كان فلاديمير لينين (1879-1924) ثوريًا روسيًا شيوعيًا ورئيس الحزب البلشفي الذي قام ليتولى زمام السلطة خلال الثورة الروسية سنة 1917، أحد أكثر الأحداث السياسية تفجرًا في القرن العشرين. شكلت الثورة الدموية نهاية حقبة سلالة رومانوف الحاكمة وقرونًا من الحكم الإمبراطوري لروسيا. تحول البلاشفة لاحقًا إلى الحزب الشيوعي، وأصبح لينين قائدًا للاتحاد السوفييتي، أول دولة شيوعية في العالم.
من هو فلاديمير لينين ؟
وُلِد فلاديمير إيليتش أوليانوف سنة 1870 في أسرة من الطبقة المتوسطة في أوليانوفسك في روسيا. أبوه إيليا أوليانوف وأمه ماريا ألكسندروفنا أوليانوفا، وقد كان الثالث بين ستة أشقاء في عائلة متعلمة. فيما بعد، سيواصل تعليمه ليصبح الأول في صفه في المدرسة الثانوية. لكن خلفية العائلية الثقافية جعلت الحكومة تستهدفها، إذ هدد مسؤولون متحفظون من دائرة التعليم العام والده -الذي كان مشرفًا على المدارس- بالتقاعد المبكر.
عندما كان مراهقًا، تحول لينين ليصبح متطرفًا سياسيًا، بعد إعدام أخيه الأكبر سنة 1887 بتهمة التآمر لاغتيال القيصر ألكسندر الثالث. ولاحقًا في السنة نفسها، طُرِد لينين البالغ من العمر 17 عامًا من جامعة كازان الإمبراطورية حيث كان يدرس الحقوق، وذلك لمشاركته في احتجاج طلابي غير مصرح به. وبعد طرده، تعمق لينين في قراءة الأدب السياسي المتطرف إلى جانب كتابات الفيلسوف الألماني الاشتراكي كارل ماركس، مؤلف كتاب (رأس المال).
سنة 1889 اعتنق لينين الماركسية، وأنهى لاحقًا دراسته الجامعية. مارس لينين مهنة المحاماة فترةً وجيزة في سان بطرسبرغ في تسعينيات القرن التاسع عشر. لكنه سرعان ما اعتُقل لانخراطه في أنشطة ماركسية ونُفِي إلى سيبيريا، ورافقته خطيبته وزوجته المستقبلية ناديجادا كروبسكايا. وتزوجا في 22 يوليو 1889.
انتقل لينين لاحقًا إلى ألمانيا ثم إلى سويسرا، واتخذ اسمًا مستعارًا هو لينين، وأسس الحزب البلشفي.
روسيا في الحرب العالمية الأولى
دخلت روسيا الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914 لتدعم الصرب وحلفاءهم الفرنسيين والبريطانيين. لم تكن روسيا الإمبراطورية ندًّا عسكريًا لألمانيا المتقدمة صناعيًا، وكانت مساهمتها في الحرب كارثيةً، إذ تكبدت خسائر أكبر من أي دولة أخرى، وسرعان ما اكتسح نقص الطعام والوقود ذلك البلد الشاسع.
تحمس لينين لهزيمة روسيا في الحرب العالمية الأولى، لأن ذلك سيُسرع قيام الثورة التي تمناها. وخلال تلك الفترة، كتب لينين كتابه (الإمبريالية: أعلى درجات الرأسمالية) ونشره سنة 1916، وناقش فيه أن الحرب هي نتيجة طبيعة للرأسمالية العالمية.
رتب الألمان عودة لينين وثوريين آخرين كانوا يعيشون في المنفى في أوروبا إلى روسيا، آملين أن تزعزع عودتهم استقرار خصومهم الروس. كتب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل عن ذلك قائلًا: «انقلب الألمان على روسيا مستخدمين في ذلك أكثر الأسلحة رعبًا. لقد نقلوا لينين في شاحنة مغلقة كأنه آفة الطاعون».
الثورة الروسية
عندما عاد لينين إلى روسيا في أبريل 1917، كانت الثورة قد بدأت بالفعل، إذ أجبرت الإضرابات بسب نقص الطعام القيصر الضعيف نيقولا الثاني على النزول عن العرش، منهيةً بذلك قرونًا من الحكم الإمبراطوري.
أصبحت روسيا تحت قيادة حكومة انتقالية عارضت الإصلاح الاجتماعي العنيف، واستمرت في المشاركة في الحرب العالمية الأولى.
بدأ لينين يخطط للإطاحة بالحكومة الانتقالية، إذ كانت تمثل في نظره (برجوازية مستبدة). ورأى أن الصواب أن يتولى العمال والفلاحون الحكم بأنفسهم، فيما يُسمى (ديكتاتورية البروليتاريا).
وبحلول خريف 1917 كانت الحرب قد أنهكت الروس، إذ طالب الفلاحون والعمال والجنود بتغيير مباشر. وهو ما يُعرَف بثورة أكتوبر.
قرر فلاديمير لينين -مدركًا لفراغ موقع القائد- أن يستولي على السلطة. فشكل تنظيما سريًا من عمال المصانع والفلاحين والجنود والبحارة عُرف بالحرس الأحمر، وهو قوة تطوعية شبه عسكرية. وفي نوفمبر 1917 استولى الحرس الأحمر على منشآت الحكومة دون سقوط ضحايا.
سيطر البلاشفة على الحكومة، ثم أعلنوا قيام الحكم السوفييتي، جاعلين لينين قائدًا لأول بلد شيوعي في العالم. أنهت الحكومة الروسية الجديدة مشاركة روسيا في الحرب العالمية الأولى وذلك بتوقيع معاهدة بريست ليتوفسك.
حرب الشيوعية
أدت الثورة البلشفية إلى حرب أهلية استمرت 3 سنوات، إذ قاتل الجيش الأحمر-المدعوم من حزب لينين الشيوعي الروسي المشكل حديثًا- الجيش الأبيض، وهو تحالف غير منظم يجمع الملكيين والرأسماليين وداعمي الاشتراكية الديمقراطية.
في أثناء ذلك، سن لينين سلسةً من السياسات الاقتصادية سماها (حرب الشيوعية)، وكانت إجراءات مؤقتة لتساعده على توطيد سلطته وهزيمة الجيش الأبيض. تضمنت قرارات لينين تأميم جميع الصناعات في أنحاء البلاد كافة، ومصادرة الحبوب الفائضة من الفلاحين لإطعام الجيش.
كانت هذه الإجراءات كارثية، إذ انهارت الزراعة والصناعة. ولقى 5 ملايين روسي مصرعهم جراء المجاعة سنة 1921، وبلغت مستويات العيش حافة الفقر المدقع.
هدد شغب جماعي الحكومة. ونتيجةً لذلك بدأ لينين سياسته الاقتصادية الجديدة، التي تضمنت التراجع مؤقتًا عن التأميم الكامل. خلقت السياسات الجديدة نظامًا اقتصاديًا يتضمن سوقًا حرة ورأسمالية خاضعة لسيطرة الدولة.
شيكا
أنشأ لينين (شيكا)، أول جهاز شرطة سري في روسيا بعد فترة قصيرة من الثورة البلشفية.
وفي حين تدهور الاقتصاد خلال الحرب الأهلية الروسية، استخدم لينين (شيكا) لإسكات المعارضة، سواء كانت من مؤيديه أو معارضيه ضمن حزبه السياسي الخاص.
لكن لم تمر هذه الإجراءات بسلام، إذ أطلق فانيا كابلان -عضو في حزب اشتراكي منافس- النار على لينين وأصابه في عنقه وكتفه عند مغادرته مصنعًا في موسكو في أغسطس 1918.
الإرهاب الأحمر
بدأت شيكا بعد محاولة الاغتيال فترةً عُرِفَت بالإرهاب الأحمر، وهي حملة إعدامات جماعية لداعمي النظام القيصري، وطبقات روسيا الأرستقراطية والاشتراكيين غير المخلصين لحزب لينين الشيوعي. وفقًا لأحد التقديرات، أعدمت (شيكا) زهاء مئة ألف ممن أسموهم (الأعداء الطبقيين) شهري سبتمبر وأكتوبر عام 1918.
تأسيس الاتحاد السوفييتي
انتصر جيش لينين الأحمر أخيرًا في الحرب الأهلية الروسية. وشهد عام 1922 توقيع معاهدة بين روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا ودول القوقاز (جورجيا وأرمينيا وأذربيجان حاليًا) تأسس بموجبها اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية .(USSR)
أصبح لينين أول رئيس لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية، لكن خلال تلك الفترة كانت صحته تتدهور، فقد عانى لينين منذ عام 1922 حتى وفاته عام 1924 عدة سكتات دماغية أضعفت قدرته على الكلام ناهيك بالحكم.
مهد غياب لينين الطريق لجوزيف ستالين -الأمين العام الجديد للحزب الشيوعي- ليبدأ ترسيخ سلطته. استاء لينين من تعاظم نفوذ ستالين ورأى فيه تهديدًا لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية.
في أثناء تعافيه من سكتة دماغية أواخر 1922 وأوائل 1923، كتب لينين عدة مقالات (تنبؤية) عن فساد السلطة في الحزب الشيوعي. اقترحت الوثائق -التي يُشار إليها أحيانًا باسم (شهادة لينين)- تغييرات على النظام السياسي السوفييتي، وأوصت بإقالة ستالين من منصبه.
وفاة فلاديمير لينين وقبره
توفي لينين في 21 يناير 1924 في مدينة غوركي لينينسكي قرب موسكو، عن عمر 53 عامًا.
حاز ستالين بذلك السلطة كاملةً، وظهر ذلك خلال التطهير العظيم (1936-1938، المعروف أيضًا بالإرهاب العظيم، وهو حملة سياسية قادها ستالين للقضاء على المنشقين عن الحزب الشيوعي وأي شخص أخر يُمثل تهديدًا. وفقًا لتقديرات بعض الخبراء، يُعتقَد أن 750 ألف شخص قد أُعدَموا في تلك الفترة).
تحدى قرابة المليون شخص الشتاء الروسي البارد ليقفوا في الطابور ساعات لتحية جثمان لينين الذي كان يرقد في دار اتحاد النقابات العمالية في موسكو.
نُقِلَ جثمان فلاديمير لينين من ضريحه في الساحة الحمراء في موسكو إلى مدينة تيومين البعيدة لإبقائه آمنًا خلال الحرب العالمية الثانية. ولا تزال جثته المحنطة معروضةً في مدفن لينين في الساحة الحمراء.
اقرأ أيضًا:
نيقولا الثاني.. آخر قياصرة روسيا
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: رزوق النجار
مراجعة: أكرم محيي الدين