أصبحت تأثيرات تغير المناخ بالفعل صاعقة على المحيطات والمناطق الجليدية التي تشكل 80% من سطح الأرض، والضرر المستقبلي الناتج عن ارتفاع مستوى سطح البحر وذوبان الأنهار الجليدية بات مؤكدًا وفق تقرير جديد مثير للقلق صادر عن الأمم المتحدة.

يقتل الاحتباس الحراري الشعاب المرجانية ويساعد في تشكل العواصف الوحشية ويغذي الموجات البحرية الحارة الفتاكة ويسجل خسائر في جليد البحار.

ويخلص هذا التقرير حول محيطات العالم والأنهار والصفائح الجليدية والمناطق القطبية إلى أن مثل هذه الآثار تنذر بمستقبل أشد كارثية في حال بقيت انبعاثات الغازات الدفيئة على هذا المنوال.

في ضوء مستوى الانبعاثات الحالي هنالك عدد من الآثار الخطيرة التي لا يمكن تجنبها أساسًا حسب تقرير الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change – IPCC. بحلول عام 2050 ستصبح فيضانات المئة عام حدثًا سنويًا في بعض المدن والجزر الصغيرة التي يوجد الكثير منها في الولايات المتحدة بما في ذلك ثاني أكبر مدنها لوس أنجلوس.

قال إريك غارسيتي عمدة لوس أنجلوس ردًا على التقرير: «ما الذي نحتاجه أكثر من هذه الأدلة، هذه شوارعنا التي تفيض، وهذه بيوتنا التي تحترق، وفي المدن نعلم أن هذا حقيقي، ولا يتعلق الأمر بالمرونة فحسب بل بالقدرة على التكيف».

وإذا استمرت الزيادة في الانبعاثات قد ترتفع مستويات البحار العالمية بأكثر من ثلاثة أقدام بحلول نهاية هذا القرن، أي 12% أعلى من تقديرات عام 2013، كما يمكن أن يضر ذوبان الأنهار الجليدية بإمدادات المياه العذبة وأن يؤدي دفء المحيطات إلى تدمير مصايد الأسماك البحرية.

قالت جين لوبشينكو المديرة السابقة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة (National Oceanic and Atmospheric Administration – NOAA): «نتيجة لزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة أصبح المحيط اليوم أعلى وأكثر دفئًا وحامضية وأقل إنتاجية ويحمل كمية أقل من الأكسجين، وهذا الاستنتاج لا مفر منه، فآثار التغير المناخي على المحيط جارية، وما لم نتخذ إجراءً حقيقيًا وجادًا في وقت قريب جدًا ستزداد هذه الآثار سوءًا أكثر فأكثر».

ساهم أكثر من 100 عالم من جميع أنحاء العالم في أحدث تقرير صادر عن IPCC، والذي يأتي على عقب العديد من التحذيرات الأخرى. في الخريف الماضي أوصت IPCC بالقيام بإجراءات سريعة وبعيدة المدى على الطاقة والنقل وأنظمة أخرى لضبط الزيادة في الحرارة تحت 1.5 درجة مئوية، وهي عتبة رئيسية في اتفاقية المناخ في باريس.

تتزامن هذه النتائج أيضًا مع اجتماع قادة العالم في قمة المناخ التي طال انتظارها، وتهدف إلى ضخ زخم لإقناع الدول ببذل المزيد من الجهد للابتعاد عن الوقود الأحفوري والاتجاه نحو أشكال أنظف من الطاقة، فعلى الرغم من إعلان عشرات الدول الصغرى عن خططها للسنوات القادمة فإن أكبر مصادر الانبعاثات في العالم لم تصل إلى حد الالتزام بالتغييرات.

تقرير للأمم المتحدة عن المحيطات يؤكد أن الكارثة تتجلى حولنا - كيف يؤثر الاحتباس الحراري على ارتفاع مستوى سطح البحر - التغير المناخي وذوبان الجليد

قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لقادة العالم يوم الثلاثاء 24 أيلول 2019 في محاولته الأخيرة لتحفيز التحرك: «إن حالة الطوارئ المناخية هي سباق نخسره لكن يمكننا الفوز به إذا غيّرنا طرقنا الآن، حتى لغتنا يجب أن تتكيف فما كان يطلق عليه “تغير المناخ” أصبح الآن “أزمة مناخ”، إذ نشهد اليوم درجات حرارة غير مسبوقة وعواصف لا هوادة فيها وعلم لا يمكن إنكاره».

وضحت صحيفة واشنطن بوست مؤخرًا كيف تسببت التيارات المتغيرة وتفاقم الارتفاع في درجة حرارة المحيطات في موت أنواع من الكائنات البحرية الساحلية والطحالب وتغيير كميات الأسماك في جنوب المحيط الأطلسي على طول سواحل الأوروغواي والأرجنتين التي تعتبر نقطة ساخنة فيما يتعلق بتغير المناخ. ويشير التقرير إلى أن تغييرات مماثلة بدأت تظهر في محيطات العالم، في بعض المناطق أكثر من غيرها.

يُعد ارتفاع مستوى سطح البحر من بين أكثر النتائج التي خلصت إليها الوثيقة ترويعًا، والذي يعزى بشكل رئيسي إلى ذوبان الجليد السريع في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية والأنهار الجليدية الأصغر في العالم. يتسارع ارتفاع سطح البحر إذ يمكن أن يشهد العالم ارتفاعًا عامًا يصل 3.6 أقدام بحلول 2100 مع سيناريو ازدياد الانبعاثات.

في 2013 قدرت IPCC أن القيمة أعلى بقليل فقط من 3 أقدام، حتى هذه التقديرات يمكن أن تكون قليلة، فعندما نظر العلماء لطريقة مختلفة لقياس ارتفاع مستوى البحر ومياه المحيطات ظهرت تقديرات أكبر.

إن فيضانًا في المدن الساحلية الكبرى كالذي يحدث مرة كل 100 عام، يمكن أن يصبح سنويًا بداية من عام 2050، ويشمل ذلك المدن الكبرى مثل جاكرتا ومانيلا وبانكوك وليما وسنغافورة وبرشلونة وسيدني وذلك وفقًا لـ IPCC. وفي الولايات المتحدة تشمل المدن التي تواجه هذا الخطر السريع على مستوى سطح البحر لوس أنجلوس وميامي وسافانا وهونولولو وسان خوان وكي ويست وسان دييغو.

أشار جارسيتي، عمدة لوس أنجلوس بوصفه عضو مجموعة عمداء المناخ، إلى أن مدينته قد نظرت بالفعل في هذه المخاطر ودرست كلًا من شواطئ فينيسيا ومارينا ديل ري على وجه الخصوص لأنه من المحتمل أن ينتقل مد الفيضانات في المستقبل لمسافة كبيرة داخل البلاد، وقال: «نحاول معرفة المزيد عن إمكانية التكيف مع هذا الوضع، يمكننا جميعًا محاولة بناء جدران حول الأرض لحماية مدننا، لكن يمكننا أيضًا اتخاذ إجراء جماعي للتأكد من عدم حدوث ذلك».

أشار كيرك كالدويل عمدة هونولولو إلى أن الدراسات في مدينته تشير إلى ارتفاع حاد في مستوى سطح البحر، وقال كالدويل: «مع أنه من المزعج أن يتم تأكيد ذلك من قبل الكثير من العلماء، إلا أننا لا نستغربه»، وأضاف أنه أمر جميع المراكز الإدارية في المدينة بالتخطيط مع أخذ التغير المناخي بعين الاعتبار وأشار أن هونولولو تقوم حاليًا بتصميم نظام سكك حديدية داخلي بشكل يحميه من 6 أقدام من مستوى ارتفاع سطح البحر.

ومثل المدن الساحلية، تواجه الدول القائمة على الجزر الصغيرة الخطر ذاته ما جعلها من أكثر الدول ضغطًا من أجل اتخاذ اجراءت أكثر جدية، ولأن ارتفاع مستوى سطح البحر يسبب تضخمًا في أحداث العواصف بشكل كبير، قال مايكل أوبنهايمر، عالم المناخ في جامعة برينستون الذي قاد فصل ارتفاع مستوى سطح البحر في التقرير: «بحلول منتصف القرن ستعود فجأة مستويات الفيضانات مرة واحدة سنويًأ في كثير من الأحيان، ومن هنا سيزداد الأمر سوءًا، نتحدث هنا عن نوع من العواصف الذي يسبب خسائر في الأرواح والممتلكات وإغلاق المدن». ويقول أيضًا: «إن شدة حدث فيضان المئة عام ستتنوع كثيرًا ولن يكون دائمًا كارثيًا في مكان واحد بالتحديد، ومع ذلك تؤكد النتيجة مدى الاختلاف الكبير الذي يمكن أن تحدثه الزيادة الثابتة في مستوى سطح البحر ومياه المحيطات».

وجد العلماء أنه على الرغم من إمكانية التكيف مع ارتفاع منسوب البحار إذا تم الإبقاء على الانبعاثات العالمية منخفضة بشكل ما على مدار القرن، إلا أن النظام ما يزال يميل إلى خسائر هائلة في الجليد في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية فمن الممكن أن يصبح معدل الارتفاع كارثيًا بحلول العامين 2200 و2300 بما يتجاوز 10 أقدام.

وجد العلماء أن ذوبان الجليد يتسارع في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، وسجل الجليد السرمدي (Permafrost)، والذي يحتوي على كميات هائلة من الكربون التي يمكن إطلاقها أثناء ذوبان الجليد، مستويات عالية من درجات الحرارة، ومن المحتمل أن نسبة الجليد البحري في القطب الشمالي الصيفي أقل من أي وقت مضى خلال ما لا يقل عن 1000 عام، والجليد الأقدم والأكثر سماكة انحدر 90% منه.

ويشير التقرير إلى أن محيطات العالم بأكملها ستنتقل إلى ظروف غير مسبوقة خلال القرن الحادي والعشرين، لأنها تفقد الأوكسجين وتزداد فيها درجة الحامضية وتستقبل نسبة أعلى من الحرارة ما يجعلها أكثر طبقيّة -تحتوي على طبقات أكثر- فوجود الماء الدافئ على السطح يمنع المياه الباردة والغنية بالمغذيات من الارتفاع، كل هذه التغييرات لها عواقب سيئة جدًا على النظم الإيكولوجية البحرية. ومن بين أكثر النتائج إثارة للصدمة “موجات الحرارة البحرية” التي يسببها الموت الجماعي للشعاب المرجانية وغابات عشب البحر والكائنات الحية الرئيسية الأخرى في المحيطات.

تُعزى الغالبية العظمى من هذه الأحداث بشكل مباشر إلى تغير المناخ وبحلول عام 2100 ستصبح أكثر شيوعًا بعشرين مرة في أفضل الحالات و50 مرة في أسوأ حالة لدى مقارنتها بأواخر القرن الثامن عشر.

تطرأ هذه التغييرات على المحيطات والجليد في أجزاء من الأرض حيث يعيش عدد قليل من الناس وبالتالي فإن التحولات ليست مرئية دائمًا بسهولة لمعظمنا، لكن التغييرات التي تحدث هناك ستؤثر في نهاية المطاف على جميع أنحاء العالم ومع تفاقم تلك الآثار تزداد صعوبة التكيف معها.

قال تيد شور خبير الجليد السرمدي في جامعة أريزونا الشمالية وأحد كتاب التقرير: «يختبر الناس في القطبين التغير المناخي أكثر بكثير من بقيتنا، لكنني أظن أنه في المستقبل كل من يعيش خارج الدوائر القطبية سيتعرض لتلك الآثار».

اقرأ أيضًا:

تقديرات بارتفاع مستوى سطح البحر قد يتضاعف خلال الـ 100 سنة القادمة

خريطة جديدة لما تحت جليد غرينلاند تظهر إرتفاع مستوى البحر

ترجمة: أسامة ونوس

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر