ماذا نعني بالأوراق المالية الحكومية؟

تنطبق تسمية الأوراق المالية الحكومية في عالم الاستثمار على مجموعة المنتجات الاستثمارية المالية المعروضة من طريق الهيئات الحكومية. وتُعَد الأوراق المالية الصادرة عن الخزانة الأمريكية من أكثر الأنواع شيوعًا، وتتخذ شكل سندات وأذونات وأوراق، وتُصدر العديد من الحكومات أدوات الدين هذه لتمويل العمليات المستمرة الضرورية.

تتضمن الأوراق المالية الحكومية تعهدًا بسداد كامل المبلغ الأصلي في موعد استحقاق الورقة، وتدفع بعض الحكومات إلى جانب المبلغ الأصلي دفعات فائدة دورية. وتُعَد هذه الاوراق المالية منخفضة الخطر إذ تدعمها الحكومات المصدرة لها.

شرح الاوراق المالية الحكومية

الأوراق المالية الحكومية هي أدوات دين تستخدمها حكومة ذات سيادة، وتبيعها لتمويل العمليات الحكومية المعتادة وتوفير الأموال لمشاريع البنية التحتية والمشاريع العسكرية.

وتشبه آلية عمل هذه الادوات الاستثمارية نظيرتها من إصدارات الدين للشركات، إذ تصدر الشركات سندات خاصة بها من أجل الحصول على رأس المال لشراء المعدات وتمويل مشاريع التوسعة أو لتسديد دين آخر. تستطيع الشركات من طريق إصدار الدين تحقيق منافع من بينها تجنب الضرائب أو استقطاع مجالات أخرى للإنفاق على الموازنة في كل مرة تحتاج فيها إلى أموال إضافية لمشروع من مشاريعها.

بعد إصدار الحكومة أوراقها المالية، ينبري المستثمرون سواء أفرادًا أو مؤسسات لشرائها والاحتفاظ بها لحين موعد استحقاق الدفع، أو بيعها لمستثمرين آخرين في السوق الثانوي للسندات.

الأوراق المالية الحكومية - مجموعة المنتجات الاستثمارية المالية المعروضة من طريق الهيئات الحكومية - الأوراق المالية الصادرة عن الخزانة الأمريكية

يشتري المستثمرون السندات الصادرة سابقًا في السوق ويبيعونها لعدة أسباب، منها سعيهم لكسب دخل من الفائدة المدفوعة عليها دوريًّا، أو لإدراجها في محافظهم الاستثمارية بوصفها أصولًا خالية من المخاطرة. تعد هذه الأوراق أصولًا خالية من المخاطرة لأن الحكومة قادرة دائمًا على سدادها في موعد استحقاق الدفع من طريق طبع المزيد من النقود.

الفرق بين الأوراق المالية للحكومة الأمريكية والأوراق المالية لحكومات البلدان الأخرى

أشرنا آنفًا إلى أن الولايات المتحدة إحدى الدول التي تصدر الأوراق المالية الحكومية لتمويل عملياتها، وتُعَد سندات وأذونات وأوراق الخزانة الأمريكية أصولًا خالية من المخاطرة بسبب دعم الحكومة الأمريكية لها. وتصدر إيطاليا وفرنسا وألمانيا واليابان والعديد من البلدان الأخرى سندات حكومية.

قد تحمل الأوراق المالية الصادرة من حكومات بلدان أخرى خطر العجز عن التسديد، ويقصد به الفشل في تسديد المبلغ الأصلي المُستثمَر في الورقة. إذا انهارت الحكومة في بلد ما، أو تعرض ذلك البلد للاضطراب، حينها يحدث العجز. من المهم عند شراء الأوراق المالية الصادرة عن بلد أجنبي تقدير المخاطر، التي تتضمن المخاطر الاقتصادية والسياسية.

من أمثلة ذلك عجز الحكومة الروسية عن سداد ديونها سنة 1998، ما سبب صدمةً للمستثمرين جراء خسائرهم الكبيرة التي نجمت عن تخفيض الحكومة لقيمة عملتها. وكانت الأزمة المالية الآسيوية في تلك الفترة هي السبب وراء هذا التراجع في الاقتصاد الروسي، وهي سلسلة من الانهيارات لعملات العديد من البلدان الآسيوية أدت إلى حدوث صدمات عنيفة في عالم المال.

رغم نسبة الأمان العالية للأوراق المالية التي تصدرها الحكومة الأمريكية، فإنها تدفع نسب فائدة أدنى مقارنةً بسندات الشركات، لذلك تدفع الأوراق المالية الحكومية ثابتة النسبة نسبة فائدة أدنى من التي تدفعها الأوراق المالية الأخرى، في بيئة ترتفع فيها أسعار الفائدة، ويطلق على هذه النسبة تسمية خطر سعر الفائدة، إذ إن هذا السعر المنخفض لن يتغير مع ارتفاع أسعار الفائدة أو نسب التضخم مستقبلًا في الاقتصاد.

شراء الأوراق المالية الحكومية

تصدر وزارة الخزانة الأمريكية أوراقها المالية من طريق المزاد لمؤسسات استثمارية بغرض بيعها وشرائها. يستطيع المستثمرون شراء الأوراق المالية الحكومية مباشرةً من الموقع الإلكتروني لوزارة الخزانة، أو عبر البنوك أو الوسطاء الماليين. وبما أن أغلب الأوراق المالية الحكومية الأمريكية تحظى بكامل ثقة الحكومة الأمريكية وضمانها، تنعدم احتمالية حدوث العجز في تسديد هذه الأوراق.

يُعَد شراء سندات حكومية من بلدان أخرى عملية أعقد من شراء الأوراق المالية الأمريكية، وتسمى هذه السندات باليانكي Yankee bonds. إذ ينبغي على المستثمرين التعامل مع وسطاء يمتلكون خبرة دولية ومؤهلات خاصة.

يضع المستثمرون في اعتبارهم المخاطر السياسية والائتمانية ومخاطر العملة والعجز عن التسديد من أجل رفع عائداتهم. تشترط بعض السندات تأسيس حسابات خارجية ومستويات مرتفعة من الحد الأدنى للاستثمار. وتُصنف بعض السندات الأجنبية في فئة سندات الخردة junk bonds (مرتفعة الخطورة)، بسبب الخطر المرافق لشرائها.

السيطرة على المعروض النقدي

يسيطر الاحتياطي الفيدرالي على تدفق المال عبر اتباع العديد من السياسات، ومن بينها بيع السندات الحكومية. فمن طريق بيع السندات، يقلل الاحتياطي الفيدرالي كمية النقد في الاقتصاد ويرفع أسعار الفائدة.

وبوسع الحكومة أيضًا إعادة شراء هذه الأوراق المالية، وتؤثر بذلك في المعروض النقدي وأسعار الفائدة. ويشتري الاحتياطي الفيدرالي السندات ويبيعها في السوق المفتوحة فيما يعرف بعمليات السوق المفتوحة (OMO)، ما يقلل بدوره من توافر هذه السندات ويدفع أسعار المتبقي منها للارتفاع.

وبينما ترتفع أسعار السندات، تنخفض عائداتها، ما يدفع أسعار الفائدة للهبوط على مستوى الاقتصاد بأكمله. وتصدر الحكومة السندات الجديدة بعائدات أدنى في السوق ما يسهم بدوره في خفض إضافي لأسعار الفائدة. وبذلك يستطيع الاحتياطي الفيدرالي التأثير على نحو واسع في مسار أسعار الفائدة وعائدات السندات لسنوات عدة.

ويتغير المعروض النقدي مع عمليات البيع والشراء أيضًا، فعندما يعيد الاحتياطي الفيدرالي شراء أوراق الخزانة من المستثمرين، يودع المستثمرون تلك المبالغ في البنوك أو ينفقونها في مجال آخر داخل الاقتصاد، ما يحفز مبيعات التجزئة وينعش النمو الاقتصادي. ويُعطي تدفق الأموال في البنوك من طريق الإيداعات فرصةً لاستخدام هذه الاموال في إقراض الشركات والأفراد، ما يحفز الاقتصاد أكثر.

إيجابيات الأوراق المالية الحكومية وسلبياتها

الإيجابيات

  •  توفر الأوراق المالية الحكومية دخلًا ثابتًا من الفائدة.
  •  بسبب انخفاض خطر هذه الاوراق، تُعَد ملاذًا آمنًا للمستثمرين.
  •  بعض الأوراق المالية الحكومية مُعفاة من الضرائب الفيدرالية والمحلية.
  •  يمكن بيع الاوراق الحكومية وشراؤها بسهولة.
  •  تتوافر الأوراق المالية الحكومية في الصناديق الاستثمارية وصناديق التبادل التجاري.

السلبيات

  •  نسب العائد على الأوراق الحكومية منخفضة مقارنةً بالأنواع أخرى.
  •  تتغير أسعار الفائدة للأوراق الحكومية مع تغير نسب التضخم.
  •  تحمل بعض الأوراق الحكومية الصادرة من حكومات أجنبية بعض المخاطر.
  •  تدفع الأوراق الحكومية نسب فائدة أدنى رغم ارتفاع أسعار الفائدة في السوق.

أمثلة من الواقع

تدفع سندات الادخار لحاملها فائدة طيلة عمر السند. إذا احتفظ المستثمر بسند الادخار حتى موعد استحقاقه، فسيستلم القيمة الأسمية للسند زائد أي فائدة مستحقة عليه بناءً على سعر الفائدة الثابت المُثبَت فيه. بعد شراء سندات الادخار، لا يمكن إلغاؤها في الـ12 شهرًا الأولى، ويعطي إلغاء سند الادخار في السنوات الخمس الأولى الحق للمالك بمصادرة الفائدة المستحقة للأشهر المتبقية.

أذون الخزانة T-Bills

لأذون الخزانة فترات استحقاق تمتد 4 أو 8 أو 13 أو 26 أو 52 أسبوعًا. تدفع هذه الأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل نسب فائدة أعلى اعتمادًا على طول فترة الاستحقاق. مثلًا في 29 مارس 2019، كان العائد على أذون بفترة استحقاق أربع أسابيع 2.39%، في حين كان العائد على أذون بفترة استحقاق سنة كاملة في التاريخ نفسه 2.32%.

أوراق الخزانة Treasury Notes

تمتد فترات استحقاق أوراق الخزانة عامين أو 3 أو 10 سنوات، ما يجعلها سندات متوسطة الأجل. تدفع هذه الأوراق عائد فائدة ثابت نصف سنوي، وعادةً تبلغ قيمتها الاسمية 1000 دولار. القيمة الاسمية للأوراق ذات فترات استحقاق عامين أو 3 هي 5000 دولار.

قد يتغير العائد على أوراق الخزانة يوميًّا، مثلًا أغلقت أوراق الخزانة ذات فئة 10 سنوات من فترة الاستحقاق عند 2.406% في 31 مارس 2019. عبر 52 أسبوعًا، تباينت العائدات بين 2.341% و3.263%، وتعرضت للهبوط مرةً واحدة فقط. قبل أسابيع من ذلك، أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه سيبطئ ارتفاع أسعار الفائدة، ما أدى إلى خفض العائدات مع زيادة إقبال المستثمرين على شراء أوراق الخزانة الحالية.

سندات الخزانة Treasury Bonds

تمتد فترات استحقاق سندات الخزانة بين 10 و30 سنة. القيم الاسمية لهذه الاستثمارات 1000 دولار وتدفع عوائد فائدة على أساس نصف سنوي. تستخدم الحكومة هذه السندات لتمويل العجز في الموازنة الاتحادية. ومثلما أشرنا آنفًا، تسيطر الحكومة على المعروض النقدي من طريق بيع وشراء هذه السندات. أغلقت سندات الثلاثين عامًا عند 2.817% في 31 مارس 2019.

اقرأ أيضًا:

منحنى العائد المستوي

الأصول الخالية من الخطر

ترجمة: حليم عبد الأمير

تدقيق: عون حداد

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر