يسهل إصلاح الإصابات العصبية الصغيرة نسبيًا التي تقع خارج الدماغ والحبل الشوكي عبر شدها فقط، لكن وجود فراغات كبيرة بين طرفي العصب المصاب سيطرح مشاكل عديدة. يؤخذ عادةً عصب آخر من مكان آخر في الجسم، ما يسبب ضررًا إضافيًا ولا يعيد إلا قدرةً محدودة حركيًا.

حديثًا، وجد الباحثون في جامعة بيتسبرغ طريقة فاعلة لملء هذا الفراغ بين طرفي العصب -على الأقل عند الفئران والقردة- عبر إدخال أنبوب قابل للتحلل يطلق بروتينًا يدعى «عامل النمو – growth factor» لعدة أشهر. في دراسة نُشرت في مجلة “Science Translational Medicine”، أظهر الفريق أن الأنبوب يوجه العصب لينمو في الاتجاه المناسب، ويحرض البروتين الناتج بشكل طبيعي نمو العصب بشكل أسرع.

تقول كيسي مارا Kacey Marra -البروفيسورة في قسمي الجراحة التجميلية والهندسة الوراثية التابعَين للجامعة- إنها عملت لمدة سنتين على صنع جهاز، تأمل أنه سيساعد الجنود المصابين في القتال.

يعاني أكثر من نصف الجنود المصابين من أضرار عصبية، وبصفتها ابنة وحفيدة رجال خدموا في الجيش، فهي تعتبر أن من واجبها مساعدة من يتلوهم. تحمي معدات القتال منطقتي الرأس والصدر بشكل جيد، لكن الذراعين والساقين تبقى عرضةً للخطر طوال الوقت، وهذا يفسر شيوع إصابات الأعصاب المحيطية.

قد تسبب تصادمات السيارات وحوادث السير التي تشترك فيها آلات مثل مزيلات الثلوج ضررًا في الأعصاب المسؤولة عن التحكم باليد أو الذراع أو الساق.

تقول مارا إنه يوجد 600,000 إصابة عصبية في الولايات المتحدة وحدها كل سنة، لكنها لا تعرف تمامًا عدد الإصابات الشديدة التي تحتاج عملية نقل عصب لأن تلك المعلومات لم تؤكد بعد.

عندما تكون الإصابات بالغة، لا يوجد سوى خيار واحد للعلاج، وهو نقل عصب من مكان آخر في الجسم، لكن المريض يسترجع وظيفة العصب المتضرر بنسبة 50% إلى 60% فقط.

طريقة جديدة يمكنها إعادة وصل وترميم الأعصاب المتضررة - إصلاح الإصابات العصبية الصغيرة - الدماغ والنخاع الشوكي - ترميم الجهاز العصبي

تقول كريستين شميدت Christine Schmidt، البروفيسورة ورئيسة قسم الهندسة الطبية الحيوية في جامعة فلوريدا، والتي ساهمت في هذا البحث: «يُعد زرع الطعوم العصبية nerve grafts الطويلة التحدي الأكثر صعوبة، سيكون عظيمًا أن نقدر على معالجة إصابات الأعصاب طويلة الأمد».

لفتت شميدت إلى أن العصب الذي اختبره فريق جامعة بيتسبرغ هو عصب صغير نسبيًا في قرود المكاك.

«سيبقى التحدي قائمًا لتحقيق النجاح مع أعصاب أكبر حجمًا، وستكون رؤية أعصاب أكبر قليلًا مرضيةً»، وسيكون أقرب إلى حالات المرضى.

أظهرت الدراسة أن الجهاز الجديد يستعيد نحو 80% من الوظيفة العصبية. يستخدم هذا الجهاز العامل المغذي العصبي المشتق من الخلايا الدبقية GDNF، وهو بروتين يساعد الخلايا العصبية على البقاء حية.

تقول مارا إنها اختارت GDNF لأنه: «إذا أصبت بضرر عصبي حاد، ستنتج الخلايا في أعصابك هذا البروتين بمستويات عالية. ما يجذب الخلايا الأخرى للقدوم وإصلاح العصب».

يُصنع الأنبوب المستخدم في التجربة من ذات المادة البوليميرية المستخدمة في الغرز والقابلة للانحلال، والتي نالت الموافقة الاتحادية سابقًا على استخدامها جراحيًا.

يدرس باحثون آخرون استخدام الخلايا الجذعية أو خلايا أخرى للمساعدة على ملء الفراغ في العصب المقطوع، لكن طريقة مارا وزملائها أقرب للحصول على الموافقة الاتحادية لأنها لا تتطلب استخدام خلايا.

تقول شميدت: «إذا اتجه هؤلاء الباحثون إلى إضافة خلايا جذعية أو وضع المزيد من التعقيدات، سيصعب إعطاؤهم الموافقة التنظيمية. من الأفضل أن يتقدموا في أبحاثهم بخطوات صغيرة كما يفعل الباحثون في بيتسبرغ، إنهم يقومون بعملهم بطريقة واقعية جدًا، وهذا قد يحقق نتائج سريرية، هذا هو ما نريده حقًا».

تستطيع الأعصاب أن تتجدد بمعدل مليمتر واحد تقريبًا في اليوم، ويقدم الأنبوب كمية من بروتين GDNF تكفي مدة ثلاثة أشهر. سيُمكن هذا من علاج إصابات بطول 12 سنتيمترًا.

درّب الباحثون في الدراسة التي استمرت ثمانية سنوات قرود المكاك الريسوسي على تناول الطعام بالسبابة والإبهام، وهذا ما لن يقدروا على فعله إذا لم يعمل العصب الملتئم بشكل مناسب.

استخدم القردة هذه الطريقة بدلًا من إمساك الطعام بقبضة أياديهم، الأمر الذي ما يفعلونه عادةً عندما يأكلون. فإذا تناولوا حبوب الموز بأطراف أصابعهم، سيحصلون على وجبة إضافية، «نحن قادرون على رؤية التحسن، وفي تلك المرحلة، عرفنا أننا جاهزون لتطبيق الاختبار على البشر».

تقول مارا إن الفريق يملك اقتراحات قيد الانتظار للتجارب الأولى على البشر، والتي يُحتمل أن تبدأ عام 2021 وستستغرق ثلاث سنوات على الأقل. أطلقت مارا في البداية تقنية “AxoMax” (جهاز توجيه العصب البولميري القابل للتحلل)، والمرخصة من جامعة بيتسبرغ لبدء التجارب عليه. تؤمن مارا أن جهازها قد ينافس عملية نقل العصب من حيث السعر، ومن المحتمل أن يقارن حتى بطرق الإصلاح المعتمدة للفراغات العصبية الصغيرة.

بدأ فريقها أيضًا بدراسة إمكانية عمل هذه الطريقة على العصب الوجهي، لكنها تعتقد أنها لن تعمل على إصابات الحبل الشوكي، المعقد بشكل أكبر، ويشمل أعصابًا أكثر. إضافةً إلى ما سبق، يتطلع الباحثون إلى تجديد العضلات المتعلقة بالعصب المتضرر. تقول مارا: «أعتقد أن هذه الطريقة قادرة حقًا على إحداث ثورة تفكير حول إصلاح الأعصاب والخيارات المختلفة التي ستكون متاحةً للمريض».

اقرأ أيضًا:

مرضى الشلل الرباعي يستعيدون حركة اليد بفضل جراحة نقل الأعصاب

مكابح الخلايا العصبية: كيف تنتقل الإشارة الكهربائية على طول العصب؟

ترجمة: محمد ياسر جوهرة

تدقيق: محمد نجيب العباسي

مراجعة: آية فحماوي

المصدر