من المثير للدهشة أن يكتشف العلماء أن الجينوم – المحتوى الوراثي الكلي للكائن – البشري للشخص الواحد يحتوي على أنماط مختلفة، وليس نمط واحد كما كان سائدًا في وقت سابق. ظهر هذا الأمر جليًا في سلسلة من الأبحاث نُشرَت مؤخرًا تفيد بأنّ هناك تباينًا بين الخلايا لا يمكن تجاهله في جينوم كل شخص.

اعتقد العلماء سابقًا بإمكانية النظر إلى الجينوم الموجود في كل خلايا الجسم عن طريق تحليل جينوم خلية واحدة. بدأ العلماء بالحصول على أدلة أن هذا لم يكن صحيحًا دائمًا، ففي عام 1953 على سبيل المثال، تبرعت امرأة بريطانية بالدم و اتضح أن بعض خلايا دمها من نوع O و البعض الآخر كان من نوع A. العلماء الذين درسوا حالتها خلصوا إلى أن بعض الخلايا المكوّنة لدمها كانت من شقيقها التوأم في الرحم. هذه الخلايا إضافة إلى الجينوم الخاص بها، كانت خاصة بتوأمها و ليست مماثلة لباقي خلايا جسمها. هذه الحالة تسمى “الكيمر”، وهي ليست نادرة الحدوث كما كان يُعتقد سابقًا.

إمرأة أخرى تبلغ من العمر 52 عام، أجرت بعض الإختبارات لتحضيرها لعملية زراعة الكلى لإيجاد متبرّع مناسب، لكن النتائج أشارت إلى أنها لم تكن والدة لإثنين من أولادها الثلاثة. اتّضح أنّ الأم تعاني من حالة “الكيمر”.

يمكن للمرأة أيضًا الحصول على الجينوم من أطفالها خلال فترة الحمل. في عام 2012، قام علماء كنديون بتشريح أدمغة 59 امرأة، ووجدوا كروموسومات Y – الخاصة بالذكور فقط – في الخلايا العصبية لـ63% من النساء في الدراسة. رجّح الباحثون أن الخلايا العصبية المحتوية على كروموسوم Y، هي تابعة للأبناء ووصلت لدماغ الأمهات. فريق آخر عندما بَحَث عن كروموسوم Y في عينات من نسيج الثدي، أثبتوا وجوده في 56% من النساء.

كانت حالات “الفسيفساء الجينية” – حيثُ المصاب لديه مزيج من خلايا سليمة وأخرى مصابة بالطفرة – صعبة الدراسة في البشر قبل إختراع طرق لكشف تسلسل الحمض النووي. بالرغم من ذلك، تمكّن العلماء في ستينات القرن الماضي من اكتشاف يتسبب فيه نوع محدد من “الفسيفساء الجينية” بسرطان الدم، إذْ توجد الطفرة المسببة للسرطان في الخلايا المكوّنة للدم وليس في الخلايا الأخرى. النتائج الحديثة توضح أن حالات “الفسيفساء الجينية” شائعة جدا – حتى في الخلايا السليمة.

فعندما اختبر العلماء وجود نوع من الطفرات في الخلايا الليفية – الموجودة في النسيج الضام، وُجِد أنّ 30% من الخلايا مُصابة بتلك الطفرة. فريقٌ آخر بحث عن حالات “الفسيفساء الجينية” عن طريق إجراء عمليات التشريح على ستة أشخاص توفوا لأسباب أخرى غير السرطان. خمسة من الستة أشخاص، كانوا مصابين بـ”الفسيفساء الجينية”.

الدراسات الحديثة تُشير إلى أنّ الجينوم الإضافي الموجود في حالات “الكيمر”، يمكنه أن يكون مفيد. خلايا “الكيمر” الناتجة من الأجنة، تبحث عن الأنسجة التالفة و تساعد على شفائها. باحثون آخرون يدرسون الآن ما إذا كانت “القسيفساء الجينية” عاملا مسببًا لأمراض أكثر شيوعًا، مثل انفصام الشخصية.

الباحثين في مجال الطب ليسوا الوحيدين المهتمين بتعدد الجينوم الشخصي، بل وعلماء الطب الشرعي أيضًا. في العام الماضي، على سبيل المثال، أعرب بعض علماء الطب الشرعي في مختبر الجريمة في ولاية واشنطن عن عدم تطابق في عينات الحمض النووي لنفس الشخص، من عينة لعاب وعينة سائل منوي من نفس المتهم في قضية إعتداء جنسي.

قام باحثون في النمسا بمسحات خلايا بطانية للخد من 77 شخصا تلقوا زرع نخاع من فترة تصل إلى تسع سنوات. في 74% من العينات، وجدوا مزيج من العوامل الوراثية – على حدٍ سواء خاصة بهم وتلك من الجهات المانحة للنخاع. قال خبراء في حين أن مخاطر الخلط حقيقية، فمن الممكن التحكم فيها.

ففي الدراسة النمساوية، على سبيل المثال، وجد العلماء أنّ جينوم المتبرع بنخاع، لم يكن موجودًا في شعر المتلقين. اختبار الحمض النووي الذي يستخدم خلايا الدم، قد يغيب عنه الطفرات المسببة للمرض في خلايا الأعضاء الأخرى. هذا قد يتغير مع تطوير العلماء وسائل أقوى للكشف عن الجينوم البشري للأشخاص و معرفة المزيد عن صلاتها بالأمراض.


مصدر