يشير مصطلح الوقاية الأولية من السكتات الدماغية Primary stroke prevention إلى طرق الوقاية عند الأشخاص الذين لم تسبق إصابتهم بالسكتة الدماغية أو النوبات الإقفارية العابرة transient ischemic attack (TIA)، أما الوقاية الثانوية Secondary prevention: فهي طرق الوقاية عند الأشخاص الذين أُصيبوا سابقًا بسكتة دماغية أو نوبة إقفارية عابرة؛ لمنع تكرر الحالة.

تنقسم عوامل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية إلى عوامل قابلة للتعديل modifiable وأخرى غير قابلة للتعديل nonmodifiable. تتضمن عوامل الخطورة غير القابلة للتعديل: العمر، والعرق، والجنس، والإثنية ethnicity، والتاريخ العائلي للإصابة بالسكتة أو النوبات الإقفارية العابرة. أما العوامل القابلة للتعديل فتتضمن: ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع دهون الدم، والسكري، ونمط الحياة. وهي التي سيتناولها هذا المقال بالتفصيل.

عوامل خطورة حدوث السكتة الدماغية والنوبات الإقفارية العابرة هي ذاتها عوامل خطورة تكررها، إذ يُعرّض من تعرضوا لسكتة دماغية أو نوبة إقفارية مسبقًا أكثر لتكرر الحالة. يبلغ الخطر السنوي للإصابة المستقبلية بالسكتة بعد الإصابة الأولى 3 – 4% وهو رقم منخفض بشكل لافت عن العقدين الماضيين، ويرجع هذا إلى انتشار ممارسات الوقاية المعتمَدة بما فيها المعالجة المضادة للصفيحات، والتدبير الفعال لارتفاع ضغط الدم والدهون في الدم، ومعالجة الرجفان الأذيني.

الوقاية الثانوية

تؤكد الإرشادات الحديثة للسكتة والنوبات الإقفارية العابرة على أهمية نمط الحياة، اعتمادًا على الأدلة المتزايدة على دور تعديل نمط الحياة في خفض الخطر الوعائي.

ارتفاع ضغط الدم

يُعَد ارتفاع ضغط الدم عامل الخطورة الأهم، إذ إن نحو 70% من المصابين بالسكتة لديهم سوابق ارتفاع ضغط الدم. تُظهر الأدلة فاعلية خفض الضغط في الوقاية الثانوية، إضافةً إلى ذلك، أوضحت دراسة تحليلية فائدة خفض ضغط الدم في منع تكرر السكتة. إجمالًا، ترافقت المعالجة بالأدوية الخافضة للضغط مع انخفاض بنسبة 22% في احتمال معاودة السكتة.

ينصح الخبراء ببدء المعالجة الخافضة للضغط عند البالغين الذين لديهم تاريخ سكتة أو نوبة إقفارية عابرة، ويبلغ ضغط دمهم 90/140 ملم زئبقي أو أكثر. يهدف هذا إلى خفض ضغط الدم دون أفضلية لدواء معين أو صنف دوائي معين على غيره.

ارتفاع دهون الدم

تشير البيانات إلى وجود ارتباط محدود بين ارتفاع مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة LDL وارتفاع خطر الإصابة بالسكتة الإقفارية عند الناجين من السكتات والنوبات الإقفارية.

درست تجربة سريرية أثر خفض مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة (الكوليسترول السيّئ) في الوقاية الثانوية، ووجدت انخفاضًا في حدوث السكتة بنحو 2.2% خلال 5 سنوات من المتابعة في المجموعة التي تلقت أتورفاستاتين (عقار خافض للكوليسترول) مقارنةً بمجموعة الدواء الوهمي placebo (يرافق المعالجة بالستاتينات ارتفاع خطر السكتة النزفية hemorrhagic stroke، لذا يجب تجنبها عند الناجين من إصابة بالنزف الدماغي intracerebral hemorrhage).

تقتضي التوصيات معالجة ارتفاع دهون الدم بين المرضى الذين لديهم سوابق سكتة أو نوبة إقفارية عابرة. تهدف معالجة كوليسترول الدم إلى خفض خطر تصلب الشرايين في الجهاز القلبي الوعائي Atherosclerotic Cardiovascular Risk عند البالغين، ويُنصح بجرعات عالية من الستاتينات (لخفض الكوليسترول منخفض الكثافة بنسبة 50% أو أكثر) عند مرضى السكتات المرتبطة بتصلب الشرايين بعمر 75 أو أقل، والذين لديهم مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة 190 مغ/دل أو أكثر.

