تملك الصدمات التي تحدث في مرحلة الطفولة قدرةً خاصة على الإيذاء، خاصةً ما يتعلق بإيذاء عاطفي أو بدني أو جنسي أو بالإهمال، وتتردد أصداء هذه التداعيات على مر السنين وتتسبب في عواقب سلبية، مثل ارتفاع مخاطر الاكتئاب والقلق والاضطراب ثنائي القطب واضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية والسِمنة والمشاكل السلوكية، والمشاكل الصحية مثل مرض القلب. تتبعت إحدى الدراسات مئات المراهقين مع مرور الوقت، وتبين أن 80% ممن أُسيء معاملتهم عندما كانوا أطفالًا يستوفون معايير اضطراب نفسي واحد على الأقل بعمر 21 عامًا.

قد تؤدي الطفولة المضطربة أيضًا إلى تعاطي الكحول والمخدرات وسيلةً لتسكين الألم أو لمحاولة الشعور بشيء ما، وتشير التقديرات إلى أن نحو ثلثي المرضى الذين يتلقون علاجًا من تعاطي المخدرات لديهم تاريخ من الإيذاء الجنسي أو العاطفي أو البدني في طفولتهم. كثيرة هي الأشياء التي يجب التغلب عليها بسبب الطفولة المضطربة، لكن المساعدة متاحة، وقد يساعد الفهم الشامل للعراقيل التي تعيق الشفاء على عملية التعافي.

8 أسباب تصعب تجاوز الطفولة القاسية - إيذاء عاطفي أو بدني أو جنسي أو بالإهمال - ارتفاع مخاطر الاكتئاب والقلق والاضطراب ثنائي القطب

فيما يلي ثمانية أسباب مبدئية تكمن وراء صعوبة التحرر من صدمات الطفولة:

1. قد يصعب على المصاب بصدمة إدراك سبب ألمه

ليس لدى الأطفال أي إطار مرجعي عندما يمرون بتجارب مؤلمة، ولذلك فإنهم يرون واقعهم طبيعيًّا، خاصةً إذا كان من يرعونهم هم أنفسهم مصدر الألم، وغالبًا يتأخر الإدراك حتى يتعامل الشخص مع عائلات طبيعية أو عندما يربي أطفاله، يدرك حينها مدى الإيذاء الذي حدث له في الطفولة، ولكن المؤسف أنه كلما طال انتظار الشخص للحصول على المساعدة صار شفاؤه أصعب.

2. قد تُخفي الأعراض المشكلة الحقيقية

قد ينصب تركيز متعاطي المخدرات أو الكحول -نتيجة صدمة الطفولة- على معالجة إدمانهم، مع إنه أساسًا أحد أعراض الصدمة، ويركزون في ذلك لدرجة أنهم لا يكتشفون مصدر الصدمة أبدًا، ولكن إن لم يجدوا سبب الإدمان فمن المرجح أن يستمروا في حلقة مستمرة من التعافي من الإدمان والعودة إليه. وقد يعقد الأمر أكثر أن رفاق الإدمان يمنحون المدمن أحيانًا شعور الأسرة التي يفتقدها في حياته.

3. قد يكون الضرر بيولوجيًّا أيضًا

يعرف العلماء الآن أن صدمات الطفولة قادرة على تغيير بنية الدماغ وتغيير كيفية التعبير عن بعض الجينات، وفي دراسة أجرتها جامعة براون عام 2012، تبين أن الصدمات التي تصيب الأطفال -مثل سوء المعاملة أو فقدان أحد الوالدين- تغير عمل الجينات التي تنظم الإجهاد، ما يزيد من خطر نشوء الإصابة بمشكلات مثل القلق والاكتئاب.

وفقًا لدراسة أُجريت سنة 2013، ارتبطت تغيرات الدماغ الناجمة عن الصدمات بضعف القدرة على ضبط الحوافز السلبية، وقد تؤثر صدمة الطفولة أيضًا في الناقلات العصبية للدماغ، ما يعزز شعور المكافأة الذي يشعر به المدمن عند استهلاك الكحول أو المخدرات فيزيد اعتماده عليها، ويسلط هذا المفهوم الضوء على صعوبات التغلب على الصدمات النفسية في مرحلة الطفولة، ويقود أيضًا الطريق إلى العلاجات والأدوية المطلوبة.

