تخيّل لو أننا لا نملك من المعلومات عن الزرافة أو الحمار الوحشي غير مجموعة من العظام المتحجّرة، كيف كنا سنتصوّر لونها يا ترى؟ حسناً لم يعد الأمر مستحيلًا.

استطاع العلماء ولأول مرة معرفة ألوان الثديّيات المنقرضة، من خلال تحليل البقايا المتحجّرة. إذ تم تحديد اللون البني المحمرّ لنوع من الخفافيش المنقرضة تعرف باسم «Palaeochiropteryx»، من خلال الأحافير التي عثر عليها في مدينة ميسل «Messel» الألمانية، حيث تبلغ من العمر 49 مليون سنة.

 

إذ قام مجموعة من باحثي وعلماء معهد فريجينيا للتكنولوجيا «Virginia Tech» و جامعة بريستول «University of Bristol» بالكشف عن دراسة جديدة، تضمّنت مجموعة أخرى من العلماء من الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة وألمانيا وإثيوبيا والدنمارك؛ للتعرّف على الصبغات في أحافير الثدييات، حيث يمكن أن يساهم هذا الاكتشاف في معرفة ألوان الجلد أو الشعر للأنواع المنقرضة. ويقول الباحثون أنه يمكن لهذه التقنية أن تستخدم لتحديد الصبغات اللونية في الأحافير المحفوظة بشكل جيد، حتى عمر 300 مليون سنة. وقد نشر هذا البحث في أيلول من هذا العام في مجلة «Proceedings of the National Academy of Sciences».

 

إن ما كان يعتقده العلماء بكتيريا متحجّرة؛ اتضح أن هذه التراكيب المجهرية ليست إلّا ميلانوسوم «melanosomes» (وهي عضيات كيسية داخل الخلايا تحتوي على صبغة الميلانين التي تعطي اللون للجلد والشعر والريش وقزحية العين). وقد تمّ تسجيلها لأول مرّة في قطعة من الريش المتحجّر عام 2008 من قبل عالم المتحجرات الجزيئي في جامعة بريستول والباحث الرئيسي في هذه الدراسة الدكتور جاكوب فينتر «Jakob Vinther». منذ ذلك الحين والاهتمام بشكل الميلانسوم المتحجّر في ازدياد، حيث تمّ استخدامه في دراسة الزواحف البحرية المنقرضة، ومعرفة ألوان الديناصورات والآن الثديّيات.

 

وأشارت كاتلين كولاري «Caitlin Colleary» طالبة الدكتوراه القائمة على البحث في قسم علم الأرض التابع لمعهد فيريجينيا للتكنولوجيا: «لقد قمنا بدراسة أنسجة الأسماك والضفادع والعلاجيم وشعر الثدييات وريش الطيور، وكذلك حبر الأخطبوط والحبّار، وتبيّن أنها حافظت على الميلانين الموجود فيها، لذلك يمكننا القول بثقة أن هناك ميلانين في كل مكان ضمن الأحفاير المسجّلة. وبهذا يمكننا رسم الأنماط اللونية للحيوانات القديمة».

 

وبالإضافة إلى شكل الميلانوسوم؛ فإن تركيبته الكيميائية مميّزة أيضًا. باستخدام جهاز لتحديد أطياف الكتل الجزيئية «time-of-flight secondary ion mass spectrometer» (وهو جهاز يعتمد على قياس سرعة ارتداد الأيونات الثانوية في تحديد كتلة الجزيئات، فالمواد المختلفة تعكس شعاع الأيونات بسرعات مختلفة). استطاع العلماء أن يحدّدوا التركيبة الجزيئية للميلانوسوم المتحجّر من أجل مقارنتها بالميلانوسوم الحالي. ثم قام الباحثون بمحاكاة الظروف التي تحصل خلال مراحل التحجّر من أجل التعرّف على التغيّرات الكيميائية التي تحدث للميلانين، باخضاع بعض الريش من الطيور المعاصرة لدرجات حرارة وضغط عالية، وملاحظة التغيّرات التي حصلت لبصمة الميلانوسوم الكيميائية. وتمّ تنفيذ العمل في جامعة بريستول وجامعة تكساس في اوستن «the University of Texas»، كذلك فقد شاركت جامعة بريستول وجامعة اوستن «the University of Austin» وناشونال جيوغرافيك «National Geographic» في دعم هذه الدراسة.

 

ووضّحت كولاري قائلة: «ومن خلال جمع المعلومات الناتجة من التجارب السابقة، استطعنا أن نتعرّف على كيفية تغيّر صبغات الميلانين عبر ملايين السنين، ووضعنا طريقة جديدة ومثيرة حقًا من أجل الحصول على المعلومات التي تعذّر حصولنا عليها من قبل».

 

كما أضاف الدكتور روجر سومنس «Roger Summons» البرفيسور في علم الأرض في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا «the Massachusetts Institute of Technology»، والذي لم يشارك في الدراسة: «كان من المهم أن يشارك عالم مختصّ بالكيمياء الدقيقة (العلم الذي يهتم بدراسة التفاعلات الكيميائية على المستويات الصغيرة جدًا مثل التفاعلات الكيميائية في الخلايا) في مناقشة البحث للتأكد من التراكيب الكيميائية التي تختلف في الميلانوسوم عن البكتريا المتحجّرة، الأمر الذي كان موضعًا للجدل بين العلماء لعدة سنين. إن هذا الاكتشاف سيساعدنا في فهم الكيفية التي تطوّرت فيها الكائنات بشكل متناغم». وقد شارك الدكتور سومنس في دراسة أُجريت على حبر الحبّار من العصر الجوراسي، واتّضح بأنه لا يمكن تمييزه كيميائيًا عن الأنواع المختلفة من الحبّار في يومنا هذا.

 

وبيّن الدكتور سومنس ذلك قائلًا: «إن معرفة ألوان الكائنات الحيّة مهمة، وكذلك طريقتنا في تحديد الألوان في الأحافير مهمة أيضًا، وذلك لأنها تمدّنا بالمعلومات عن بعض المفاهيم الدقيقة في تاريخ الحياة على كوكبنا. كمثال على ذلك، فإن الألوان تلعب دورًا مهمًا في كيفية تعرّف الحيوانات على بعضها وكيف تتفاعل مع الأمر، محدّدة الكائن المقابل كصديق أم عدوّ، ولاختيار الشريك في أوقات التزاوج. هذا البحث يوفّر سبيلًا آخر لفهم كيف تطوّرت الحياة خلال الزمن، وإمكانية التوغّل بعيدًا في تاريخ الحيوانات؛ لفهم الدور المهم الذي يلعبه لون الكائن في هذه العملية».


 

المصدر