ما زال علماء الفلك حول العالم مختلفين فيما بينهم بشأن سرعة تمدد الكون. منذ أن انبثق الكون من انفجار نقطة صغيرة لا نهائية الكثافة والجاذبية، بدأ التوسع بمعدل غير ثابت، إذ يزداد معدل التسارع مع الوقت. ظل تحديد معدل هذا التسارع محل خلاف، فقد بدت القياسات المأخوذة من المصادر القريبة متعارضة مع تلك المأخوذة من المصادر البعيدة، وتفسير ذلك أن شيئًا ما -ما زال مجهولًا لنا- هو سبب تغير معدل التسارع.

واقترح أحد العلماء أن وجود نوع جديد من الجسيمات قد غير مصير كوننا بأكمله.

ثابت هابل: عناء ومشاكل

ابتكر العلماء العديد من الطرق الذكية لحساب ثابت هابل Hubble constant، وهو الرقم المعبر عن معدل تسارع الكون.

الطريقة الأولى لاحتساب هذا الرقم هي بالنظر إلى أجرام المستعر الأعظم supernova القريبة، وبالتحديد نوع من المستعر الأعظم ذو سطوع خاص، لذا يمكننا احتساب المسافة بالمقارنة بين سطوعها كما يبدو لنا وسطوعها كما يجب أن يكون، ثم بملاحظة المجرات المضيفة للمستعر الأعظم، يمكننا احتساب سرعة ابتعاد هذه المجرات عنا، وبدمج هذه البيانات معًا، يمكننا احتساب معدل تسارع الكون.

الطريقة الأخرى هي بقياس الأشعة الخلفية الكونية الدقيقة CMB، وهي بقايا الضوء الناتج بعد الانفجار العظيم مباشرةً، أي بعد ولادة الكون بنحو 380 ألف سنة. كانت مهمة القمر الصناعي بلانك Planck satelliteهي رسم خريطة لبقايا هذا الإشعاع، لذا أصبح لدى العلماء خرائط عالية الدقة، تعطينا صورةً دقيقة لمحتويات الكون، وبإدخال هذه البيانات إلى العداد الزمني للنماذج الحاسوبية، نستطيع معرفة معدل التوسع في هذه اللحظة، بفرض أن المكونات الأساسية للكون لم تتغير منذ ذلك الحين.

لكن كان الاختلاف بين نتائج الطريقتين واضحًا، لدرجة جعلت من الواضح أن شيئًا ما زال مفقودًا.

السديم المظلم dark nebula هو نوع من السُحب البين-نجمية الكثيفة لدرجة تحجب ضوء النجوم التي خلفها

السديم المظلم dark nebula هو نوع من السُحب البين-نجمية الكثيفة لدرجة تحجب ضوء النجوم التي خلفها

نظرة إلى الجانب المظلم

احتدم الخلاف بين الفريقين. قد يكون أحد القياسين أو كلاهما غير صحيح أو غير مكتمل، لكن إذا افترضنا أن القياسين كليهما دقيق، فلا بد من وجود تفسير لهذا الاختلاف. أحد الاحتمالات أنه -بما أن أحد القياسين أقدم من الآخر- ربما ظهر مكون جديد في الكون لم تلتقطه نماذجنا، هو الذي أدى إلى تغير معدل تسارع الكون.

لذلك استنتجنا وجود قوى غامضة مرتبطة بزيادة معدل تسارع الكون، هي الطاقة المظلمة Dark energy.

افترض العلماء في البداية أن الطاقة المظلمة (أيًّا كانت) ثابتة، لكن بناءً على الاختلاف الحالي في معدل التسارع، اقتُرح أن الطاقة المظلمة تتغير.

اقترح بعض العلماء أن الطاقة المظلمة مرتبطة بالطاقة الموجودة في فراغ الزمكان نفسه، ومصدرها جميع الحقول الكمِّية quantum fields المنتشرة في الكون.