4. التغلب على الماضي من طريق تذكره

يجد البعض مفهوم إعادة النظر إلى الماضي مؤلمًا للغاية، وقد يرغب آخرون في ذلك لكن يصعب عليهم فهم فوضى انفعالات الطفولة، وفي كثير من الأحيان لا يتبقى من الطفولة إلا شعور سطحي بالقلق، ويصعب التخلص من الألم عندما لا يمكن تحديد مصدره بدقة.

5. قد يكون التوصل إلى حل أمرًا مستحيلًا

في كثير من الأحيان، يستحيل إجبار المتسببين في الصدمات على تحمل المسؤولية عن دورهم في الماضي المؤلم، وقد لا يكونون على قيد الحياة عندما يفهم الشخص المصدوم مصدر معاناته أو يشعر أنه مستعد لمعالجتها، وقد يصعب قبول أن المسيء لن يتحمل المسؤولية عن أفعاله أبدًا، أو أنه لا أمل في إقامة علاقة صحية إطلاقًا.

6. التماس الإجابات من الآخرين لا من الذات

في محاولة لإصلاح الماضي، يحاول الشخص غالبًا أن يبحث عما يفتقده عند الآخرين، أو قد يطلب رضا الآخرين دومًا ويبذل قصارى جهده للحفاظ على الوئام أو كسب المحبة، وبدلًا من إدراك احتياجاته الخاصة وتقديرها، يبذل طاقته محاولًا أن يصير جديرًا بعواطف الآخرين، وقد يعرضه ذلك لمزيد من الأذى.

7. قد يغلق البعض باب العواطف نهائيًّا

في بعض الحالات، يصير الاهتمام بالمشاعر خطيرًا للغاية على الطفل، فيخدر نفسه لكي لا يشعر بشيء، وهذا لا يضر بقدرتهم على بناء علاقات صحية فحسب، بل يعقد أيضًا المحاولات اللاحقة للوصول إلى المشاعر اللازمة للشفاء.

8. صعوبة إسكات الأصوات الداخلية

يصدق الأطفال ما يُقال لهم عن أنفسهم، فإذا كانت هذه الأشياء سلبية، كوصف الطفل بالكسل أو عدم القيمة أو الغباء أو القبح أو الفشل، أو أنه لن يرقى أبدًا إلى ما وصل إليه إخوته، فسيجعلهم ذلك يشعرون أنهم لا يستحقون حياة أفضل ولا يستطيعون التغير.

تمثل كل هذه الأمور تحديًا للشفاء، لكن ليس أي منها بمانع نهائي له، وعند كثيرين، قد يحسن العلاج كثيرًا من جودة الحياة، مثل تقنيات العلاج السلوكي المعرفي cognitive behavioral therapy، الذي يمكنه تغيير أنماط التفكير السلبية، وإعادة معالجة الذكريات من طريق التشتيت باستخدام حركة العين Eye Movement Desensitization and Reprocessing (EMDR)، وهي أحد أشكال العلاج النفسي الذي قد يساعد المرء على استرجاع الصدمات التي حدثت في الماضي لمعالجتها وحلها.

تلوح في الأفق تقنيات وأدوية إضافية مع زيادة فهمنا لتأثيرات الصدمة على العقل والجسد، مثلًا تشير الأبحاث إلى أننا قد نتمكن ذات يوم من حجب الذكريات السيئة المرتبطة بالصدمات.

من المشجع أيضًا أن الباحثين والمعالِجين بدأوا يدركون وجود جانب مضيء صغير للتجارب السلبية، فهي قادرة أحيانًا على تعزيز القدرة على التكيف، إذ يثقل حمل أعباء الماضي القبيحة كاهل أي شخص، لكنه يجعله أقوى أيضًا.

اقرأ أيضًا:

ما هو أصل الأمراض النفسية ؟

دراسة تظهر علاقة بين تعاطي الماريجوانا وظهور أعراض الاضطراب ثنائي القطب

ترجمة: فابيان أيوب

تدقيق: محمد حسان عجك

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر