منذ زمن بعيد، أي ملايين السنين قبل ظهور أول نجم في الحياة، كان الكون بأكمله بحرًا من الظلام، وكان هناك جزيء واحد يحمل مفتاح هذه الحقبة المنسية.

بدأ العصر المظلم للكون منذ حوالي 400 ألف عام بعد الانفجار الكبير واستمر لمئات ملايين السنين عندما كان الكون فارغًا بالفعل؛ لا كواكب ولا شموس ولا مجرات ولا حياة، مجرد ضباب من ذرات الهيدروجين التي شكّلها الانفجار العظيم وتُركت لتطوف في الظلام.

تحاول التلسكوبات في مختلف أنحاء العالم اليوم إلقاء نظرة على هذا الهيدروجين البدائي (المعروف بالهيدروجين المحايد) لتحديد اللحظة التي انتهت فيها العصور المظلمة وتشكلت فيها المجرات الأولى. ورغم أن هذه الذرات القديمة لا تزال بعيدة المنال، فإن فريقًا من الباحثين في أستراليا اقترب من العثور عليها أكثر من أي وقت مضى.

استخدم علماء الفلك تلسكوبًا لا سلكيًا خاصًا بمنظومة موشيسون ويديفيلد (MWA) ليتعمقوا في الماضي الكوني بحثًا عن طول موجة الهيدروجين المحايد وفقًا لدراسة جديدة نُشرت على قاعدة البيانات الإلكترونية arXiv التي ستصدر قريبًا في المجلة الفيزيائية الفلكية أستروفيزيكال Astrophysical.

متى انتهت العصور المظلمة للكون؟ جزيء نادر يحمل الجواب - ظهور أول نجم في الحياة - ذرات الهيدروجين التي شكّلها الانفجار العظيم

ولم يجدوا ما يبحثون عنه، لكن باستخدام إعدادات جديدة على منظومة التلسكوب الذي حُدّث مؤخرًا، حدد الفريق أدنى حد على الإطلاق لقوة إشارة الهيدروجين المحايد.

وقال جوناثان بوبر المؤلف المشارك في الدراسة والأستاذ المساعد في الفيزياء بجامعة براون في جزيرة رود: «يمكننا القول بثقة إذا كانت إشارة الهيدروجين المحايد أقوى من الحد الذي حددناه في الورقة البحثية، فإن التلسكوب كان سيكتشفه. وهذا يعني أن البحث عن هذه الجزيئات القديمة ما زال مستمرًا، ويدرك الباحثون الآن أن آثار الهيدروجين المحايد أصبحت أضعف مما كان متوقعًا».

الذرات الأولى

كانت الطاقة التي تجول في الكون المبكر قوية جدًا لدرجة انفصال إلكترونات كل ذرة، ما أكسبهم شحنة موجبة. أولى هذه الذرات كان أيون الهيدروجين الموجب الشحنة. فقد بُرّد الكون ووُسّع بما يكفي على مدى مئات الآلاف من السنين لتستعيد أيونات الهيدروجين هذه إلكتروناتها، وتصبح محايدة مرة أخرى.

ويُعتقد أن ذرات الهيدروجين المحايدة هذه هي السمة الغالبة في العصور الكونية المظلمة. في النهاية، عندما تَكدّس عدد كافٍ من الذرات لتكوين النجوم الأولى، تأيّنت الذرات مرة أخرى بواسطة الطاقة التي تشع من تلك النجوم.

يعرف العلماء أن الهيدروجين المحايد يصدر إشعاعًا بطول موجي يبلغ 21 سنتيمترًا. مع ذلك، ومع توسع الكون على مدى 12 مليار سنة الماضية، فإن هذه الأطوال الموجية قد امتدت أيضًا. وقدّر مؤلفو الدراسة الجديدة أن طول موجة الهيدروجين المحايد قد امتدت إلى حوالي مترين، وهذه إشارة إلى أنهم بحثوا عنها في السماء لاستخدام منظومة موشيسون ويديفيلد MWA.

وتكمن المشكلة في وجود العديد من المصادر (سواء التي صنعها الإنسان أوالأجرام السماوية) التي تشع بنفس الطول الموجي.

وقال بوبر: «إن كل المصادر الأخرى أقوى بكثير من الإشارة التي نحاول اكتشافها، حتى إشارة راديو FM المنعكسة على متن طائرة تصادف مرورها فوق التلسكوب تكفي لتلويث البيانات».

لذا، كتب بوبر وزملاؤه مجموعة من المعادلات لتحديد هذه الملوثات في ملاحظاتهم واستبعادتها. وبعد التقاط أكثر من 1200 لقطة من موجات الراديو للسماء، قرر الباحثون أن كل أثر للانبعاثات المكتشفة التي يبلغ طولها الموجي مترين قد تولّدت من مكان غير الهيدروجين المحايد الذي كانوا يبحثون عنه.

ورغم أن الإشارة الذرية الثمينة ما تزال غير مكتشفة، فإن البحوث الجديدة تنجح في تضييق نطاق البحث في المستقبل عن الهيدروجين المحايد. وحسب ما قاله الباحثون فإن هذه النتائج تُشكل حجة قوية بأن تجارب منظومة موشيسون ويديفيلد تقود عملية البحث هذه على المسار الصحيح. وبإجراء المزيد من البحوث، فإننا يمكن أن نسلط الضوء على الآثار الأخيرة من العصور الكونية المظلمة قريبًا.

اقرأ أيضًا:

الخط الزمني لنشوء الكون: العصور المظلمة.. كيف نجا الكون؟

ما الذي أنهى عصور الكون المظلمة؟

ترجمة: رؤى درخباني.

تدقيق: عبد الله كريم.

المصدر