في الفيزياء الكمِّية الحديثة، يرتبط كل نوع من الجسيمات بحقله الخاص، وتنتشر هذه الحقول عبر نسيج الزمكان، ويُثار بعضها أحيانًا في مواقع محددة، لتتحول إلى الجسيمات التي نعرفها، مثل الإلكترونات والكواركات والنيوترونات، أي إن الإلكترونات تنتمي إلى الحقل الإلكتروني، وتنتمي النيوترونات إلى الحقل النيوتروني، وهكذا، لذلك يُشكل تفاعل هذه الحقول أساس فهمنا للعالم الكمِّي.

ومهما كان المكان الذي ستسافر إليه في الكون، فلن يمكنك الهرب من الحقول الكمِّية، حتى مع عدم وجود اهتزازات كافية لصنع الجسيمات، فهي موجودة، تهتز وتتذبذب وتسبب تأثيراتها الكمِّية، فهذه الحقول الكمِّية لديها كميات أساسية من الطاقة المرتبطة بها، حتى في الفراغ.

لكن إذا أردنا استخدام هذه الطاقة الكمِّية الموجودة في فراغ نسيج الزمكان لتفسير الطاقة المظلمة في الكون ، فلن نتوصل إلى حل، لأن إجراء بعض الحسابات البسيطة للغاية لمعرفة كمية الطاقة في الفراغ انطلاقًا من الحقول الكمِّية، سيؤدي بنا إلى الحصول على كمية أكبر بـ120 ضعف مما نلاحظه من الطاقة المظلمة فعليًّا.

أما إذا جربنا تنفيذ حسابات أكثر تعقيدًا، سنجد مرةً أخرى أن النتائج لا تتوافق مع القياسات الفعلية للطاقة المظلمة.

الخلاصة إننا نعيش وقتًا عصيبًا في محاولة فهم الطاقة المظلمة باستخدام مفاهيم طاقة الحقول الكمِّية. ولكن إذا كانت الطاقة المظلمة متغيرة فعلًا، ربما يمنحنا ذلك مفتاحًا لحل لغز طبيعة تلك الحقول الكمِّية. خاصة أنه، إذا كانت الطاقة المظلمة تتغير، فمعنى ذلك أن الحقول الكمِّية تتغير أيضًا.

ظهور خصم جديد

في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا في arXiv، احتسب الفيزيائي النظري ماسيمو سيردونيو Massimo Cerdonio من جامعة بادوفا Padova كمية التغير في الحقول الكمِّية اللازمة لإحداث تغير في الطاقة المظلمة.

إذا وُجدَت حقول كمِّية جديدة مسؤولة عن تغير الطاقة المظلمة، فيعني هذا وجود جسيمات جديدة حرة في الفضاء.

وفقًا لحسابات سيردونيو، يتطلب التغير في الطاقة المظلمة نوعًا محددًا من كتلة الجسيمات، تبين أنها تقريبًا نفس كتلة نوع جديد من الجسيمات يسُمى أكسيون axion، وهي جسيمات نظرية افترض الفيزيائيون وجودها لحل بعض المشاكل في معرفتنا الكمِّية بالقوى النووية.

ربما ظهرت هذه الجسيمات مبكرًا في الكون، لكنها لم تكن مؤثرةً بسبب هيمنة قوى وجسيمات أخرى، أما الآن فقد حان دور جسيمات أكسيون.

لكن لم يُرصَد جسيم أكسيون فعليًّا حتى الآن. إذا كانت الحسابات صحيحة، فيعني ذلك أن جسيمات أكسيون موجودة فعلًا، وتملأ الكون وحقوله الكمِّية، وتلعب دورًا ملحوظًا في تغير كمية الطاقة المظلمة في الكون، لذلك ربما تُحدث هذه الجسيمات تغييرًا في كوننا على أكبر المقاييس الكونية، مع إننا لم نرصدها قط في المختبر.

اقرأ أيضًا:

ما مدى سرعة توسع الكون ؟ ضربة أخرى لثابت هابل

هل توسع الكون مجرد وهم؟

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: محمد الصفتي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر