هل يمكن تلخيص السلوك الأناني بمعالجته فقط للقرارات التي تؤدي لمكافأة الآخرين بشكل مختلف؟ (يمكن ذلك)، تجيب دراسة حديثة لفريق RIKEN بقيادة Hiroyuki Nakahara من مختبر العلوم العصبية النظرية المتكاملة في مركز RIKEN لعلوم الدماغ والذي اكتشف ذلك بعد اختبار 36 متطوعًا بصحة جيدة تتراوح أعمارهم بين 20 و32 سنة، وكان الهدف من دراستهم اكتشاف مناطق الدماغ النشطة عندما تُمنح مكافآت للآخرين.

طُلب من المتطوعين اختيار أحد خيارين ويُمنح مع كل خيار جائزة مساوية لهم. يتضمن الخيار الأول مكافأةً ماليةً إضافيةً لباقي المشاركين، والخيار الثاني يتضمن منح جائزة لمجموعة من الجمعيات الخيرية المعروفة.

فحص الفريق ما الذي يحدث عندما يمنح أحدهم مكافأةً إضافيةً لإحدى هذه الجمعيات باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI وطريقة النمذجة الحاسوبية والتي تدعى تحليل الترابط connectivity analysis، واكتشفوا عملية تتألف من لثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: اكتشاف الدماغ لفائدة متوقعة للآخرين، تترافق هذه المرحلة بنشاط دماغي في منطقة الترابط الصدغية الجدارية اليمنى right TPJ ومنطقة القشرة قبل الجبهية الجانبية الظهرانية اليسرى left dlPFC والمعروفة جيدًا بلعبها دورًا في الانتباه والتفاعل الاجتماعي.

المرحلة الثانية: فهم تأثير تقديم القيمة على النتيجة، ويماثل هذا نشاط في الجزيرة الأمامية اليمنى right AI وهي عقدة رئيسية من الدارة الدماغية تُسمى شبكة توجيه الانتباه salience network والتي لها علاقة بالتعاطف.

أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة اتخاذ القرار الفعلية، تترافق هذه المرحلة مع نشاط في القشرة أمام الجبهية الوسطى mPFC، وهذا يدعم نتائج دراسات سابقة تشير إلى دور هذه القشرة في التفكير الاستراتيجي.

ثم فحص الفريق احتمالية وجود أي أنماط مشتركة في الطرق العصبية المتضمنة في اختيار خيار العطاء للآخرين عند الأفراد الذين يمكن وصفهم بصورة عامة بالكرم أو الأنانية.

استخدم الفريق لهذا الغرض اختبارًا أسسه عالم النفس Paul A. M. Van Lange من جامعة Vrije Universiteit Amsterdam في تسعينات القرن الماضي.

مكن هذا الاختبار العلماء من قياس تفضيلات الشخص فيما يتعلق بتوزيع المكافآت لنفسه وللآخرين، ويُستخدم اختبار اتجاه القيمة الاجتماعية SVO هذا على نطاق واسع في علم النفس الاجتماعي ومجالات أخرى كالاقتصاد.

أجرى المتطوعون الاختبار عن طريق استطلاع وصُنفوا لاحقًا إلى قسم الاجتماعية الإيجابية (لديهم ميول نحو السلوك المعطاء) أو قسم الفردية (ميول نحو السلوك الأناني).

كانت أكثر النتائج اللافتة للنظر هي الاختلاف البارز في العمليات العصبية المسؤولة عن سلوك العطاء للآخرين بين قسمي الاجتماعية الإيجابية والفردية، حتى إن هذا الاختلاف ظهر عندما اختارت كلتا المجموعتين أشياء مشابهةً في المهمة الأصلية.

واعتبر Nakahara ذلك مثيرًا للاهتمام؛ لأن الأشخاص الاجتماعيين الإيجابيين استخدموا عمليات دماغية مشابهة لخياري مكافأة الآخرين والمكافأة الذاتية من خلال مسار القشرة قبل الجبهية الجانبية الظهرانية اليسرى -القشرة أمام الجبهية الوسطى العصبي-.

أما الأشخاص الفرديون فقد أحدثوا عملية الموازنة في العطاء للآخرين بطريقة مختلفة عن خيار المكافأة الذاتية، وفي المرحلة الثانية من العملية سلك الأشخاص الأكثر أنانيةً سلوك العطاء للآخرين من خلال المنطقة الأمامية اليمنى في الدماغ والتي توضح أين يمكن للدماغ أن يستوعب الآثار المترتبة عن خيار العطاء للآخرين.

لماذا يميل بعض الأشخاص إلى السلوك الأناني بينما يميل الآخرون للعطاء؟ - تعميق فهمنا للسلوك الأناني - لماذا يحب بعض الناس العطاء

لا يدور كل هذا حول الأنانية والعطاء، ولكن حول إدراكنا لقيمة الشيء حسبما يؤكد الباحثون. وبدلًا من الإيثار فقد يدرك الأشخاص الكرماء معنًى أكثر قيمة في المساهمات الاجتماعية أو قد يملكون نزعة ما مثل كره الظلم والميل نحو الشعور بالذنب. وأطلق الفريق على عملية اتخاذ قرار العطاء للآخرين اسم «تحويل القيمة الاجتماعية».

توقع العلماء في هذه الدراسة أن تحويل القيمة الاجتماعية هو تحليل بسيط قد يكون ضروريًا لأشكال مختلفة من السلوكيات الاجتماعية.

وتوفر نتائج الفريق وحدات بناء لفحص الأشكال الأكثر تعقيدًا لاتخاذ القرارات الاجتماعية، وسيقود اكتشاف أفكار جديدة حول العطاء و السلوك الأناني إلى التشكيك في دور العوامل الثقافية والدينية والاختلافات بين الدول والمناطق، مثل تفسير الطريقة التي يُدركنا بها الآخرون وكيفية استجابتهم لنا.

يوضح Nakahara: «ستساهم هذه العوامل المتعددة بالتأكيد في تشكيل أنواع معقدة للسلوكيات الاجتماعية، وستُدمج باعتبارها جزءًا من الدوائر العصبية للسلوك الاجتماعي واتخاذ القرارات من خلال التجارب المتكررة في الحياة اليومية، وستعدَّل مكونات بناء عملية التحويل الاجتماعي هذه ودمجها بتلك العمليات من أجل إنتاج سلوك وقرار نهائي».

وسيبحث اتجاه بحثي آخر مبشر -وإن كان ذلك يتجاوز نطاق هذه الدراسة- في احتمالية كون العملية المتضمنة في العطاء للآخرين مختلفة نوعًا ما عند الأشخاص المصابين باضطرابات معادية للمجتمع، وقد تساهم هذه الاختلافات إذا حُددت في فهم الترابط العصبي للسلوك المعادي للمجتمع.

يواصل فريق Nakahara العمل على اكتشاف المزيد من المعلومات عن طريقة اتخاذ القرارات الاجتماعية، وقال Nakahara: «تتحرى إحدى دراساتنا الحالية كيفية سعي الأشخاص إلى اتخاذ قرارات أفضل من خلال توقع قرارات الآخرين، وبالفعل حصلنا على بعض النتائج المثيرة».

اقرأ أيضًا:

دراسة في السلوك البشري تحدد أربعة أنماط أساسية في الشخصية

هل يجعلك الجوع أنانيًا؟ كيف يؤثر الجوع على مشاعرنا وأفكارنا وتصرفاتنا

ما الذي يجعلك على استعداد للتضحية بمصلحتك الشخصية مقابل مصلحة شخص آخر ؟

ترجمة: عدي بكسراوي

تدقيق: عون حداد

المصدر