صنعت ناسا التاريخ عندما خرجت رائدتا الفضاء كريستينا كوش Christina Koch وجيسيكا ماير Jessica Meir خارج محطة الفضاء الدولية لاستبدال شاحن بطارية تالف. صرحت وكالة ناسا أن هذا السير الفضائي spacewalk هو الأول من نوعه في التاريخ الإنساني، إذ اقتصر على النساء فقط. كان ذلك صباح الجمعة 18 أكتوبر 2019.

خرجت كوش أولًا من محطة الفضاء الدولية، وتبعتها ماير وهي تحمل حقيبة الأدوات. كان مقررًا أن تستغرق المهمة 5 ساعات ونصف، ولكن الفريق أتم مهامه الرئيسية بنجاح وتم تمديد المهمة إلى أكثر من 7 ساعات، حتى يتمكن رواد الفضاء من أداء بعض المهام الإضافية.

جاءت المهمة التاريخية بعد عدة أشهر من إلغاء مهمة كانت مقررة سابقًا، لعدم توفر عدد كاف من بزات الفضاء بالحجم المناسب. ويُعَد ذلك خطوة مهمة في إطار حرص ناسا على تسليط الضوء على مشاركات النساء في المهام الفضائية.

قالت النائبة الديموقراطية كاثرين كلارك: «قفزة عملاقة للنساء» مقتبسة بذلك مقولة نيل أرمسترونج الشهيرة، أول رجل يهبط على سطح القمر.

كما احتفت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بكوش وماير، واصفةً ما حدث أنه بصمة تاريخية، وأنهما قد ألهمتا النساء والفتيات في جميع أنحاء أمريكا.

في مؤتمر صحفي سابق للرحلة، صرح مدير ناسا جيم بريدنشتاين Jim Bridenstine أنهم يعتزمون إرسال «الرجل القادم وأول امرأة» إلى القمر بحلول عام 2024، وهو المشروع الذي تطلق عليه الوكالة اسم «أرتميس Artemis»، وقال إن المهمة الأخيرة تمثل خطوة جديدة نحو إتاحة فرصة أكبر للجميع للمشاركة في المهام الفضائية.

تابع بريدنشتاين المهمة في مركز عمليات الفضاء في مقر ناسا، مع مديري المحطة الفضائية وعدد من أعضاء الكونغرس، وأشار إلى أن 15 امرأة قمن حتى الآن بالسير في الفضاء، منهن 14 أمريكية.

ناسا تصنع التاريخ: أول مهمة مشي في الفضاء الخارجي تقوم بها نساء فقط - مهمة فضائية تقودها رائدات فضاء - نساء يحلقن إلى الفضاء

صرحت كوش -التي من المقرر أن تقضي 328 يومًا في محطة الفضاء الدولية، في أطول فترة تقضيها امرأة في الفضاء- أنها تعي الأهمية التاريخية للمهمة التي ستقوم بها. وأضافت في اتصال مع محطة NPR من المحطة الفضائية: «في الماضي، لم يكن من المعتاد أن تشارك النساء في مثل هذه المهام، إنه من الرائع المشاركة في برنامج رحلات الفضاء، عندما يستطيع الجميع المشاركة، يؤدي ذلك إلى زيادة فرص النجاح».

وقالت ماير: «إن هذه المهمة تُعَد تتويجًا لكل الجهود الذي بُذلت خلال العقود السابقة، جهود جميع النساء اللائي عملن للوصول إلى ما نحن عليه اليوم، الشيء الجميل أن مشاركة النساء صارت أمرًا طبيعيًا، إنه من الرائع أن ترى مدى ما أحرزناه من تقدم».

ناسا تصنع التاريخ: أول مهمة مشي في الفضاء الخارجي تقوم بها نساء فقط - مهمة فضائية تقودها رائدات فضاء - نساء يحلقن إلى الفضاء

صرح مدير العمليات في ناسا كين باورسوكس Ken Bowersox، أنه يأمل في أن يصبح قيام النساء بالمهام الفضائية أمرًا معتادًا يومًا ما، وأشار إلى أن الخصائص البدنية للمرأة جعلت من الصعب عليهن سابقًا المشاركة في المهام الفضائية، بسبب تصميم بزات الفضاء، التى تزن الواحدة منها 280 رطلًا (126 كيلوجرامًا).

