قد يكون كل ما نعرفه عن شكل الكون خاطئًا. فعوض كونه مسطحًا كغطاء السرير قد يكون كوننا منحنيًا كبالون ضخم منتفخ، حسب ما كشفت عنه دراسة جديدة.

هذه الفكرة هي ثمرة مجهود فريق بحثٍ نشر عمله مؤخرًا في مجلة Nature Astronomy. اعتمد فريق البحث في عمله على الخلفية الكونية الميكروية CMB، التي تعتبر من آثار الانفجار العظيم. لكن نتيجة هذا البحث التي تعتمد على بيانات نشرت سنة 2018 لم تقنع الجميع؛ فهي تتعارض مع سنوات من البديهية التقليدية المتعارف عليها كما تتعارض مع دراسة حديثة أخرى اعتمدت على نفس البيانات.

حسب ورقة البحث الجديدة، إذا كان الكون منحنيًا فانحناؤه يكون يسيرًا. لا يعتبر ذلك التقوُّس البطيء مهمًا لسيرورة حيواتنا أو لنظامنا الشمسي أو حتى لمجرتنا. لكن بالسفر عبر كل ذلك خارج المنطقة المجرية المجاورة لنا -السفر في خط مستقيم- فستدور حول المكان وتعود إلى المكان الذي انطلقت منه.

يطلق علماء الكونيات على هذه الفكرة «الكون المنغلق». الفكرة كانت موجودة في الأوساط العلمية منذ فترة لكنها لا تتلاءم مع طبيعة النظريات الموجودة حاليًا لتفسير الكون. لذلك، لطالما رُفِضت الفكرة لصالح «الكون المسطح» الذي يمتد دون حدود في كل اتجاه ولا يلتف حول نفسه.

قد يكون الكون مجرد حلقة ضخمة - الخلفية الكونية الميكروية CMB - آثار الانفجار العظيم - فكرة الكون المنغلق - نظرية الفضاء المسطح

لكن الشذوذ الذي لاحظه الباحثون في أفضل قياس للخلفية الميكروية للكون حتى الآن تُرجِم على أنه دليل قوي -لكن ليس قاطعًا- على أن الكون منغلق وليس مسطحًا حسب أصحاب البحث: علماء الكونيات إليونورا دي فالنتينو Eleonora Di Valentino من جامعة مانشستر وأليساندرو ميلكيوري Alessandro Melchiorri من جامعة سابيينزا بروما وجوزف سيلك Joseph Silk من جامعة جونز هوبكينز.

يخبر ميلكيوري موقع Live Science أن الفرق بين كون منغلق وكون مفتوح كالفرق بين غطاء مسطح ممتد وبالون منتفخ تقريبًا. الكون برمته يتمدد في كلتا الحالتين. عندما يتمدد الغطاء المسطح تبتعد كل نقطة منه عن الأخرى في خط مستقيم. وعندما يتضخم البالون تبتعد كل نقطة فوق سطحه عن النقاط الأخرى، لكن انحناء البالون يجعل هندسة تلك الحركة أكثر تعقيدًا.

يقول ميلكيوري في هذا الشأن: «إن هذا مثلاً يعني إذا كان لديك فوتونان مسافران في خطين متوازيين، فسيلتقيان في نهاية الأمر في كونٍ منغلق».
من جهة أخرى، في كون مسطح ومفتوح، إذا سافر فوتونان دون أن يعرقل حركتهما المتوازية أي شيء، فلن يلتقي مساراهما أبدًا.

يقول ميلكيوري إن النموذج التقليدي لتضخم الكون يقترح أن يكون هذا الأخير مسطحًا. إذا رجعت إلى بداية تضخم المكان، إلى 0.0000000000000000000000001 ثانية بعد الانفجار العظيم حسب هذا النموذج ستشهد لحظة عجيبة، وهي التوسع السريع للغاية حيث يتضخم المكان من تلك النقطة متناهية الصغر التي بدأ منها كل هذا الكون الذي نعرفه. إن الفيزياء التي تقف وراء ذلك التوسع السريع للغاية تشير إلى كونٍ مسطح.

هذا هو السبب الأول الذي جعل الخبراء يتوقعون أن يكون الكون مسطحًا، حسب أقوال ميلكيوري. إذا كان الكون غير مسطح فيجب عليك «ضبط الفيزياء التي تصف تلك الآلية الأساسية ضبطًا دقيقًا» لجعل كل التفاصيل تعمل معًا ــ وإعادة النظر في عدد هائل من الحسابات المتعلقة بالعملية، حسب قول ميلكيوري.

كل هذا بسبب الشذوذ في قياسات الخلفية الميكروية الكونية. تعتبر هذه الأخيرة أقدم شيءٍ في الكون بإمكاننا رؤيته، وتتكون من الضوء الميكروي المحيط بكل شيء الذي يغمر كل الفضاء إذا استثنيت النجوم والمجرات وكل المعيقات الأخرى. إنها من بين أهم مصادر البيانات في تاريخ الكون وسلوكه؛ لأنها قديمة جدًا ومنتشرة عبر كل الفضاء. حسب آخر البيانات اتضح أن آثار «عدسة الجاذبية» أكبر مما كان متوقعًاــ يعني هذا أن الجاذبية تحني الموجات الميكروية للخلفية الكونية بشكل يفوق قدرة الفيزياء الحالية على تفسيره.

مصدر البيانات التي اعتمد عليها فريق البحث هو من تجربة بلانك Planck الصادرة سنة 2018 عن وكالة الفضاء الأوروبية ESA، وهي التجربة التي تطمح إلى رسم تفاصيل الخلفية الميكروية للكون بدقة لم يُشهد لها مثيل.

من أجل تفسير تأثير العدسة الإضافي أدرجت تعاونية بلانك متغيرًا واحدًا فقط، وهو ما يطلق عليه العلماء «العدسة_A أو A_lens» إلى نموذج تشكل الكون. يقول ميلكيوري في هذا الموضوع: «هذا شيء يمكنك وضعه باليد لشرح ما تراه. لا علاقة لهذا بالفيزياء».

ويعني هذا أنه لا وجود لمتغير العدسة_A في نظرية آينشتاين للنسبية. إذ نقتبس من كلامه مجددًا: «ما وجدناه أنه بإمكانك تفسير العدسة_A في كونٍ منحنٍ إيجابًا، وهذا أكثر تفسير فيزيائي يمكنك شرحه باستخدام النسبية العامة».

أشار الرجل كذلك إلى أن تفسير فريقه ليس حاسمًا. حسب حسابات فريق البحث، تشير بيانات بلانك إلى كونٍ منغلق مع قيمة انحراف معياري تصل إلى 3.5 Σ (قياس إحصائي يعني أن النتيجة لا تعود إلى محض الصدفة بنسبة ثقة 99.8%). وتبقي القيمة أقل من 5 Σ التي يعتمد الفيزيائيون على الوصول إليها قبل تأكيد أي فكرة.

لكن يقول بعض علماء الكونيات إنه توجد أسباب أكثر تدعو إلى الشك في النظرية.

يقول أندري ليندي Andrei Linde عالم الكونيات من جامعة ستانفورد لموقع Live Science إن الدراسة التي نحن بصددها قد فشلت في أخذ ورقة بحث أخرى مهمة بعين الاعتبار، وهو بحث نُشر على قاعدة بيانات arXiv في بداية أكتوبر للسنة الجارية (ولم ينشر بعد في مجلة لمراجعة الأقران).

نشر هذه الورقة الأخيرة عالما الكونيات من جامعة كامبردج، جورج إفستاثيو George Efstathiou وستيفن جراتون Steven Gratton، اللذان عملا على تعاونية بلانك كذلك. إذ تناول الباحثان مجموعة أضيق من البيانات مقارنة بدراسة مجلة Nature Astronomy.

دعم تحليلهما كذلك فكرة الكون المنحني، لكن مع ثقة إحصائية أقل بكثير من التي حصل عليها دي فالنتينو وفريقه في العمل على مجال أوسع من بيانات بلانك. عندما نظر إفستاثيو وجراتون إلى البيانات موازاةً مع مجموعات بيانات أخرى من الكون القديم، وجدا أنها تشير إلى كون مسطح عامةً.

عندما سئل ميلكيوري عن عمل إفستاثيو وجراتون، أشاد بالعناية الفائقة من الثنائي في معالجة البحث. لكنه قال كذلك إن عملهما يعتمد على جزء بسيط للغاية من بيانات بلانك. وأشار إلى اعتماد بحثهما على نسخة معدلة (محسَّنة نظريًا) من بيانات بلانك ــ وليست هي نفس البيانات العامة التي دققها أكثر من 600 عالم فيزياء.

حسب ليندي فإن ذلك يشير إلى أن عمل إفستاثيو وجراتون اعتمد على طرائق أفضل.

أشار إفستاثيو في رسالة إلكترونية إلى موقع Live Science بعد أن طلب عدم الاقتباس من كلامه مباشرة، إلى أن انحناء الكون يعني ظهور مجموعة من الإشكاليات؛ إذ يتعارض ذلك مع مجموعة بيانات الكون القديم، ويجعل التناقضات في مراقبة معدل توسع الكون أكثر سوءًا. جراتون يوافق على ذلك أيضًا.

حتى ميلكيوري بدوره وافق على حقيقة خلق فكرة الكون المنغلق لمشاكل كثيرة في الفيزياء. ويقول: «لا أريد أن أقول إنني مؤمن بكون منغلق، أنا حيادي أكثر حيال ذلك. قد أقول، لننتظر البيانات وما قد تحمله البيانات الجديدة. ما أومن به هو وجود تناقضات الآن، لذا يجب علينا أن نكون حذرين وأن نحاول معرفة مصدر هذه التناقضات».

اقرأ أيضًا:

ما هو شكل الكون ؟ و إلى ماذا يتوسع ؟

إشعاع الخلفية الكونية الميكروي

إعداد: وليد سايس

تدقيق: عون حداد

المصدر