يعتقد معظم الناس أن الثقوب السوداء مثل المكانس الكهربائية الضخمة التي تقوم بجذب كل جسم يقترب منها، لكن الثقوب السوداء الفائقة الكتلة، التي تقع بمركز كل مجرة كونية، تُعتبر مُحركات كونية ضخمة، حيث أنها تقوم بتحويل المادة التي تسقط بداخلها إلى طاقة إشعاعية كبيرة جدًا، تفوق جميع الإشعاعات الصادرة عن النجوم المُحيطة بها. فإذا كان الثقب الأسود يقوم بالدوران، فيمكنه إنتاج تيارات انفجارية شديدة، تتحرك لمسافات تتعدى آلاف السنين الضوئية، مسببةً تشكّل مجرّاتٍ كاملة، ويُعتقَد أن المحرّكات تلك في الثقوب السوداء يتم تغذيتها بواسطة حقول مغناطيسية. وللمرة الأولى، تمكن الفلكيون من اكتشاف حقول مغناطيسية خارج أفق الحدث الخاص بالثقب الأسود المركزي لمجرتنا.

يقول « مايكل جونسون » من مركز هارفرد سميثونيان للفيزياء الفلكية (CFA)، في عدد 4 ديسمبر من مجلة «العلم»: ” فهم هذه المجالات المغناطيسية أمر بالغ الأهمية. ولم يستطع أحد التوصل لحقيقة هذه المجالات المغناطيسية بالقرب من أفق الحدث حتى الآن”. ويضيف المدير المساعد في مرصد “كومة القش” الخاص بمعهد MIT « Shep Doeleman » فيقول: “إن هذه الحقول المغناطيسية قد تم التنبؤ بوجودها سابقًا، إلا أن أحدًا لم يستطع إثبات ذلك فعليًا، لكن ما تم التوصل إليه الآن يجعلنا نقف على أرض صلبة ».

وقد تم تحقيق هذا الإنجاز بواسطة شبكة من التليسكوبات المتصلة مع بعضها البعض، مشكلةً تليسكوب عملاق بحجم الأرض يُسمى « تلسكوب أفق الحدث EHT »، وكلما زاد حجم التليسكوبات، زادت دقة المعلومات التي يقوم برصدها وتزويد العلماء بها، فيستطيع تليسكوب «EHT» تزويدنا بمعلومات بدقة رؤية كرة غولف صغيرة على القمر بوضوح.

إننا بحاجة ماسة لتليسكوبات بهذه الدقة العالية، فالثقوب السوداء هي أكثر الأجسام انضغاطًا في الكون، فالثقب الأسود وسط مجرتنا درب التبانة يُطلق عليه « Sagittarius A-star »، يزن حوالي 4 مليون ضعف من حجم شمسنا، ويمتد أفق الحدث خاصته حوالي 14 مليون كيلومترًا فقط، أي أصغر من طول مدار كوكب عطارد، وإن هذا الثقب يبعد عنا 25000 سنة ضوئية تقريبًا. ولحسن الحظ فإن الجاذبية الخاصة بهذا الثقب الأسود تَحني الضوء مما يضخّم حجم أفق الحدث للثقب ويجعله يبدو لنا بصورة أضخم مما هو فعليًا عليه، فيتمدد في مساحة يستطيع فيها التليسكوب «EHT» رصده بسهولة.

وقام «EHT» بمراقبة بيانات الضوء بطول موجات قدره 1.3 ماكرومترًا، وبالتالي استطاع العلماء قياس القطبية الخطية لذلك الضوء. وعلى الأرض، فإن ضوء الشمس الوارد إلينا يتم استقطابه خطيًا بفعل الإنعاكسات، لذلك تُصنع النظارات الشمسية لحجب الضوء وتقليل وهجه، وفي حالة « Sagittarius A-star » يُستقطب الضوء خطيًا بواسطة الألكترونات التي تتواجد في المجال المغناطيسي للثقب، ولذلك يتبع الضوء بنية الحقل المغناطيسي.

يُحاط « Sagittarius A-star » بقرص متعاظم من المواد التي تدور حوله، وقد أظهرت أبحاث الفريق أن المجالات المغناطيسية حول الثقوب السوداء غير منتظمة في بعض الأجزاء، فتحدث بعض التشوهات بما يشبه (المعكرونة السباغيتي)، في حين أنه وفي مناطق أخرى من الثقب، كانت المجالات المغناطيسية منتظمة أكثر، وهي المناطق التي يُحتَمَل أنها مصدر تولّد النفاثات المنبثقة التي تصدر عن الثقب الأسود.

ويقول « Johnson »: “إن مركز المجرة يثبت مرة أخرى بأنه أكثر دينامكية ونشاطًا عما كان مُتَوقع، فهذه المجالات المغناطيسية تنتشر وتتراقص في كل مكان حول الثقب الأسود”. وهذه الملاحظات تم التوصل اليها بواسطة تليسكوبات في 3 مناطق جغرافية مختلفة، أولًا بواسطة تليسكوب ماكسويل في هاوي، ثانيًا بواسطة تليسكوب على جبل غراهام في ولاية أريزونا، وتليسكوب (CARMA) في ولاية كاليفورنيا.

وبنشر أطباق راديوية (مراصد راديوية) أكثر لتليسكوب «EHT» حول العالم، فسوف نستطيع جمع قدر أكبر من البيانات، ولربما نستطيع تصوير أفق الحدث لأول مرة، ويصرّح « Shep Doeleman » بأن: “الطريقة الوحيدة لبناء تليسكوب ضخم بحيث نحول الأرض إلى تلسكوب ضخم، هي بتجميع فريق كبير جدًا من العلماء الدوليين ليعملون معًا، ومع تلك النتائج، سيكون فريق «EHT» أقرب إلى حل مفارقة مركزية في علم الفلك: لماذا الثقوب السوداء ساطعة جدًا بهذا الشكل؟”.


 

المصدر