وقال: «إن بعض الأسباب الجسدية تجعل من الصعب في بعض الأحيان على النساء القيام بالمشي في الفضاء، أحيانًا تُحدث الخصائص البدنية فارقًا في بعض الأنشطة، والمهام الفضائية هي من الأمور التي يؤثر فيها تكوينك البدني على كفاءة ما تقوم به من أعمال».

لكن مع بدء مشاركة النساء في رحلات الفضاء، بدأت ناسا تعدل من تصميم البزات الفضائية، كما صرح بريدنشتاين، أن الوكالة أصبحت تحرص على توفير بزات فضائية مناسبة للجميع، وأضاف أن تكوين المرأة يجعلها أفضل في بعض النواحي من الرجل، إذ تعاني أقل منه في حالات انعدام الجاذبية.

التحقت كوش وماير بفريق رواد فضاء ناسا في عام 2013، ضمن عدد متساو من الرجال والنساء، لكن ما زالت النساء تعتبر أقلية بين الفئات العاملة في ناسا، وفي صناعة الفضاء عمومًا، إذ تشكل النساء نحو ثلث العاملين بها، و28% من قياداتها التنفيذية العليا، و16% من كبار الموظفين العلميين، وفقًا لإحصاء أجرته الوكالة.

صرح بريدنشتاين أن إلحاق المزيد من النساء بالوكالة يمثل أولوية قصوى. وأضاف: «نحن نحقق تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، ونمضي فيه قُدمًا منذ عدة سنوات، لكن ما زال أمامنا الكثير مما يجب علينا القيام به، إن أحداثًا كهذه هي ما يلهم رواد الفضاء».

يُعَد المشي في الفضائي -ويُقصَد به المهام خارج سفن الفضاء أو المحطات الفضائية- من الأعمال الشاقة التي يقوم بها رائد الفضاء. يرى رواد الفضاء أنه يمثل تحديًا بدنيًا وعقليًا معًا، يشبه الأمر حل مسألة حسابية أثناء المشاركة في سباق ماراثون.

قبل أن تصبح رائدة فضاء، كانت كوش، البالغة من العمر 40 عامًا، مهندسة كهربائية في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا NASA’s Goddard Spaceflight Center، وتخصصت في دراسة علم الكونيات والفيزياء الفلكية، ثم أصبحت باحثة في برنامج أنتاركتيكا الأمريكي، والذي تضمن إقامة لمدة عام في القطب الجنوبي.

أما ماير فهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علم الأحياء البحرية، وعملت سابقًا في شركة لوكهيد مارتن لدعم أبحاث الفسيولوجيا (وظائف الأعضاء)، وشاركت في الرحلات الجوية البحثية لناسا على متن طائرات منخفضة الجاذبية وكذلك في البيئة المائية، كما درست فسيولوجيا الحيوانات في البيئات القاسية.

كانت ناسا تخطط لإرسال امرأة إلى الفضاء في مارس الماضي. لكن لم تجر الأمور كما هو مخطط بعد أن اكتشفت رائدة الفضاء آن ماكلين وجود عيب في البزة الخاصة بها، لذلك ذهب رائد الفضاء نيك لاهاي بدلا منها.

هنأ الرئيس دونالد ترامب كوش وماير عبر الهاتف، وكان بصحبته نائبه مايك بينس وابنته إيفانكا، وقال: «لقد أحسنتما تمثيل بلادنا، نحن جميعًا فخورون بكم». وأضاف: «الخطوة التالية هي الذهاب إلى القمر، ثم بعد ذلك إلى المريخ».

اقرأ أيضًا:

تلسكوب الفضاء جيمس ويب قد جمع بالكامل، ويبدو أسطورياً

هل اكتشف الفضائيون مجرتنا وزاروا كوكبنا؟

ترجمة: م. نور خالد

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر