا اجتماعيًا معقدًا، غالبًا ما يكون ذلك أكثر إنتاجية إذا تمكن المستجوبين من التعامل مع الناس بأسلوب يضمن جمع المعلومات المرادة.
إدراج بعض العناصر الزمنية للأسئلة الخاصة بك: غالبًا ما يتطلب التبديل بين المقاصد الماضية والحاضرة والمستقبلية جهدًا عقليًا كبيرًا للكاذبين لدرجة أنهم يكشفون كذبهم عن غير قصد بارتكاب الأخطاء أو بالتناقض مع أنفسهم و/أو التعارض مع الحقائق المنطقية التي يعرفها السائل.
اطرح أسئلةً توضيحيةً: تكشف هذه الأنواع من الأسئلة المزيد من التفاصيل عن إجابة سابقة أو بما يتعلق بالسرد الأولي للحدث. قد يعاني الكاذبين بسبب التفاصيل، بالإضافة إلى احتمالية أن تكون غير متناسقة عند اختصارها أو تكرارها.
ما يزال الكشف عن الكاذبين حتى بالاستعانة بهذه التقنيات النفسية أمرًا صعبًا، لكن البحوث الواقعية كشفت أن الفاعلية قد تتحسن كثيرًا عند جمع هذه النُهج وتطبيقها بانتظام في حال طرح الأسئلة.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: لارا الطراونة
تدقيق: عون حدّاد
مراجعة: آية فحماوي
المصدر: psychologytoday