الداء السكري

تنتشر الإصابة بالسكري diabetes mellitus (DM) وما قبل السكري prediabetes بين مرضى السكتات الدماغية. يُقدر انتشار السكري بحوالي 25 – 45% عند الناجين من السكتة الدماغية والنوبات الإقفارية العابرة، إذ يتعرض مرضى السكري لخطر أعلى لمعاودة السكتة، إذ وجدت إحدى الدراسات أن خطر معاودة السكتة عند مرضى السكري أكبر بنحو 1.6 مرة مقارنةً بغير المصابين بالسكري، ولذلك يجب أن يُجري كل شخص تعرض لسكتة أو نوبة إقفارية عابرة تحليلًا للسكري.

لا توجد دراسات حول دور خفض مستوى السكر في الدم في الوقاية الثانوية، وإن كانت التوصيات العامة تعتمد أساسًا على تدبير السكري بشكل جيد، وتعديل نمط الحياة، والمعالجة الدوائية.

لم تحدد الدراسات قيم الغلوكوز المُثلى بين مرضى السكتة الدماغية، ولم تتضح فائدة خفض قيم الغلوكوز بالدم، لكن يجب على الأطباء اتّباع توصيات الجمعية الأمريكية للسكري ADA بالسيطرة على نسبة السكر في الدم وتدبير عوامل الخطر القلبية الوعائية.

لا يوجد دليل يُفضل أحد الأدوية المضادة للسكري على غيره في الوقاية الثانوية من السكتة الدماغية، وما زال هذا مجالًا للبحوث المكثفة. توصي الجمعية الأمريكية للسكري بالإجراءات التي تهتم بالمريض، وتأخذ بعين الاعتبار أهمية خفض مستوى السكر في الدم إلى القيم المرغوبة، والآثار الجانبية للأدوية الموصوفة، والتكلفة.

زيادة الوزن والبدانة

تُعرف البدانة بأنها ارتفاع مؤشر كتلة الجسم BMI إلى 30 كغ/ م2 أو أكثر، ويرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية الأولية. ترتبط البدانة المركزية (زيادة محيط الخصر) أكثر بالسكتة الدماغية الأولية مقارنةً بالبدانة الشاملة.

تُشخَّص البدانة عند نحو ثلث الأشخاص الذين أصيبوا حديثًا بالسكتة الدماغية أو النوبة الإقفارية العابرة، وترتبط بزيادة عوامل الخطر الوعائية. يُعَد ارتباط البدانة بمعاودة حدوث السكتة الدماغية أمرًا مثيرًا للجدل، إذ تشير الدراسات إلى أن المرضى الذين يعانون من البدانة الشديدة والسكتة الدماغية لديهم خطر أقل لمعاودة الحدث الوعائي vascular event مقارنةً بالنحيفين.

الوقاية الثانوية من السكتات الدماغية الوقاية الأولية من السكتات الدماغية النوبات الإقفارية العابرة ارتفاع خطر السكتة النزفية الجلطة الدماغية

وهو أمر محير لأن المفترض أن يرتبط فقدان الوزن بتحسن عوامل الخطر الوعائية الرئيسة التي تتضمن زيادة دهون الدم، والسكري، وارتفاع ضغط الدم، والالتهاب، لكن قد يعود سوء تقدير الأثر السلبي للبدانة إلى وجود تحيز في الدراسة. الخلاصة أن فقدان الوزن يقلل من عوامل الخطر القلبية الوعائية، إلا أن فائدته في الوقاية من السكتة الدماغية الثانوية غير واضحة.

على الرغم من العلاقة غير المؤكدة بين البدانة ومعاودة السكتة الدماغية، فإن أحدث الإرشادات توصي بالتحقق من مؤشر كتلة الجسم والبدانة عند جميع المرضى الذين أصيبوا بالسكتات الدماغية أو النوبات الإقفارية العابرة.

الخمول البدني

يقلل النشاط البدني من عوامل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، لكن لم تتحقق التجارب السريرية من فعالية التمارين الرياضية في الوقاية الثانوية من السكتة الدماغية، وتستند فائدتها المفترضة إلى أدلة غير مباشرة مرتبطة بتقليل عوامل الخطر، مثل ضغط الدم، وتمثيل الدهون، ومقاومة الإنسولين، وتدبير الوزن.

توصي جمعية القلب الأمريكية AHA البالغين بممارسة التمارين الهوائية aerobic physical activity 3 – 4 مرات أسبوعيًا، مدة 40 دقيقة كل مرة، ومع ذلك يحقق أقل من نصف البالغين الأمريكيين خارج مراكز الرعاية هذا الهدف.

قد يكون تنفيذ هذه التوصيات صعبًا عند الناجين من السكتة الدماغية بسبب ضعف الحركة، وتغير الإدراك والتوازن، وتأثر القدرات المعرفية، أما عند الناجين القادرين على ممارسة الرياضة، فيجب الالتزام بهذه التوصيات. يُفضل أن يشرف اختصاصي إعادة التأهيل على المرضى الذين أصيبوا بإعاقة بعد تعرضهم للسكتة الدماغية، في بداية برنامج التمرين على الأقل.

النظام الغذائي

يمكن لبعض مكونات النظام الغذائي أن تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وبالتالي زيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، ومنها زيادة تناول الصوديوم، والاستهلاك المفرط للكحول، إضافةً إلى الوزن الزائد. يُوصى لتقليل خطر الإصابة بالسكتة الدماغية باتباع النظام الغذائي الهادف إلى خفض ضغط الدم DASH عبر نطان يعتمد نسبة عالية من الفاكهة والخضراوات ومنتجات الألبان قليلة الدسم، وتقليل تناول الصوديوم والدهون المشبعة.

دُرس مؤخرًا النظام الغذائي المتوسطي Mediterranean diet (نسبةً إلى دول حوض البحر المتوسط) وعلاقته بخفض خطر الإصابة بالسكتة الدماغية. يركز هذا النظام على الفاكهة والخضار والحبوب الكاملة ومنتجات الألبان قليلة الدسم والدواجن والأسماك وزيت الزيتون والمكسرات، مع الحد من الحلويات واللحوم الحمراء.

ووجدت الدراسة تأثيرًا كبيرًا لهذا النظام في الوقاية الأولية من السكتة الدماغية مقارنةً بالنظام الغذائي قليل الدسم. تضم التوصيات المقدمة لمرضى السكتة الدماغية ومرضى النوبات الإقفارية العابرة اتباع النظام الغذائي المتوسطي، وتخفيض استهلاك الصوديوم إلى أقل من 2.4 غرام يوميًا، وإلى أقل من 1.5 غرام يوميًا لخفض ضغط الدم بشكل أكبر.

التدخين

تؤكد الدراسات وجود صلة بين التدخين والسكتة الإقفارية الأولية، وإن كانت الأدلة حول دور الإقلاع عن التدخين في الوقاية الثانوية من السكتة الدماغية أقل وضوحًا. يبلغ احتمال إصابة المسنين المدخنين بالسكتة المعاودة recurrent stroke ضعف احتمال إصابة المسنين غير المدخنين.

لم تتحقق التجارب السريرية من دور الإقلاع عن التدخين في الوقاية الثانوية من السكتة الدماغية أو النوبة الإقفارية العابرة، ولكن نظرًا إلى وضوح الأدلة حول الآثار الضارة للتدخين، لن تُجرى مثل هذه التجارب على الأرجح.

يجب أن يُنصح جميع المرضى الذين أصيبوا بالسكتة الدماغية أو النوبة الإقفارية العابرة من المدخنين بالإقلاع عن التدخين وتجنب التدخين السلبي، كما يوصى بطلب الاستشارة قبل استخدام منتجات النيكوتين المساعدة، والأدوية الفموية المستخدمة للإقلاع عن التدخين.

استهلاك الكحول

قيّمت بعض الدراسات العلاقة المباشرة بين استهلاك الكحول والسكتة الدماغية، ووُجد أن الارتباط بين السكتة الإقفارية والكحول يتخذ شكل حرف J، ما يعني أن الاستهلاك الخفيف والمعتدل ذو أثر وقائي، بينما يحمل التعاطي الأكبر خطورةً عاليةً. يرتبط التأثير الوقائي بتأثير الكحول على البروتين الدهني عالي الكثافة HDL (الكوليسترول الجيد)، بينما يرتبط الخطر المرتفع الناتج عن زيادة الاستهلاك بتأثير الكحول على ضغط الدم، والسكري، والرجفان الأذيني.

