سأفقد وعيي اليوم عدة ساعات من أجل الراحة والتجدد. من المرجح أن يحدث ذلك لك أيضًا، ومع أن النوم شائع جدًّا، لا نعلم إلا القليل عن الأجزاء الدماغية المسؤولة عن اليقظة.

بفضل تجربة أُجريت حديثًا حول تنشيط أدمغة المكاك macaques المخدَّرة، أصبحت لدينا فكرة أوضح عن البُنى العصبية التي قد تكون مسؤولة أساسًا عن إيقاظنا كل يوم.

لم تساعدنا هذه النتائج على فهم أفضل لعملية التخدير فحسب، بل قد تعني أيضًا إمكانية وجود سبيل للخروج من الغيبوبة، عند المرضى العالقين في حالات نوم أو غيبوبة بسبب مرض أو إصابة ما.

مع أننا نستطيع استخدام تقنيات مسح الدماغ لمراقبة تنشيط مناطق مختلفة من الدماغ عند فقدان المريض لوعيه، يصعب جدًّا تحديد كيف تشكل منطقة بعينها استجابةً محددة.

زودت بعض الدراسات حول النوم والغيبوبة الباحثين بفكرة جيدة عن أنواع البنى الدماغية المشاركة، مثل جذع الدماغ والقشرة أمام الجبهية، ومن الجدير بالذكر أن عدة أجزاء مختلفة من جهازنا العصبي تتكامل لتشكل حالة اليقظة لدينا.

لاحظ باحثون من جامعة ويسكونسن أن جزءًا ضئيلًا من أنسجة المهاد الجانبي المركزي central lateral thalamus الموجود في عمق الدماغ الأمامي، يلعب دورًا مهمًّا في إدارة وظائفنا العصبية.

إيقاظ سعدان من التخدير بتحفيز المناطق الدماغية المرتبطة بالوعي - الأجزاء الدماغية المسؤولة عن اليقظة - تنشيط مناطق مختلفة من الدماغ عند فقدان المريض لوعيه

وبناءً على الروابط المتصلة بهذا الجزء، يبدو أن له تأثيرًا جوهريًّا في كيفية مرور الإشارات العصبية من مناطق الوظائف العليا -كالتفكير- مثل القشرة المخية، والبنى العميقة كالمهاد، وهي مناطق ذات دور معروف في اليقظة.

يركز العلماء عادةً على أجزاء معزولة نسبيًّا من الدماغ، لمعرفة مدى صلتها بمهام معينة.

لكن في هذه الحالة، اهتم الفريق بالطريقة الدقيقة التي يتواصل بها هذا النسيج الدماغي العصبي الضئيل مع سائر المناطق في أثناء حالات النشاط المختلفة، ما تطلب مقاربةً أشمل.

صرح عالم الأعصاب في جامعة ويسكونسن يوري سالمان: «قررنا الابتعاد عن المقاربة التقليدية، المتمثلة في تسجيل نشاط كل منطقة على حدة، وسجلنا نشاطات عدة مناطق من الدماغ في نفس الوقت، لفهم كيفية عمل الشبكة العصبية كاملةً».

وللتغلب على صعوبة استخدام البشر في هذا الاختبار، استخدم الباحثون سعدان المكاك في نموذجهم، إذ صوروا البنى الدماغية للسعادين، ثم استخدموا أقطابًا كهربية خاصة، لمراقبة نشاط الأدمغة في اثناء فترات الاستيقاظ والنوم، وتحت تأثير مخدر قوي.

أكدت التغيرات الحاصلة في النشاط الكهربي الشكوك حول دور المهاد الجانبي المركزي في المحافظة على اليقظة، على الأقل عند المكاك. لكن إثبات أن جزءًا من الدماغ مسؤول عن نشاط كهربي معين هو أمر أصعب من اكتشاف النشاط نفسه.

لذلك استخدم الفريق أقطابًا خاصة لتحفيز الحزمة العصبية الصغيرة بدقة كبيرة، في أدمغة السعادين المُخدَّرة بجرعة من الكيتامين Ketamine.

وأضاف سالمان: «وجدنا أنه عند تحفيز هذه المنطقة الصغيرة من الدماغ، استيقظت الحيوانات واستعادت كل النشاطات العصبية الطبيعية التي تحدث في مرحلة اليقظة، وتصرفت كما لو كانت واعية».

من المثير للدهشة أنه عند توقف التحفيز تعود السعادين إلى النوم خلال ثوان، كما لو أن المهاد الجانبي المركزي يعمل مفتاحًا لليقظة، أي أن تنشيطه يوجه النشاط العصبي محدثًا حالة اليقظة، ويعيدها هدوءه إلى السبات.

لكن ذلك لا يجيب عن الأسئلة المتعلقة بماهية الوعي على المستوى الفلسفي، إضافةً إلى أن بناء استنتاجات متعلقة بنا نحن البشر استنادًا إلى نماذج غير بشرية يمثل معضلةً صعبة الحل.

توجد أيضًا بعض المخاوف المحتمَلة حول أسلوب الدراسة، إذ تثير تساؤلات ليس فقط حول تحديد الوعي ووصفه، بل حول تمييزه عن حالات النشاط الأخرى أيضًا.

يرى ستيوارت هامروف، طبيب التخدير ومدير مركز دراسات الوعي في جامعة أريزونا، أن اليقظة المُلاحَظة لدى السعادين لا تماثل بالضرورة حالة الوعي.

وفيما يتعلق بكون السعادين واعية حقًّا، أم مرت ببساطة بحالة حركة ضمن اللاوعي، اعترض هامروف على أنها كانت مخدرة، وأوضح قائلًا: «مع أن تحفيز المهاد كهربيًّا أعاد الوعي للسعادين المخدرة، لكن تركيز المخدر -المُفترض أنه انعكس- يحدث ببطء شديد».

بالتأكيد لن تشكل دراسة وحيدة القول الفصل حول كيفية تنظيم الجهاز العصبي لحالة اليقظة، ومن الواضح أن النقاش حول أهمية الأنسجة العصبية المفردة، فيما يتعلق بالشبكات المعقدة، لم يُحسم بعد.

ومع عدم معرفتنا كيف يفقدنا التخدير وعينا (وهذا غريب لأنه يحدث طوال الوقت)، ستساعدنا الأبحاث على معرفة تأثير الحزم العصبية الصغيرة في بعضها في أثناء فقدان الوعي واستعادته.

أيضًا ستمثل هذه الدراسات أملًا في وجود علاج لأدمغة الأشخاص العالقة في حالة من اليقظة الدائمة.

أشارت دراسة سابقة إلى أن تنشيط المهاد قد يساعد بعض مرضى الغيبوبة على استعادة وعيهم، ففي عام 2007، ساعدت تحفيزات الدماغ مريضًا بقي في أدنى درجات الوعي مدة 6 سنوات بعد تعرضه لحادث سبب أذى دماغي، على استعادة بطيئة لوظائفه الحركية، والقدرة على التحكم ببعض الوظائف الجسدية، مع تطور ضئيل في القدرة على الكلام.

وقالت عالمة النفس في جامعة ويسكونسن ميشيل ريدنباه: «توجد عدة نتائج مثيرة للاهتمام لهذه الدراسة، فقد نستطيع استخدام هذا النوع من الأقطاب المنشطة للمناطق العميقة في الدماغ لإخراج المرضى من الغيبوبة، وقد تكون نتائجنا مفيدة أيضًا في تطوير طرق جديدة لمراقبة المرضى تحت التخدير السريري، للتأكد من غيابهم عن الوعي بأمان».

اقرأ أيضًا:

الاستيقاظ أمر يصعب القيام به: دور القشرة أمام الجبهية في الوعي

علماء يكشِفون ماهيّة النشاط الدماغي في حالة فقدان الوعي

ترجمة: أنس بيرام بك داغستاني

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر