تُعد نقطة التفرد في قلب الثقب الأسود منطقةً مُحرّمة تُضغط فيها المادة إلى نقطة لا متناهية الصغر، تنهار فيها كل مفاهيمنا حول الزمكان، لكن في الحقيقة تعد هذه النقطة مجرد افتراض، فلم نتيقن من ماهيتها بعد، لذلك سنعرض بعض الاحتمالات الأخرى.
نجوم بلانك
بدلًا من انهيار المادة إلى نقطة صغيرة غير متناهية داخل الثقب الأسود، يتكوّن شيء مادي في أصغر مستوى ممكن وفقًا لمقياس بلانك، يُسمى «نجم بلانك». يمثل ذلك احتمالًا نظريًا يستند إلى فرضيات الجاذبية الكمية الحلقية التي تحاول إنشاء نسخة كمومية من الجاذبية.
تقترح نظرية الجاذبية الكمية أن نسيج الزمكان يتكوّن من قطع منفصلة صغيرة جدًا على المستوى الذي تبدو فيه كل حركاتنا سلسةً ومستمرة، تُقدم هذه النظرة الكمومية الافتراضية لنسيج الزمكان فائدتين، فهي تُوحّد بين ميكانيكا الكم والجاذبية، وتستبعد تكوّن نقاط تفرد داخل الثقوب السوداء.
عندما تُسحق المادة تحت تأثير القوة الهائلة لجاذبية نجم منهار فإن المادة تُبدي بعض المقاومة، لكن نسيج الزمكان المنفصل يعوق انهيار هذه المادة إلى شيء أصغر من طول بلانك (1.68×10 مرفوع للأس -35 متر)، وتُضغط كل المواد الواقعة في الثقب الأسود إلى مستوى مجهري لكنه محدود.
تنفجر المادة في نهاية المطاف بفعل مقاومة ضغط الجاذبية المستمر، ولا ينتهي الأمر عند الثقوب السوداء، فهي مرحلة مؤقتة فقط، لكن بسبب تباطؤ الوقت الشديد حول الثقوب السوداء قد يستغرق الأمر من منظورنا تريليونات السنوات قبل أن نشاهد مثل هذه الانفجارات.
نجوم غرافاستار
يُعد نجم غرافاستار بديلًا افتراضيًا آخر لنظرية نقطة التفرد في الثقب الأسود، إذ لا يستند إلى فرضيات الجاذبية الكمية، ويُسمى «نجم الطاقة المظلمة»، فهو يتكون من الطاقة المظلمة التي تتغلغل في نسيج الزمكان وتسبب توسعه. قد يبدو الأمر أشبه بالخيال العلمي لكنه حقيقي، فالطاقة المظلمة تسود الكون وتعمل على تسريع تمدده.
حين تنهار المادة إلى نجم غرافاستار فإنها تفقد قدرتها الفعلية على اختراق أفق الحدث (بسبب الطاقة المظلمة في الداخل)، ومن ثم تبقى على السطح، لكن خارج هذا السطح تتصرف نجوم غرافاستار مثل أي ثقب أسود عادي.
مع ذلك، استبعدت الملاحظات الأخيرة لحدث اندماج ثقبين أسودين باستخدام كاشفات موجات الجاذبية وجود نجوم غرافاستار، لأن إشارة اندماج نجوم غرافاستار كانت ستختلف عن إشارة اندماج الثقوب السوداء. يعمل كل من مرصد ليغو (مرصد الموجات الثقالية بالتداخل الليزري)، ومرصد فيرغو على تزويدنا بأمثلة لحوادث أخرى لا تنفي تمامًا وجود نجوم غرافاستار في كوننا، لكن هذا الاحتمال ضئيل جدًا.
دوران الثقوب السوداء
قد تمتلك نجوم غرافاستار ونجوم بلانك أسماءً رائعةً، لكن تبقى حقيقة وجودها موضع شك، فقد نجد بديلًا آخر أكثر دقةً وواقعيةً من النقاط المتفردة داخل الثقوب السوداء في كوننا.
جاءت فكرة النقطة غير متناهية الصغر والكثافة المُتفرّدة من مفهومنا القديم عن الثقوب السوداء بوصفها أجرامًا سماويةً ثابتة لا تدور وغير مشحونة كهربيًا، لكن الثقوب السوداء ليست بتلك البلادة، فهي أجرام مثيرة للاهتمام لا سيما عند دورانها.
يعمل هذا الدوران على تمديد نقطة التفرد إلى مستوى حلقة، وتبعًا لرياضيات النسبية العامة (الرياضيات الوحيدة لدينا)، فإن مرور أي جسم عبر هذه الحلقة يؤدي إلى دخوله ثقب دودي وخروجه من ثقب أبيض إلى مكان جديد ومثير من الكون. الثقب الأبيض هو نقيض الثقب الأسود، فلا يستطيع أي شيء الدخول إليه بل تندفع المادة منه بسرعة الضوء.
لكن هذا الافتراض يتناقض مع نفس الرياضيات التي يستند إليها، التي تتوقع إمكانية السفر إلى أكوان أخرى، فالأجزاء الداخلية للثقوب السوداء الدوارة غير مستقرة تمامًا، والمتفردة الممتدة إلى حجم حلقة تدور بوتيرة فائقة، ما يكسبها قوةً هائلةً من الطرد المركزي تجعلها -وفقًا للنسبية العامة- تعمل مثل الجاذبية المضادة، أي تدفع الأجسام ولا تسحبها.
يخلق هذا التفاعل داخل الثقوب السوداء حدًا فاصلًا، يُسمى «الأفق الداخلي»، إذ تستمر الإشعاعات الساقطة في التدفق تجاهه مدفوعةً بقوة الجاذبية الهائلة، لكنها تواجه طردًا مركزيًا بفعل الجاذبية المضادة بالقرب من المتفردة (الحلقة)، وهنا تكمن نقطة التحول، فإذا عبرت من ثقب أسود وواجهت هذا الأفق الداخلي فإنك ستواجه جدارًا شعاعيًا نشطًا بلا حدود، وقد ترى ماضي الكون بأكمله ماثلًا أمامك في أقل من غمضة عين.
يؤدي الجدار الشعاعي الهائل داخل الثقوب السوداء إلى انهيار الثقوب في النهاية، لكن يبقى وجود الثقوب السوداء الدوارة في كوننا أمرًا مؤكدًا، ما يُشير إلى خطأ في حساباتنا، أو أن شيئًا غريبًا يحدث.
إذن ماذا يحدث داخل الثقب الأسود؟ نحن لا نعلم، وللأسف قد لا نعلم أبدًا.
اقرأ أيضًا:
ميكانيكا الكم – هل ترهق فيزياء الكم ذهنك؟ اليك هذه المقالة
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: أكرم محيي الدين