بما أن استهلاك الكحول يمكن أن يؤدي إلى الاعتماد، ونظرًا لأن الإدمان الكحولي يمثل مشكلةً كبيرة في الصحة العامة، ينصَح بإيقاف استهلاك الكحول أو تخفيفه عند الذين يتناولونه بكثرة. يُعتبر الاستهلاك الخفيف أوالمعتدل (حتى كأسين يوميًا للرجال وكأس واحدة يوميًا للسيدات) مقبولًا، ويجب على من لا يشرب الكحول أن يحافظ على ذلك وأن يحذر من شربه.

العلاجات المضادة للصفيحات ومضادات التخثر

يُعَد العلاج بمضادات الصفيحات antiplatelet أو مضادات التخثر anticoagulant ركنًا أساسيًا في الوقاية الثانوية من السكتة الدماغية، ويتوقف تحديد أي منهما على آلية السكتة الدماغية.

وافقت إدارة الغذاء والدواء FDA على 4 عقاقير مضادة للصفيحات للوقاية من الحدث الوعائي عند الأشخاص الذين تعرضوا لسكتات دماغية، أو نوبات إقفارية عابرة ناتجة عن جلطة غير قلبية noncardioembolic، وهي: الأسبرين، وتركيبة (أسبرين + ديبيريدامول)، وكلوبيدوغريل، وتيكلوبيدين. يمكن لكل من هذه العوامل الأربعة خفض خطر معاودة السكتة والاحتشاء القلبي بنسبة 22% تقريبًا.

لكن توجد اختلافات مهمة في الآثار وفي الاستخدام بين العقارات الأربعة. يوصى باستخدام الأسبرين وحده أو مع ديبيريدامول علاجًا أوليًا لمنع معاودة السكتة، ويستخدم كلوبيدوغريل بديلًا للأسبرين للمرضى الذين يعانون من الحساسية للأسبرين.

لا يُنصح باستخدام الأسبرين مع كلوبيدوغريل في الوقاية الثانوية الروتينية طويلة الأمد بسبب ارتفاع خطر النزف، ونادرًا ما يستخدم تيكلوبيدين في الاستخدامات السريرية بسبب آثاره الجانبية وتوفر الأدوية الأحدث.

الرجفان الأذيني

يُعد الرجفان الأذيني atrial fibrillation أحد عوامل الخطر المهمة في حدوث السكتة الدماغية، ويتسبب في نحو 10- 12% من جميع حالات الإصابة بالسكتة الدماغية سنويًا. توجد عدة أدوات مصدقة لتقييم خطر الإصابة بالسكتة الدماغية عند مرضى الرجفان الأذيني، ويؤخذ بعين الاعتبار عوامل مثل: الفشل القلبي المرافق، وارتفاع ضغط الدم، والسكري، والعمر.

تُظهر الأبحاث زيادةً في خطر الإصابة بالسكتة الدماغية مع ارتفاع الدرجات التي يحصل عليها المريض في هذا التقييم (أي عند وجود الأمراض المرافقة). يُلاحظ أن لاستخدام الوارفارين من قِبَل مرضى الرجفان الأذيني دورًا واضحًا في الوقاية الأولية والثانوية من السكتة الدماغية.

جرعة الوارفارين المُثلى للوقاية من السكتة الدماغية عند هؤلاء المرضى هي التي تحقق نسبة معيارية دولية INR بين 2.0 إلى 3.0 (INR أو مؤشر سيولة الدم هو مقياس لميل الدم للتجلط، والمعدل الطبيعي له 0.8 – 1.2). يمثل الحفاظ على المستوى العلاجي تحديًا، فإذا حصل مريض الرجفان الأذيني على مستويات دوائية تحت علاجية subtherapeutic levels، فلن يحصل على الوقاية الكافية من السكتة الدماغية.

يمكن استخدام العوامل الأحدث، مثل أبيكسابان apixaban ودابيغاتران dabigatran وريفاروكسابانrivaroxaban ، في الوقاية الثانوية من السكتة الدماغية عند المرضى الذين يعانون من رجفان أذيني غير صمامي nonvalvular AF. يوصى باستخدام الأسبرين وحده في حالة المرضى الذين لا يستطيعون تناول مضادات التخثر الفموية. يعتمد الأطباء في اختيار الدواء على عوامل الخطورة عند المريض، والتفضيلات، والتفاعلات الدوائية drug interactions، وغير ذلك من الخصائص السريرية.

اقرأ أيضًا:

الباحثون يصممون قفازًا لعلاج أعراض السكتة الدماغية

اكتشاف نوع جديد من الجزيئات يمكن أن يحمي من السكتة الدماغية

ترجمة: سارة الدنيا

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: تسنيم الطيبي

المصدر