ربما نجد الحياة على أقمار مجموعتنا الشمسية.. لكنها ستختلف تمامًا عن الحياة على كوكبنا! تشير دراسة حديثة إلى أنه سيكون من الصعب للغاية على الميكروبات الانتقال من الأرض أو المريخ إلى القمرين أوروبا أو إنسيلادوس.
يشير البحث أيضًا إلى إنه إذا وُجدت كائنات تسبح في المحيطات المدفونة تحت سطح أحد أجرام نظامنا الشمسي، فمن المحتمل ألا يكون منشأها هو نفس منشأ الحياة على الأرض.
يعتقد بعض العلماء أن الحياة انتقلت من عالم إلى آخر خارج النظام الشمسي، على متن الصخور المتطايرة في الفضاء نتيجة للمذنبات أو الكويكبات التي اصطدمت بتلك العوالم. وتزعم مدرسة فكرية إن الحياة المزدحمة هنا على الأرض أصلها من المريخ، الذي يُرجح أنه امتلك ظروفًا مناسبة للحياة قبل كوكبنا.
تُعرف فكرة امتطاء الصخور هذه باسم التبذر الحجري الشامل lithopanspermia، وهي من فروع فكرة التبذر الشاملpanspermia ، الذي يفترض انتشار الحياة، سواءً بوسائل طبيعية أم بتدخل كائنات ذكية.
لكن ما هو احتمال أن يستعمر هؤلاء الفضائيون المفترضون هذه الأماكن البعيدة الصالحة للحياة، وتحديدًا قمر المشتري أوروبا Europa وقمر زحل إنسيلادوس Enceladus، الذي يحتوي كل منهما على محيطات من المياه تحت قشرته الجليدية؟
حاول الجيوفيزيائي جي ميلوش Jay Melosh من جامعة بوردو الإجابة عن هذا السؤال، وقدم ما توصل إليه من نتائج في الاجتماع السنوي للاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي.
استخدم ميلوش نماذج حاسوبية لتتبع محاكاة انطلاق 100 ألف جسيم من المريخ، واستخدم نماذج لثلاث سرعات دفع 1 و3 و5 كم/ثانية.
في هذه المحاكاة وصلت نسبة ضئيلة من الجسيمات إلى إنسيلادوس بعد 4.5 مليار عام، فقط من 0.0000002% إلى 0.0000004% من العدد الذي وصل إلى الأرض، ووصل إلى أوروبا نحو مئة ضعف هذا العدد، إذ حصل القمر على 0.00004% إلى 0.00007% من حصة جسيمات الأرض.
نعلم أن نحو طن من صخور مريخية بحجم قبضة اليد تُمطر الأرض كل عام، وبناءً على ذلك احتسب ميلوش إن متوسط حصة أوروبا من مواد المريخ سنويًّا هي 0.4 جرام، وإنسيلادوس 2-4 ميليغرام، وأكد ميلوش إن هذه متوسطات، إذ إن الصخور المريخية المصطدمة بهذه الأقمار تكون صخورًا كبيرة في أحداث متباعدة، وليس تدفقًا مستمرًّا من الأشياء الصغيرة.
قال ميلوش إننا سنحصل على نتائج مشابهة لو كان مصدر الصخور هو الأرض لا المريخ. قد تبدو هذه النتائج مناسبة لنشر الحياة، إذ إن بإمكان ميكروب واحد على إحدى الصخور تحويل أوروبا أو إنسيلادوس من مكان صالح للحياة إلى مكان يعج بها، لكن عوامل أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان، وهي تقلل هذه الفرص المتفائلة.
مثلًا وجد ميلوش إن متوسط الوقت الذي تستغرقه نيازك المريخ للوصول إلى إنسيلادوس هو 2 مليار سنة، ومع إن الميكروبات قادرة على تحمل الظروف القاسية، لكن من الصعب أن تتحمل طوال هذه المدة.
أيضًا أشارت المحاكاة إلى أن صخور المريخ ستضرب إنسيلادوس بسرعة تتراوح 5-31 كم/ثانية، وهو ما قد يسمح للميكروبات بالنجاة، لكن من الصعب تخيل نجاتها في ظروف أعنف.
قال ميلوش: «نستنتج من ذلك إنه إذا وُجدت الحياة في محيطات أوروبا أو إنسيلادوس، فالأرجح أنها قد نشأت هناك، وليس على الأرض أو المريخ، وكذلك ليس من نظام شمسي آخر»، إذ تشير الحسابات إلى إن احتمال تأثير نيزك على الأرض في أثناء 4.5 مليار سنة الماضية هو 0.01% فقط، والاحتمال أقل من ذلك في حالة أوروبا وإنسيلادوس.
هذا استنتاج مثير للاهتمام إذا نُظر إليه من منظور آخر، فمن المحتمل أن أوروبا وإنسيلادوس -وغيرهما من أجرام النظام الشمسي الصالحة للحياة، مثل قمر زحل الأكبر تيتان Titan- قد بقيا غير ملوثَين لدهور من الزمن، ما يسمح لأشكال الحياة الأصلية أن تتجذر وتتطور، لذلك قد يتمتع نظامنا الشمسي بوجود العديد من أنواع الحياة المختلفة، بدلًا من نوع واحد واسع الانتشار، ومن المؤكد أيضًا أن مراقبة تطور الحياة الشبيهة بالحياة على الأرض على مدى مليارات السنين في محيط متجمد مدفون سيكون مثيرًا للغاية.
إذا اكتشفنا صورة واحدة فقط من صور الحياة من أصل مختلف في نظامنا الشمسي، فسنعلم أن الحياة ليست معجزة ويجب أن تكون شائعة في جميع أنحاء الكون.
ربما نحن مقبلون على معرفة إجابات بعض هذه الأسئلة العميقة، مثلًا لدينا المهمة Europa Clipper، التي ستصف محيطات القمر وتستكشف مواقع الهبوط المحتملة في المستقبل للبحث عن الحياة ومهام أخرى. من المقرر إطلاق Clipper في أوائل أو منتصف 2020، لكن ما زال الموعد المحدد غير معروف، ومع أن الكونغرس أمر بتنفيذ المهمة، لكن يبدو أنه توجد مصاعب متعلقة بالتمويل.
كذلك من المقرر انطلاق المهمة Dragonfly سنة 2026، لدراسة كيمياء تيتان المعقدة، وقد تكتشف هذه المهمة علامات وجود الحياة في هواء القمر الكبير إن وُجدت. وعلى المدى البعيد، يبحث العلماء عن طرق للحصول على روبوت يخترق طبقة الجليد في أوروبا وإنسيلادوس للوصول إلى المحيطات التي قد تحتوي على الحياة، وهي مهمة لم يُعلن عنها رسميًّا بعد، لكن إذا كنا محظوظين فستنطلق سنة 2030.
أيضًا نحن بصدد عمل جاد لاستكشاف الحياة في أماكن أقرب إلى الأرض، إذ تخطط ناسا لإرسال مركبة متحركة إلى المريخ للبحث عن الحياة في الصيف المقبل، في حين تشترك وكالة الفضاء الأوربية مع روسيا في برنامج ExoMars.
ستعتمد كل من هاتين المهمتين على روبوت ذي عجلات في البحث عن آثار الحياة القديمة على الكوكب الأحمر، ومن المحتمل كون هؤلاء المريخيون القدماء -إن وُجدوا- هم أقاربنا.
الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية Exoplanets هي جزء من الخطة أيضًا، إذ سيكون تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا NASA’s James Webb Space Telescope، المقرر إطلاقه سنة 2021، قادرًا على اسكشاف الأجواء الفضائية القريبة بحثًا عن بصمات حيوية، وكذلك تخطط ثلاث مراصد أرضية عملاقة أن تبدأ العمل في أواخر 2020، وهي تلسكوب ماجلان العملاق the Giant Magellan Telescope والتلسكوب فائق الحجم Extremely large telescope ومرصد الثلاثين مترًا Thirty Meter Telescope.
اقرأ أيضًا:
العلماء يكتشفون أدلة على وجود جزيئات عضوية معقدة على قمر زحل إنسيلادوس
حقائق مدهشة عن قمر المشتري أوروبا
فلكيون يعثرون على كوكبٍ قزمٍ جديدٍ في مجموعتنا الشمسية
تلسكوب كيبلر الفضائي: مكتشف الكواكب خارج مجموعتنا الشمسية
ترجمة: محمد رشود
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين