ساهم الكويكب في قتل 75% من الحياة على الأرض. هل نستطيع أن نحول دون أن تُحدث أزمة المناخ دمارًا مثيلًا؟ منذ عام 1750، شوش البشر على دورة الأرض الكربونية بحدة أكثر من تأثير بعض الكويكبات الأكثر كارثيةً في التاريخ. وتشير أبحاث جديدة أن الآثار بعيدة المدى على كوكبنا -مثل الاحتباس الحراري الخارج عن السيطرة وتحمُّض المحيطات والانقراضات الجماعية- قد تكون مماثلةً إلى حد كبير لتلك الآثار.

ينبع هذا الاكتشاف الصارخ من سلسلة أبحاث نُشرت في الأول من أكتوبر بمجلة Elements، حُررت من قبل عدة فرق من الباحثين من مرصد الكربون العميق Deep Carbon Observatory. هذا المرصد هو تجمع عالمي لأكثر من 1000 عالم يدرسون حركة كربون الأرض كاملةً، من نواة الكوكب إلى حافة الفضاء.

في إصدار خاص للمجلة، ينظر علماء المرصد عن كثب إلى ما يسمونه «اضطرابات» أصابت دورة الأرض الكربونية خلال 500 مليون عام الأخيرة أو نحو ذلك. في هذه الفترة، حسب المؤلفين، كانت حركة الكربون عبر الأرض مستقرةً نسبيًا، يحصل توازن شبه كامل ما بين تسرب غاز الكربون في شكل ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وأشكال أخرى إلى الغلاف الجوي من خلال البراكين ومنافذ تحت الأرض من ناحية، وتسلل الكربون إلى داخل الكوكب عبر حافات الصفائح التكتونية من ناحية أخرى. يُسفر هذا التوازن عن هواء صالح للتنفس، ومناخ ملائم في البر والبحر، ما يسمح بالتنوع البيولوجي لكوكبنا.

غير أن أحداثًا كارثيةً أو «اضطرابات» تقع من حين إلى آخر، تتسبب في اختلال هذا التوازن، فتغمر السماء بغاز الاحتباس الحراري ثاني أكسيد الكربون، ما يؤدي إلى تعكير المناخ على مدى مئات السنين، وكثيرًا ما تسفر عن انقراضات واسعة النطاق.

تشويش البشر على دورة الأرض الكربونية أكبر مما فعل الكويكب الذي قتل الديناصورات - تأثيرات االبشر على دورة الكربون في الأرض - التغير المناخي

في هذه الدراسات الحديثة، حدد الباحثون أربعةً من هذه الاضطرابات، من ضمنها انفجارات بركانية هائلة واصطدام الكويكب الذي قتل الديناصورات منذ حوالي 66 مليون سنة بالأرض. يرى المؤلفون أن دراسة هذه الأحداث المدمرة قد تكون أساسية لفهم الحدث الكارثي البارز القادم الذي يطل علينا والذي هو من صُنع أيدينا.

كتب الباحثون في مقدمتهم عن هذه القضية: «في يومنا هذا، يساهم تدفق الكربون بشري المصدر، الناتج بالدرجة الأولى عن حرق الوقود الأحفوري المتكون عبر ملايين السنين، في اضطراب دورة الأرض الكربونية».

وأكمل الباحثون أن كمية ثاني أكسيد الكربون المتسربة إلى الغلاف الجوي سنويًا عبر حرق الوقود الأحفوري، تفوق فعلًا الكمية المتراكمة لثاني أكسيد الكربون المنبعثة من جميع براكين الأرض، بما لا يقل عن 80 مرة.

تأثير صارخ

تشير المقارنة الأبرز للمؤلفين، بين أزمتنا المناخية الحالية والاضطرابات الماضية، إلى الكويكب تشيكسولوب Chicxulub، وهو كويكب عرضه 10 كيلومترات اصطدم بخليج المكسيك منذ 66 مليون سنة متسببًا في انقراض 75% من أشكال الحياة على الأرض، من ضمنها جميع الديناصورات غير الطائرة.

وأوضح الباحثون أنه عندما ارتطم هذا الكويكب بالأرض مخلفًا طاقةً أكبر بمليارات المرات من القنبلة الذرية، تسببت موجات صدمية نابعةً من الاصطدام بزلازل وانفجارات بركانية وحرائق هائلة أسفرت عن تدفق ما قد يصل إلى 1400 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

ووِفقًا للباحثين، من الممكن أن تأثير الاحتباس الحراري الناتج عن هذه الانبعاثات، تسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب ودرجة حموضة المحيطات ما ساهم في موت جماعي لنباتات وحيوانات عُرف بالإنقراض الطباشيري الباليوجيني Cretaceous-Paleogene extinction.

مع ذلك، يتجاوز تراكم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشرية الصنع المستمرة إلى الآن أكثر تقديرات انبعاثات تشيكسولوب تشاؤمًا. أشار الباحثون إلى أن كمية هذه الانبعاثات تقارب 2000 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون متدفقةً إلى السماء منذ عام 1750. ومن البديهي أن هذه الانبعاثات لا تكف عن التصاعد عامًا بعد عام، نظرًا لفشلنا في اتخاذ إجراءات حقيقية لصالح مناخ الأرض.

للتوضيح، هذه الدراسات الجديدة لا تدّعي بأن البشر «أسوأ» بشكل ما من صخرة فضائية عملاقة طمست الحياة على امتداد مئات الأميال في عدة ثوان. بالأحرى، يشير باحثو المرصد إلى أن سرعة وحجم تشويش البشر على توازن الأرض الكربوني يقارَن ببعض الأحداث الجيولوجية الأكثر كارثيةً في التاريخ.

كتب الباحثون أنه من المرجح أن نتائج هذه الحقبة من التدخل البشري قد تبدو مماثلة للقرون المضطربة التي تلت تشيكسولوب وكوارث غابرة أخرى. وخلصوا إلى أن هذه الحقبة «ستترك على الأرجح خلفها إرث انقراضٍ جماعي ناتج عن تغيرات مناخية ناجمة هي الأخرى عن غازات الاحتباس الحراري. تطرأ هذه التغيرات على نظام حيوي متواجد أصلًا على حافة الانهيار بسبب ضياع الفضاءات الطبيعية الحاضنة للحياة».

هل أحسست بالقلق بعد؟ يجب أن تقلق.

اقرأ أيضًا:

العصر الطباشيري او الكريتاسي ( انقراض الديناصورات – ظهور الثديِيات – انفصال افريقيا عن امريكا الجنوبية )

الكويكب الذي قضى على الديناصورات تسبب بشتاء عالمي

ترجمة: أمين البكدوري

تدقيق: حسام التهامي

المصدر