روزا لوكسمبورج: ثورية ألمانية بولندية المولد، ولدت في 5 مارس 1871 في زاموي، بولندا الآن، وتوفيت في 15 يناير 1919 في برلين، ألمانيا. داعية للمبادئ اليسارية. أدت دورًا رئيسيًا في تأسيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي البولندي واتحاد سبارتاكوس، الذي نما ليصبح الحزب الشيوعي الألماني. بوصفها باحثةً سياسية، طورت نظرية إنسانية للماركسية، مؤكدةً الديمقراطية والنشاط الثوري الجماهيري لتحقيق الاشتراكية العالمية.
كتبت روزا لوكسمبورج: مقال الإصلاح أو الثورة (1899)، دفاعًا عن العقيدة الماركسية ضد التحريف. الإضراب الجماهيري والحزب السياسي والنقابات العمالية (1906)، تراكم رأس المال (1913)، تحليل التوسع الرأسمالي في الدول المتخلفة، وأعمال أخرى.
عُرفت روزا لوكسمبورج بالمشاركة في تأسيس رابطة سبارتاكوس، التي نمت لتصبح الحزب الشيوعي الألماني، وبتطوير نظرية الماركسية الإنسانية، وبمقتلها على يد أعضاء جماعة «فريكوربس»، وهي رابطة ألمانية غير نظامية من الجماعات شبه العسكرية اليمينية.
كانت روزا لوكسمبورج الأصغر بين خمسة أطفال من عائلة يهودية من الطبقة الوسطى الدنيا في بولندا الخاضعة للحكم الروسي. انخرطت في أنشطة الحركات السرية حين كانت ما تزال في المدرسة الثانوية. ومثل العديد من معاصريها الراديكاليين في الإمبراطورية الروسية الذين تعرضوا للسجن، هاجرت إلى زيورخ سنة 1889، حيث درست القانون والاقتصاد السياسي، وحصلت على الدكتوراه سنة 1898. في زيورخ، انخرطت في الحركة الاشتراكية الدولية والتقت جورجي فالنتينوفيتش بليخانوف، وبافيل أكسلرود، وممثلين آخرين بارزين في الحركة الديمقراطية الاجتماعية الروسية، لكن سرعان ما بدأت تختلف معهم.
مع زميلها ليو جوجيتشيس، الذي سيصبح صديقًا مدى الحياة وعاشقًا أحيانًا، تحدت كل من الروس والحزب الاشتراكي البولندي بسبب دعمهم لاستقلال بولندا. وأسست مع زملائها «الحزب الديمقراطي الاجتماعي البولندي المعارض»، الذي سيصبح نواةً للحزب الشيوعي البولندي مستقبلًا. أصبحت القضية الوطنية أحد الموضوعات الرئيسية في حياة لوكسمبورج. من وجهة نظرها كانت القومية والاستقلال القومي تنازلات رجعية أمام العدو الطبقي، البرجوازية. لذا قللت باستمرار من التطلعات القومية وشددت على الاشتراكية الدولية. أصبحت هذه إحدى نقاط خلافها الرئيسية مع فلاديمير لينين ونظريته «حق تقرير المصير القومي».
سنة 1898، بعد زواجها من غوستاف لوبيك حصلت على الجنسية الألمانية، واستقرت في برلين للعمل مع أكبر وأقوى حزب مؤسس للاشتراكية الدولية، وهو «الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني». دخلت في جدل حول تحريف العقيدة الماركسية الذي أدى إلى انقسام الحزب.
سنة 1898، جادل المراجع الألماني إدوارد بيرنشتاين بأن النظرية الماركسية عفا عليها الزمن في الأساس وأن الاشتراكية في الدول الصناعية يمكن تحقيقها على أفضل وجه من طريق نهج تدريجي، باستخدام النشاط النقابي والسياسة البرلمانية، وهو ما نفته لوكسمبورج في مقالها الإصلاح أو الثورة (1899)؛ إذ دافعت عن المنهج المستقيم -الأرثوذوكسي- للماركسية وضرورة الثورة، مجادلةً بأن البرلمان مجرد خدعة برجوازية. واتفق معها كارل كاوتسكي المنظر الرائد للاشتراكية الدولية، ومن ثم أصبحت التحريفية بدعة اشتراكية في ألمانيا وخارجها، مع أنها واصلت الانتشار خاصةً في الحركة العمالية.
كانت الثورة الروسية سنة 1905 نقطةً محورية في حياة لوكسمبورج؛ إذ كانت تعتقد حتى ذلك الحين أن ألمانيا هي البلد الذي من المرجح أن تنشأ فيه الثورة العالمية، فإذا بالثورة تشتعل في روسيا. ذهبت إلى وارسو وشاركت في النضال وسُجنت. من هذه التجارب انبثقت نظريتها عن النشاط الثوري الجماهيري، التي طرحتها في «الإضراب الجماعي، الحزب السياسي، والنقابات العمالية، 1906».
دعت لوكسمبورج إلى الإضراب الجماهيري بوصفه الأداة الأهم للبروليتاريا، الغربية والروسية على حد سواء، لتحقيق النصر الاشتراكي. إن الإضراب الجماهيري، النتيجة البديهية لـلظروف الموضوعية، من شأنه أن يؤدي إلى تغيير فكر العمال جذريًا ودفع الثورة إلى الأمام. على عكس لينين، قللت روزا لوكسمبورج من أهمية الحاجة إلى هيكل حزبي محكم، معتقدةً أن التنظيم سينتج طبيعيًا من النضال. لهذا تعرضت لانتقادات متكررة من الأحزاب الشيوعية الأرثوذكسية.
أُطلق سراحها في وارسو، ودَرست في مدرسة الحزب الديمقراطي الاجتماعي في برلين (1907-1914)، حيث كتبت «تراكم رأس المال، 1913». في هذا التحليل، وصفت الإمبريالية بأنها نتيجة لتوسع الرأسمالية الديناميكية في المناطق المتخلفة من العالم. في نفس الفترة بدأت الدعوة إلى الأنشطة الجماهيرية وانفصلت تمامًا عن قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لأوغست بيبل وكاوتسكي، اللذين اختلفا مع توجهها المستمر نحو التطرف البروليتاري.
دعم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحكومة الألمانية عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، لكن لوكسمبورج انضمت إلى المعارضة على الفور. في تحالف مع كارل ليبكنخت وغيره من الراديكاليين ذوي التفكير المماثل، شكلت «رابطة سبارتاكوس»، التي كُرست لإنهاء الحرب من طريق الثورة وإنشاء حكومة بروليتارية. كان الأساس النظري للمنظمة هو كتيب لوكسمبورج «الأزمة في الاشتراكية الديمقراطية الألمانية، 1916»، الذي كتبته في السجن تحت اسم مستعار هو «جونيس». اتفقت مع لينين في الدعوة إلى الإطاحة بالنظام القائم وتشكيل أممية جديدة قوية بما يكفي لمنع تجدد اندلاع المذابح الجماعية. ومع ذلك، ظل التأثير الفعلي لمجموعة سبارتاكوس خلال الحرب محدودًا.
بعد أن أطلق سراحها من السجن في أثناء الثورة الألمانية (نوفمبر 1918)، بدأت لوكسمبورج مع ليبكنخت الدعوة إلى نظام يساري جديد. ومارسا تأثيرًا كبيرًا على الجمهور وكانا عاملًا مساهمًا في عدد من الاشتباكات المسلحة في برلين. نتيجةً لذلك، شوهت الصحافة البرجوازية سمعة لوكسمبورج وأسموها «روزا الدموية». على غرار البلاشفة، طالب لوكسمبورج وليبكنخت بالسلطة السياسية لسوفيتات العمال والجنود، لكن أحبطتهم المؤسسة الاشتراكية المحافظة والجيش. في أواخر ديسمبر 1918، أصبحا مؤسسَيْن للحزب الشيوعي الألماني، لكن لوكسمبورج حاولت الحد من التأثير البلشفي في المنظمة الجديدة.
وبّخت روزا في مقالها «الثورة الروسية: 1922» حزب لينين لسياسته الزراعية ومواقفه الوطنية لتقرير المصير وأساليبه الديكتاتورية والإرهابية.
ظلت لوكسمبورج مؤمنةً بالديمقراطية على عكس مركزية لينين. ومع ذلك، لم تستطع ممارسة تأثير حاسم في الحزب الجديد. بسبب دورهما في إثارة الانتفاضة الشيوعية المعروفة باسم ثورة سبارتاكوس، أُلقي القبض على روزا وليبكنخت وأُعدما في برلين في 15 يناير 1919 على يد أعضاء فيلق الأحرار «فريكوربس» الألماني، وهو رابطة غير نظامية من الجماعات شبه العسكرية اليمينية.
نُشرت مجموعة كبيرة من مراسلاتها المترجمة بعنوان رسائل روزا لوكسمبورج سنة 2011.
اقرأ أيضًا:
سيرة حياة فولتير.. الفيلسوف الفرنسي الشهير
الفيلسوف السويسري جان جاك روسو
ترجمة: مارينا ماهر
تدقيق: أكرم محيي الدين