عُرف الفيزيائي الأمريكي ألماني المولد ألبرت أينشتاين Albert Einstein باعتباره أشهر علماء القرن العشرين، إذ تصف نظريته عن النسبية relativity حركة الضوء وحركة الأجسام بالغة الضخامة، وتمثل أحد أعمدة الفيزياء الحديثة، إلى جانب عمله في مجال ميكانيكا الكم الذي يدرس العالم دون الذري.
نشأته وتعليمه
وفقًا لسيرته الذاتية الصادرة عن منظمة جائزة نوبل، وُلد أينشتاين في مدينة أولم بولاية فورتمبرغ الألمانية في 14 مارس سنة 1879، وانتقلت عائلته إلى ميونيخ بعد ستة أسابيع من ولادته. التحق أينشتاين بمدرسة بيترشولي الابتدائية الكاثوليكية بعمر ست سنوات، عام 1885.
على عكس الاعتقاد السائد، كان أينشتاين طالبًا متفوقًا، فوفقًا لموقع إلكتروني متخصص في تاريخ أينشتاين، كتبت والدته في رسالة إلى أختها ذات مرة: «حصل ألبرت على درجاته أمس وكانت رائعة، وقد حصل على المرتبة الأولى مجددًا». لكنه عندما انتقل إلى مدرسة اللغة في لويتبولد لم يستطع التأقلم مع نظام المدرسة المتسلط، وقال عنه معلمه ذات مرة: لن يذهب إلى أي مكان (أي لن يحقق أي شيء).
في سن 17 -أي عام 1896- التحق أينشتاين بالمدرسة الفيدرالية السويسرية للفنون المتعددة في زيورخ، للتدرب على تدريس الفيزياء والكيمياء، وبعد بضع سنوات حصل على شهادة الدبلوم وعلى الجنسية السويسرية أيضًا، لكنه لم يستطع إيجاد وظيفة مدرس، لذا قبل وظيفة مساعد فني في المكتب السويسري لبراءات الاختراع.
تزوج آينشتاين عام 1903 من حبه الأول ميليفا ماريك Mileva Maric, التي كانت طالبةً عنده. اكتُشف في الثمانينيات وجود طفلة غير شرعية لهما من طريق رسائل خاصة بينه وبين زوجته قبل عام واحد من زواجهما، وأشارت الرسائل إلى إنها طفلة تدعى ليزرل، ربما كانت تعاني اضطرابًا ذهنيًّا، ولا أحد يعلم شيئا عن مصيرها بعد ذلك، إن كانت قد توفيت أم تبنتها أسرة أخرى وهي بعمر عام. لأينشتاين من زوجته ماريك ولدان آخران هما هانز ألبرت المولود سنة 1904، وإدوارد المولود سنة 1910.
كيف غير ألبرت أينشتاين تاريخ الفيزياء؟
حصل أينشتاين على درجة الدكتوراه في الفيزياء سنة 1905 فيما يسمى annus mirabilis أي عام المعجزة باللاتينية، إذ نشر 4 ورقات بحثية تُعَد اللبنات الأساسية للفيزياء الحديثة.
تضمنت الورقة الأولى مفهوم الضوء باعتباره جسيمات منفصلة تسمى فوتونات، وهو ما ثبت بعد ذلك. تصف النظرية المفعول الكهروضوئي photoelectric effect وهو المفهوم الذي اعتمدت عليه أبحاث الطاقة الشمسية الحديثة. تناولت الورقة الثانية الحركة البراونية Brownian motion إذ تصف كيف يتحرك الغبار بطريقة عشوائية على سطح الماء، ما يعني أن الماء يتكون من جزيئات صغيرة تحرك الغبار ذهابًا وإيابًا.
تتناول الورقتان الأخيرتان النسبية الخاصة special relativity التي تصف كيف إنه عند تحرك اثنين من المراقبين بسرعتين مختلفتين، سيرصدان قياسات مختلفة لكنهما سيتفقان حول سرعة الضوء، أي إن سرعة الضوء ثابتة مهما اختلفت سرعة من يرصدها، قدمت الورقة أيضا المعادلة الشهيرة E = mc^2 التي تصف العلاقة بين الطاقة والكتلة، وهو يُعَد الإنجاز الأشهر بين أعمال أينشتاين.
سنة 1915 نشر أينشتاين 4 ورقات بحثية أخرى تناولت النسبية العامة general relativity التي طورت قوانين نيوتن عن الجاذبية، أوضحت هذه النظرية إن الجاذبية هي انحناء في نسيج الزمكان تسببه كتلة الأجسام الضخمة، وهو ما ثبت صحته بدرجة كبيرة سنة 1919، عندما رصد الفلكي البريطاني آرثر إدينغتون Eddington أثناء الكسوف الشمسي اختلاف المواقع المرصودة للنجوم، وفسلا ذلك بانحناء ضوء النجوم نتيجة جاذبية الشمس.
تطلق ألبرت أينشتاين من ماريك سنة 1919 وتزوج من ابنة عمه إلسا لوينثال Elsa Löwenthal وكان على علاقة بها منذ عام 1912. مُنح أينشتاين جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1921 عن عمله في مجال التأثير الكهروضوئي، إلى جانب إسهاماته في الفيزياء النظرية، وكان فوز أينشتاين بالجائزة مثيرًا للجدل لكونه يهوديًّا -وكانت معاداة السامية حينها في تزايد- إلى جانب أن نظرياته لم يثبت صحتها كليًّا بعد.
عمل أينشتاين مدرسًّا في جامعة برلين فترةً، حتى فرّ مع زوجته من ألمانيا عام 1933 بعد تولي أدولف هتلر الحكم، وسافر إلى الولايات المتحدة حيث تخلى عن جنسيته الألمانية، وعمل أستاذًا للفيزياء النظرية في جامعة برينستون Princeton، وأصبح مواطنًا أمريكيًّا عام 1940.
في أثناء ذلك وضع عدد من الباحثين على رأسهم الفيزيائي الدنماركي نيلز بور Niels Bohr أسس قوانين الفيزياء التي تحكم أدق الجسيمات في الوجود، وهو ما عُرف بميكانيكا الكم quantum mechanics، وحاز اهتمام أينشتاين.
اشتهر الخلاف بين بور وأينشتاين فيما يتعلق بميكانيكا الكم، إذ رأي بور وزملاؤه إن الجسيمات الكمّية (الدقيقة) تتصرف وفقًا لقوانين الاحتمالات، وهو ما عدّه أينشتاين غير مقنع، لكن في النهاية ثبت صحة نظريات بور وأصبحت هي السائدة فيما يتعلق بميكانيكا الكم.
أعوام ألبرت أينشتاين الأخيرة وإرثه
بعد تقاعده سنة 1945، قضى أينشتاين أكثر سنواته اللاحقة محاولًا الجمع بين الجاذبية والكهرومغناطيسية electromagnetism فيما أسماه نظرية المجال الواحد unified field theory، وهو عمل لم يكتمل، إذ توفي في 18 أبريل سنة 1955 بسبب تمدد الأوعية الدموية قرب القلب.
أُحرق جثمانه، ونُثر رماده في مكان غير معلوم، لكن بعد أن استخرج الطبيب الشرعي دماغ أينشتاين واحتفظ به دون تصريح.
كان دماغ أينشتاين موضوعًا لكثير من الأبحاث على مدار عدة عقود، ووُجد أنه يحتوي تلافيف إضافية بالقرب من المادة الرمادية حيث مركز التفكير الواعي، وكذلك في الفص الجبهي مركز التفكير المجرد والتخطيط، ومع ذلك يُعَد استنتاج أسباب الذكاء اعتمادًا على مثل هذه العينة أمرًا غير مؤكد، وفقًا لعالم الأعصاب إيريك تشودلر Eric H. Chudler في جامعة واشنطن.
إضافةً إلى إنجازاته المذهلة في مجالات النسبية وميكانيكا الكم، أجرى أينشتاين بحثًا أقل شهرة حول طرق التبريد التي لا تتطلب محركات أو أي أجزاء متحركة أو سائل تبريد. وكان من معارضي الحرب وحذر من مخاطر استخدام الأسلحة النووية.
اعتمدت الكثير من نماذج التوقع على نظريات أينشتاين، ولاحظ العلماء انحناء الضوء تحت تأثير كتل الأجسام الضخمة، تمامًا كما توقع أينشتاين سابقًا، وهو ما عُرف بظاهرة عدسات الجاذبية gravitational lensing، التي ساعدت على المزيد من الفهم لتطور الكون. وسنة 2016 أعلن مرصد الأبحاثAdvanced Ligo عن أول رصد لموجات جاذبية gravitational waves ناتجة عن اصطدام نجم نيوتروني كبير مع ثقب أسود، وهو ما توقعه أينشتاين أيضًا.
اقرأ أيضًا:
كيف غير اينشتاين مجرى العلم باربع اوراق بحثية ؟
أجمل أقوال ألبرت أينشتاين وأشهرها
ترجمة: بلال الإبراهيم
تدقيق: سلمى عفش
مراجعة: أكرم محيي الدين