قد تكون مغادرة المنزل سببًا للهلع لدى بعض الأشخاص، يشير مصطلح رهاب الميادين Agoraphobia -الذي تعني ترجمته حرفيًّا من اللاتينية: الخوف من السوق- إلى الخوف من أي مكان قد يصعب الهرب منه، كالمساحات الواسعة المفتوحة أو الأماكن المزدحمة، إضافةً إلى وسائل المواصلات، ويتجنب الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب العديد من المواقف كالوجود بمفردهم خارج المنزل، أو التنقل والسفر بواسطة سيارة أو باص أو طائرة، أو الوجود في أماكن مزدحمة، أو الوجود في أماكن مغلقة كصالات السينما أو المتاجر، أو الوجود فوق الجسور أو في المصاعد.

يهاب المصابون برهاب الميادين هذه المواقف لأن أفكارهم فيها تتركز على صعوبة الهرب حال حدوث أي طارئ، أو أن المساعدة قد لا تتوفر إذا أصابتهم نوبات هلع أو أي أعراض محرجة أخرى، فهم يشعرون بانزعاج كبير وتوتر، وقد يتطلب الأمر مرافقة شخص آخر لهم في هذه الحالات.

يتوقف تشخيص هذا الرهاب على وجود خوف أو قلق غير متناسب مع الخطر الذي يمثله الموقف، ويدوم هذا الضيق عادةً 6 أشهر على الأقل، وفي الحالات الشديدة يعجز المصابون تمامًا عن مغادرة منازلهم، ويدركون أن خوفهم غير منطقي لكنهم عاجزون عن القيام بأي شيء حياله.

تُقدَّر أعداد المصابين بهذا الاضطراب بنسبة 1.7% تقريبًا من اليافعين والبالغين، 40% منها حالات شديدة، وتبلغ نسبة إصابة النساء ضعف الرجال، يبدأ ظهور الأعراض عادةً في نهاية سن المراهقة أو بداية سن الرشد، ومع ذلك قد تظهر الأعراض في مرحلة الطفولة أيضًا.

تتغير الأفكار التي تسبب الخوف بتغير العمر، فيخشى الأطفال أن يضلّوا، ويخشى البالغون ظهور أعراض تشبه نوبات الهلع، ويخشى كبار السن السقوط. ويترافق رهاب الميادين مع اضطرابات أخرى، مثل اضطراب الهلع أو أنواع أخرى محددة من الرهاب، والاضطراب الاكتئابي.

رهاب الميادين (رهاب الأماكن المفتوحة) - الخوف من أي مكان قد يصعب الهرب منه، كالمساحات الواسعة المفتوحة أو الأماكن المزدحمة، إضافةً إلى وسائل المواصلات

تتكرر النوبات في اضطراب الهلع، فيصاب الشخص بالخوف الشديد من تكرر النوبات، ويبقى هذا الهاجس -ويُسمى القلق الترقبي أو القلق من الخوف- حاضرًا معظم الأوقات، حتى في غياب نوبات الهلع، ما قد يؤثر جديًّا في حياة المصاب، ويُظهر أكثر المصابين باضطرابات الهلع أعراض رهاب الميادين والقلق قبل أن تتطور إصابتهم باضطراب الهلع.

يقيد المصابون برهاب الميادين أنفسهم عادةً بمنطقة آمنة، تشمل منازلهم فقط أو الحي القريب، وأي تنقلات تتجاوز هذه المنطقة الآمنة تسبب هلعًا متزايدًا.

تعيق الإصابة برهاب الميادين الحياة كثيرًا، فيعجز المصابون بها عن العمل، وقد يعتمدون كثيرًا على العائلة في الأعمال المنزلية والتسوق عوضًا عنهم، ومرافقتهم في الجولات النادرة خارج منطقتهم الآمنة.

أعراض رهاب الميادين

وفق الدليل التشخيصي الإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية DSM-5، تتضمن أعراض رهاب الميادين:

 الخوف أو الهلع من:

  • الوجود وحيدًا خارج المنزل.
  •  استخدام المواصلات العامة.
  •  الوجود في أماكن مغلقة (المتاجر وصالات السينما).
  •  الوقوف في الطوابير أو في الأماكن المزدحمة.
  •  الوجود في الأماكن المفتوحة (الأسواق أو مواقف السيارات).
  •  الوجود في أماكن قد يصعب الهرب منها.
  •  تجنب جميع المواقف التي قد تسبب الخوف أو الهلع.
  • ملازمة المنزل فترات طويلة.
  •  الشعور بالانعزال أو الاغتراب عن الآخرين.
  •  الشعور بالعجز.
  •  الاعتماد على الآخرين.
  •  القلق أو نوبات الهلع (القلق الشديد الحاد).

يتزامن رهاب الميادين غالبًا مع نوبات الهلع، وهي سلسلة من الأعراض التي تظهر لدى المصابين بالقلق أو الاضطرابات النفسية الأخرى، وتتضمن طيفًا واسعًا من أعراض جسدية شديدة، مثل:

  •  آلام صدرية.
  •  تسارع في القلب.
  •  ضيق في التنفس.
  •  دوار.
  •  ارتعاش.
  •  اختناق.
  •  تعرّق.
  •  هبّات حرارية.
  •  قشعريرة.
  •  غثيان.
  •  إسهال.
  •  خَدَر.
  •  شعور بالوخز.

قد يتعرض المصابون برهاب الميادين لنوبات هلع عندما يمرون بمواقف موترة أو غير مريحة، ما يزيد خوفهم من التعرض لهذ المواقف. وقد تُشخص الإصابة برهاب الميادين عندما لا تقدم أي حالات صحية أو اضطرابات نفسية أخرى تفسيرًا منطقيًّا للأعراض الظاهرة. ومن الشائع أيضًا أن يفرط المصابون برهاب الميادين في شرب الكحول أو تناول المهدئات للتكيف مع حالتهم.

أسباب رهاب الميادين

مع أن أسباب أكثر اضطرابات القلق ليست واضحة، لكن زاد التركيز على معرفتها في العقد الماضي، وتتعلق إمكانية الإصابة بهذه الاضطرابات بالعديد من التجارب الحياتية والصفات النفسية والعوامل الوراثية. قد ينتقل رهاب الميادين وراثيًّا بنسبة 61%، ما يجعله الرهاب الأشد ميلًا للتوريث، وتزيد عدة عوامل احتمال الإصابة برهاب الميادين، مثل:

  •  الاكتئاب.
  •  أنماط الرهاب الأخرى، كرهاب الأماكن المغلقة أو الرهاب الاجتماعي.
  •  اضطرابات القلق الأخرى، مثل اضطراب القلق العام أو اضطراب الوسواس القهري.
  •  التعرض السابق للاعتداء الجسدي أو الجنسي.
  •  مشاكل إدمان المخدرات.
  •  تاريخ مرضي عائلي لرهاب الميادين.

يرتبط نشوء هذا الرهاب ارتباطًا وثيقًا بالعوامل البيئية، كالتعرض لأحداث حياتية مرهقة، مثل موت أحد الوالدين، أو التعرض للهجوم أو السرقة، أو النشأة في بيئة عديمة الحنان أو مفرطة الحماية.

التشخيص

يُشخص رهاب الميادين بناءً على الأعراض والعلامات، إذ يُسأل المصاب عادةً عن الأعراض وبداية ظهورها وتكررها، ويُسأل أيضًا عن التاريخ المرضي والعائلي، وتُجرى تحاليل دموية لاستبعاد وجود أسباب جسدية للأعراض.

لتشخيص الإصابة برهاب الميادين يجب أن تتوافق الأعراض مع المذكور في الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية DSM-5.

علاج رهاب الميادين

ينجح علاج حالات الرهاب غالبًا. توجد عدة طرق لمعالجة رهاب الميادين، ويحتاج المصاب إلى مزيج من طرق العلاج في أغلب الحالات.

العلاج النفسي:

يُسمى أيضًا العلاج بالتحدّث، ويشمل لقاءات منتظمة مع معالج نفسي أو اختصاصي في الصحة النفسية، ويمنح هذا العلاج المجال للمريض للتحدث عن مخاوفه والمشاكل الناتجة عن هذه المخاوف، ويترافق غالبًا مع الأدوية لتحقيق الفائدة القصوى، وعمومًا يستمر العلاج فترةً قصيرة، إذ يتوقف عندما يصبح المريض قادرًا على التكيف مع مخاوفه وقلقه.

العلاج المعرفي السلوكي:

هو النمط الأكثر شيوعًا لعلاج رهاب الميادين، فهو يساعد على فهم المشاعر والأفكار المغلوطة المرتبطة برهاب الميادين، ويساعد على اجتياز المواقف المسببة للتوتر من طريق استبدال المشاعر والأفكار المغلوطة بأخرى سليمة، ما يسمح باستعادة الشعور بالتحكم في الحياة.

علاج التعرُّض:

قد يساعد علاج التعرض على تجاوز المخاوف، إذ يتعرض المريض بلطف وبطء لمواقف أو أماكن تسبب له الخوف، ما يساعد على تلاشي الخوف مع مرور الوقت.

العلاج الدوائي:

تساعد بعض الأدوية على تخفيف أعراض رهاب الميادين أو نوبات الهلع، مثل:

  •  مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، مثل باروكسيتين أو فلوكستين.
  •  مثبطات استرداد السيروتونين والنورأدرينالين، مثل فينلافاكسين أو دولوكستين.
  •  مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة، مثل إيميتريبتلين أو نورتريبتلين.
  •  مضادات القلق، مثل ألبرازولام أو كلونازيبام.

تغيير نمط الحياة

قد لا تعالج تغييرات نمط الحياة رهاب الميادين بالضرورة، لكنها قد تساعد على تخفيف القلق اليومي، ومن الأشياء التي يمكن تجربتها:

  •  ممارسة الرياضة بانتظام، لتدفع الدماغ إلى زيادة إفراز المواد التي تزيد الشعور بالسعادة والاسترخاء.
  •  الالتزام بحمية غذائية صحية، تحتوي الحبوب الكاملة والخضر والبروتينات قليلة الدهون، للتمتع بصحة أفضل عمومًا.
  •  ممارسة التأمل أو تمرينات التنفس العميق، لتخفيف القلق، ومقاومة ظهور أعراض نوبات الهلع.

يُفضل عدم تناول مشروبات الأعشاب أو المكملات الغذائية مع العلاج الدوائي، إذ لم تُثبت فائدتها في علاج القلق، وقد تتداخل مع فعالية الأدوية الموصوفة.

التوقع المستقبلي

لا يمكن الوقاية من رهاب الميادين دومًا، لكن العلاج المبكر للقلق أو اضطرابات الهلع قد يكون مفيدًا. يوجد مجال كبير للتحسن مع العلاج، والعلاج المبكر يكون أسهل وأسرع. يعيق رهاب الميادين كثيرًا ممارسة الحياة الطبيعية، لذا يجب البحث عن علاج عند الشك في الإصابة به. لا يوجد علاج شافٍ لهذا الاضطراب، لكن العلاج قد يخفف الأعراض كثيرًا ويحسن نوعية الحياة.

اقرأ أيضًا:

كل ما تحتاج معرفته عن الرهاب Phobia

اضطراب الهلع (مع أو بدون رهاب الأماكن المفتوحة)

ترجمة: ليلان عمر

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصادر: 1 2