تُظهر هذه الصورة غير المألوفة -المأخوذة بوساطة مجهر المسح النفقي (STM)- نظام نقطتين كمومتين مقترنتي الإلكترونات التي تدور ضمن مجموعتين متحدتي المركز من حلقات متباعدة على نحو وثيق، مفصولة إحداهما عن الأخرى بفجوة. تمثل مجموعة الحلقات الداخلية نقطة كمومية واحدة؛ وتمثل المجموعة الخارجية اللامعة نقطة كمومية خارجية أكبر. حقوق الصورة لصالح: المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا.

صنع الباحثون في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) بالتعاون مع شركائهم لأول مرة زوجًا غير مألوف من النقط الكمومية وصوروه، وهي «جُزر» متناهية في الصغر تحتجر شحنة الإلكترون وتتصرف بصفتها ذرات زائفة متفاعلة. بإمكان هذه النقط «المقترنة» العمل باعتبارها وحدة bit كمومية نشطة، أو كيوبت qubit، وهي وحدة المعلومات الأساسية للحاسوب الكمومي.

علاوةً على ذلك، لا يمكن تفسير أنماط شحنة الإلكترون في «الجزيرة» بشكل كامل باستخدام نماذج الفيزياء الكمومية الحالية، الأمر الذي يعطي الفرصة للبحث عن ظواهر فيزيائية مادية غنية جديدة.

نقطتان كموميتان مقترنتان قد توفران طريقة جديدة لتخزين المعلومات الكمومية - نظام نقطتين كمومتين مقترنتي الإلكترونات - الحاسوب الكلاسيكي

على عكس الحاسوب الكلاسيكي، الذي يعتمد على وحدات ثنائية تملك قيمتين ثابتين فقط -هما «1» أو «0»- لتخزين المعلومات، يُخزن الحاسوب الكمومي المعلومات ويعالجها بوحدات الكيوبت، التي يمكن أن تقبل قيمًا متعددةً في ذات الوقت. بناءً على ذلك، بمقدور الوحدات الكمومية تنفيذ عمليات أكبر وأكثر تعقيدًا من الوحدات الكلاسيكية، ومن المحتمل أن تبدأ ثورةً في عالم الحوسبة.

تدور الإلكترونات حول مركز نقطة كمومية مفردة بطريقة مشابهة لتلك التي تدور بها حول الذرات. بإمكان الجسيمات المشحونة أن تشغل مستويات طاقة محددة مسموح بها فقط. يمكن للإلكترون، عند كل مستوى طاقيّ، أن يشغل نطاقًا متعددًا من المواضع الممكنة في النقطة، إذ يقتفي أثر المدار الذي يُحدَّد شكله بوساطة قوانين النظرية الكمومية. بإمكان زوجين من النقط الكمومية المقترنة أن يشاركا إلكترونًا فيما بينهما، مشكلين كيوبت.

لصناعة نقط كمومية، استخدم الفريق الرائد في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا ، الذي يضم باحثين من جامعة ماريلاند نانوسنتر والمعهد الوطني للعلوم المادية في اليابان، رأسًا فائق الحدية لمجهر المسح النفقي (STM) كما لو أنه كان قلمًا مستدق الطرف بلعبة Etch A Skech للرسم. زاد الباحثون لفترة وجيزة من جهد التيار الكهربائي للرأس بينما يحوم فوق صفيحة شديدة البرودة من الغرافين (طبقة مفردة من ذرات الكربون مرتبة في شكل قرص العسل).

تسلل المجال الكهربائي المولد عن طريق ذبذبة الجهد عبر الغرافين إلى داخل طبقة ضمنية من نتريد البورون، حيث جرّد الإلكترونات من الشوائب الذرية في الطبقة وخلق تصادمًا للشحنة الكهربائية. يُجمّع التصادم الإلكترونات الحرة العائمة في الغرافين، إذ يحتجزها في بئر طاقة متناهي الصغر.

لكن حين طبّق الفريق حقلًا مغناطيسيًا بقوة 4 إلى 8 تسلا (أقوى بنحو 400 إلى 800 مرة من مغناطيس شعاع صغير)، فقد غيّر تدريجيًا شكل وتوزيع المدارات التي بإمكان الإلكترون شغلها. يشغل الإلكترون الآن مجموعتين من الحلقات متحدة المركز متباعدة بشكل وثيق داخل البئر الأصلي ومفصولة بقشرة صغيرة فارغة. تتصرف مجموعتا حلقات الإلكترونات الآن كما لو كانت نقطًا كمومية مقترنةً بشكل ضعيف.

هذه المرة الأولى التي يسبر بها الباحثون أعماق الجزء الباطني لنظام نقط كمومية مقترنة بقوة، ويأخذون صورًا لتوزيع الإلكترونات بدقة ذرية (انظر الشكل أعلاه)، حسبما قال دانيال والكاب، وهو أحد مؤلفي الدراسة من المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا.

لأخذ صور عالية الدقة وأطياف للنظام الذري، استفاد الفريق من العلاقة الخاصة بين حجم النقطة الكمومية وتباعد مستويات الطاقة التي تشغلها الإلكترونات المدارية (كلما كانت النقطة أصغر، زادت المسافات، وسَهُل التمييز بين مستويات الطاقة المجاورة).

طبق الفريق، عن طريق استخدام الغرافين في دراسة النقط الكمومية السابقة، مجالًا مغناطيسيًا ووجد هيكلًا للحلقات يشبه كعكة الزفاف، ويقع في مركزها نقطة كمومية مفردة، التي تُعتبر أصل حلقات النقط الكمومية متحدة المركز. نجح الباحثون في الكشف عن البنية الكاملة للنظام المقترن عن طريق استخدام مجهر المسح النفقي (STM) لتشكيل نقط كمومية حول نصف قطر النقاط التي درسوها سابقًا (الذي يبلغ 100 نانومتر).

لا يمكن تفسير الطريقة التي تُشارَكُ بها الإلكترونات بين نقطتين كموميتين بوساطة النماذج المصدق عليها من فيزياء النقط الكمومية، حسب قول والكاب. يُعتبر هذا اللغز مهمًا لحل مسألة ما إذا كانت النقط الكمومية تُستخدم بشكل نهائي بصفتها وحدات كيوبت في الحوسبة الكمومية، حسب قول ستروسيسو، وهو أحد المشاركين في الدراسة.

اقرأ أيضًا:

نظرية الكم ومبدأ الشّك التراكب، التداخل، الانحلال

كيوبيت – Qubit نوع مدهش من الحواسيب الكمية لم يفكر به أحد من قبل

ترجمة: هاني عبد الفتاح

تدقيق: حسام التهامي

مراجعة: اسماعيل اليازجي

المصدر