تؤثر تغيرات أسعار الفائدة في العديد من الخدمات المالية كالسندات والقروض المصرفية، وليست الصناديق الاستثمارية استثناءً، لذلك، يعد فهم أساسيات أسعار الفائدة وكيفية تأثيرها على المحفظة الاستثمارية خطوة مهمة لضمان اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة واختيار المنتجات التي ستستمر بتحقيق عوائد مالية جيدة لسنوات قادمة.
الأساسيات
يستعمل مصطلح أسعار الفائدة للإشارة إلى نسبة يحددها الاحتياطي الفيدرالي أو المصرف المركزي في أي دولة، وتسمى في الولايات المتحدة «نسبة الفائدة الفيدرالية« أو «نسبة الفائدة الوطنية»، وهي سعر الفائدة المتعارف عليه بين المصارف مقابل الدين قصير الأمد للغاية، الذي يمتد في معظم الأحيان حتى صباح اليوم التالي لا أكثر.
يلزم القانون المصارف بحد أدنى من رأس المال الاحتياطي متناسبًا مع المبلغ الذي أقرضه المصرف مع نهاية كل يوم، فإذا كان لدى أحد المصارف فائض في الأموال فيمكنه إقراض مصرف آخر لم يحقق الحد الأدنى المطلوب، وبهذه الطريقة يتمكن المصرفان من إيفاء النسب اليومية المطلوبة لحصص رأس المال، ويحدد سعر الفائدة الفيدرالي مقدار الفائدة التي سيجبيها المصرف المقرض من المصرف المقترض مقابل خدمة اقتراض السيولة هذه.
يعد سعر الفائدة المذكور الضريبة الرسمية لجميع أنواع رسوم الفائدة الأخرى، فتؤثر مثلًا التغييرات في النسبة الفيدرالية مباشرةً في نسبة الخصم -التي تستطيع المصارف أن تقترض بها من الاحتياطي الفيدرالي بشكل مباشر- وفي سعر الفائدة الأساسي الذي تجبيه المصارف من المقترضين الذين تعتبرهم جديرين بالثقة.
لا ينتهي تأثير أسعار الفائدة المتغيرة عند الشؤون المالية الداخلية للمصرف، فلتعويض تأثير هذه التغييرات تمرر المصارف التكاليف إلى المقترضين على شكل أسعار الرهن العقاري، وأسعار القرض، وأسعار فائدة البطاقات الائتمانية. ومع أن هذا غير ضروري قد ترفع المصارف أسعار الاقتراض والائتمان إذا ما ارتفعت نسبة الفائدة الفيدرالية وتنخفض تكاليف اقتراض المال عمومًا إذا انخفضت النسبة.
لماذا تتغير أسعار الفائدة؟
يرفع الاحتياطي الفيدرالي النسبة ويخفضها بوصفها وسيلة للتحكم بالتضخم المالي مع السماح للاقتصاد بالنمو والازدهار. فإذا كانت النسبة أقل من اللازم سيصبح اقتراض المال رخيصًا ما يؤدي إلى تدفقٍ سريعٍ للأموال إلى السوق، ما يؤدي بدوره إلى إرتفاع الأسعار، تعرف هذه الظاهرة بالتضخم المالي، وهي السبب الرئيسي لارتفاع سعر تذكرة السينما ليصبح 15 دولارًا رغم أنه كان لا يتعدى 10 دولارات قبل بضعة سنوات.
وفي المقابل، إذا كانت النسبة أعلى من المطلوب يصبح اقتراض المال مكلفًا للغاية، وسيعاني الاقتصاد مع عدم قدرة المصالح التجارية على تحمل نفقات النمو والتوسع، ولن يقدر الأفراد على تحمل قروض الرهن العقاري أو قروض السيارات.
تأثير سعر الفائدة على سندات الدين
تعد السندات أوضح مثال في القطاع الاستثماري على تأثير التغيرات في سعر الفائدة على عائدات الاستثمار، والسندات ببساطة صكوك دين تصدرها الحكومات والبلديات والشركات لتوفير السيولة النقدية، وعندما يشتري المستثمر السندات فهو يقرض المال للجهة التي أصدرت السند مقابل وعدها بالسداد لاحقًا مع ضمانها دفع فائدةٍ سنوية. وكما في دفع مقترض الرهن العقاري فائدة شهرية لتعويض خطر التخلف عن السداد، يتلقى حاملو السندات دفعات فائدة سنوية ممتدة على مدار مدة السند تسمى دفعات الكوبونات.
وكما في الأنواع الأخرى من الديون -كالقروض وبطاقات الائتمان- تؤثر التغيرات في سعر الفائدة في أسعار الفائدة للسندات مباشرةً، فعندما ترتفع أسعار الفائدة تنخفض قيمة السندات الصادرة سابقًا بسعر فائدة أقل، وذلك لأن المستثمر الذي يخطط لشراء سند لن يشتري سنداتٍ مع دفعة كوبون 4% إذا كان بإمكانه شراء سندات بربح 7% بنفس السعر، ولتشجيع المستثمرين على شراء سندات قديمة ذات نسب فائدة أقل تنخفض أسعارها بوضوح. وفي المقابل، عندما تنخفض نسبة الفائدة ترتفع قيمة السندات الصادرة حسب السعر السابق لأنها ستعود بدفعة كوبون أعلى من السندات الجديدة.
وينعكس هذا التأثير في أنواع أخرى من سندات الدين، مثل أوراق التعهد بالدفع والفواتير والأوراق التجارية الصادرة عن الشركات. وباختصار، عندما تتغير تكلفة الاقتراض بين البنوك تتسبب في سلسلة أحداث تؤثر على جميع أشكال الاقتراض الأخرى في الاقتصاد.
تأثير أسعار الفائدة على صناديق السندات الاستثمارية
عندما يتعلق الأمر بالصناديق الاستثمارية قد تصبح الأمور معقدة قليلًا نظرًا لتنوعها، لكن تأثير تقلبات أسعار الفائدة في صناديق السندات واضح نسبيًا، فعمومًا ترتفع عائدات هذه الصناديق مع انخفاض نسبة الفائدة لأن سندات الضمان التي يملكها الصندوق تحمل على الأرجح نسبة كوبون أعلى من نسب السندات الصادرة حديثًا. أما إذا رفع الاحتياطي الفيدرالي نسبة الفائدة ستعاني صناديق السندات انخفاض قيمة سنداتها بسبب صدور أخرى جديدة مع نسب كوبون أعلى.
ويمكن القول أن هذه القاعدة صحيحة على المدى القصير على الأقل، فتتحدد قيمة الصناديق الاستثمارية حسب صافي قيمة أصول الصندوق، وهي القيمة السوقية لكامل محفظتها الاستثمارية -ومن ضمنها كل الفوائد والأرباح المكتسبة- مقسومة على عدد الأسهم التي يملكها المستثمرون.
ولأن صافي قيمة الأصول يعتمد جزئيًا على القيمة السوقية لأصول الصندوق، فقد يؤثر ارتفاع أسعار الفائدة بشدة على صافي قيمة الأصول لصندوق يحمل سندات مع نسبة كوبون أقل، وإذا انخفضت نسبة الفائدة وبدأ بيع السندات الأقدم بقيمة أعلى من قيمتها الأصلية قد يؤدي هذا لارتفاع كبير لصافي القيمة.
وعليه تحمل تقلبات أسعار الفائدة نتائج كارثية أو مبهجة للغاية بالنسبة لمستثمرين ذوي استثمارات قصيرة الأمد في الصناديق الاستثمارية.
ومع ذلك، يرتبط مصير السهم بمقدار تأثير تغيرات نسبة الفائدة على قيمته، فعند اقتراب موعد استحقاق السندات -في سنة مثلًا- تصبح أقل عرضة لتغير قيمتها ارتفاعًا أو هبوطًا، وينبع هذا الثبات النسبي في القيمة من التزام الهيئة المصدرة للسندات بدفع كامل قيمة السند المتفق عليها عند إصداره لمالكه الحالي، وعند اقتراب موعد الاستحقاق تتوافق قيمة السند السوقية مع القيمة الأصلية، بينما تؤثر تغيرات النسبة كثيرًا في السندات التي يبعد موعد استحقاقها سنوات عديدة.
بسبب استقرار الدين قصير الأمد، فإن صناديق أسواق المال أو غيرها من صناديق الاستثمار التي تستثمر في سندات موثوقة قصيرة الأمد تصدرها حكومات أو شركات رفيعة المستوى أقل عرضة للتضرر من تقلبات نسبة الفائدة. وبالمثل، من يستثمر ويحتفظ بالسندات لفترات أطول آملًا ارتفاع قيمتها سيضطر للعيش تحت رحمة تقلبات النسبة المستمرة بينما تتوافق قيمة السندات السوقية مع القيمة الأصلية بمرور الوقت. إضافة إلى ذلك، بوسع صناديق السندات شراء سندات جديدة مع نسبة فائدة أعلى عندما يقترب موعد استحقاق السندات القديمة.
هل ارتفاع أسعار الفائدة يجعل الاستثمار أقل جاذبية؟
تأثير تقلبات نسبة الفائدة على أرباح صناديق السندات الاستثمارية واضح. ومع ذلك، قد يجعل ارتفاع أسعار الفائدة الصناديق الاستثمارية خاصةً والاستثمار عامةً أقل جاذبية، ولأن تكلفة الاقتراض ترتفع مع ارتفاع أسعار الفائدة، تنخفض قدرة الأفراد والمصالح التجارية على الاستثمار، ما يضطر الصناديق الاستثمارية للتعامل مع رأس مال أقل، ما يُصعّب عليها جني الفوائد الضرورية لاستمرارها. علاوة على ذلك، تميل قيمة الأسهم في السوق إلى الانخفاض مع تزايد أسعار الفائدة، ما يؤذي المستثمرين في الأسهم المستقلة وصناديق الأسهم الاستثمارية على حد سواء.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: حسن قدح
تدقيق: محمد حسان عجك