لو راقبنا إطلاق الصواريخ في الصور وأشرطة الفيديو، فإننا نلاحظ تحركها في مسار منحنٍ لا خط مستقيم. لماذا؟ إذا كان الهدف هو الوصول إلى الفضاء، فإن الحركة في خط مستقيم تحقق ذلك بسرعة أكبر، إذًا لماذا يرتكب علماء الصواريخ هذا الخطأ والمفترض إنهم أذكياء جدًّا؟
بكل بساطة ليس هذا خطأ، إن الهدف هو وصول المركبة إلى مدارها حول الأرض بأقل استهلاك ممكن للوقود.
شاهد الفيديو:
لماذا تُطلَق الصواريخ عموديًّا؟
في مصطلحات علم الفضاء، الصاروخ هو أداة ترسل الأشخاص والمعدات إلى الفضاء. وهو أسطوانة طويلة جدًّا تُطلَق من منصة إطلاق، مخلفةً كمية من الدخان. نظريًّا، يمكن أن تُطلَق الصواريخ بنفس كيفية انطلاق الطائرات، لكن ذلك سيتطلب تغييرات في التصميمات الحالية للصواريخ، إضافةً إلى الكلفة الاقتصادية، لذلك هي فكرة غير عملية.
تنطلق الصواريخ عموديًّا بقدر هائل من الدفع التصاعدي، وذلك بفضل محركاتها الخاصة وصواريخ الدفع القوية (التي تتحرر بعد فترة من الانطلاق)، وبعد دقيقة من انطلاقه، تصل سرعة الصاروخ إلى 1609 كيلومتر في الساعة.
أثناء تحليقه نحو الفضاء، يفقد الصاروخ الكثير من طاقته بسبب مقاومة الهواء، لكنه يكون قد وصل حينها إلى الارتفاع المناسب فوق الأرض. لهذا ينطلق الصاروخ مستقيمًا في بداية رحلته، كي يجتاز الغلاف الجوي في أقل مسافة ممكنة، لكن لماذا يغير مساره بعد ذلك؟
لماذا تغير الصواريخ مسارها المستقيم بعد انطلاقها؟
إن الكثير من الالتباس حول مسار الصاروخ يسببه الافتراض الشائع بأن الصواريخ تهرب من جاذبية الأرض لتصل إلى الفضاء. فنيًّا لا يُعَد هذا خطأً، لكنه لا يصف حركة الصاروخ بدقة.
قبل كل شيء، يجب أن نعرف إن الفضاء ليس بعيدًا حقًا. إذا حلقنا على ارتفاع 100 كم فوق الأرض، فنحن رسميًا في الفضاء. تمنح القوات الجوية الأمريكية لقب رائد فضاء لمن يحلق أعلى من 80 كم . لاعب القفز الحر فيليكس بومغارتنر Felix Baumgartner، حامل الرقم القياسي لأعلى سقوط حر عمودي، تُعرف قفزته باسم قفزة الفضاء space jump مع أنه قفز من ارتفاع 39 كم فقط.
المقصود إنه إذا كان الهدف هو بلوغ الفضاء، فإن هذا سهل وباستهلاك وقود أقل من الاستهلاك الحالي، ولكن الهدف الفعلي للصواريخ هو الوصول إلى مدارها حول الأرض.
الوصول إلى مدار الكوكب
إن الهدف الرئيسي لأكثر الصواريخ هو الوصول إلى مدارها حول الكوكب والبقاء فيه، وهو الارتفاع المناسب الذي عنده تكون جاذبية الكوكب كبيرة كفاية لمنع الصاروخ من الانحراف عن مداره والانجراف إلى الفضاء الخارجي، لكنها قليلة كفاية لأن لا يحرق الصاروخ كميات كبيرة من الوقود لمقاومة الهبوط مرة أخرى إلى الأرض.
ليصل إلى مداره، يميل الصاروخ قليلًا في البداية، ويتزايد الميل تدريجيًّا حتى يصل إلى مداره البيضاوي حول الأرض. إن الوصول إلى المسار المداري الصحيح ليس أمرًا سهلًا، إذ يتعلق بكمية الوقود المستهلكة للوصول إلى سرعة أفقية تبلغ 28,968 كيلومترًا في الساعة.
تُعرَف التقنية المسؤولة عن ضبط مسار المركبة فضائية ووصولها إلى المدار المرغوب، بدورة الجاذبية gravity turn أو دورة الرفع الصفري zero-lift turn.
الفوائد الأساسية لتقنية الرفع الصفري:
- تتيح للصاروخ في المراحل الأولى الانطلاق بزاوية ميل قليلة أو مساوية للصفر (أي رأسيًّا تمامًا)، لتقليل ما يتعرض له من جهد ديناميكي.
- تتيح للصاروخ استخدام جاذبية الأرض -بدلًا من الوقود- لتغيير اتجاهه، وبذلك يوفر الصاروخ الوقود المتبقي لديه لزيادة السرعة أفقيًّا، حتى يصل إلى أقصى سرعة ممكنة تسمح له بالوصول إلى مداره.
الخلاصة: يجب على الصاروخ تغيير مساره بعد الإنطلاق إلى المسار المنحني، إذا كان الهدف هو الوصول إلى مداره حول الأرض. أما إذا استمر في الصعود عموديًّا إلى الفضاء، فإنه سيرجع إلى الأرض عند نفاد الوقود، كسقوط الحجر بعد رميه إلى أعلى.
اقرأ أيضًا:
هل هناك أماكن محددة لإطلاق الصواريخ نحو الفضاء، أم ان إطلاقها ممكن من أي نقطة على الأرض؟
كيف تندفع الصواريخ الى الإمام في الفضاء حيث لا يوجد هواء؟
ترجمة: إسراء حيدر هاشم
تدقيق: نغم رابي
مراجعة: أكرم محيي الدين