ربما سمعت من قبل بمفهوم قطة شرودنجر، إذ يمكن أن تكون القطة داخل الصندوق حية وميتة في نفس الوقت، وغالبًا ما يستخدم المفهوم لتوضيح مفارقة التراكب الكمي في فيزياء الكم.

تَمكن العلماء مؤخرًا من تطبيق هذه النظرية على جزيئات ضخمة مكونة من 2000 ذرة، وقد اختُبِر التراكب الكمي من قبل على أنظمة أصغر، إذ أثبت علماء الفيزياء بنجاح أن الجزيئات المفردة يمكن أن تتواجد في مكانين بنفس الوقت، لكن هذا النوع من التجارب لم يسبق تطبيقه على جزيئات كبيرة من قبل.

تُمكّن التجربة العلماء من تحسين فرضياتهم حول ميكانيكا الكم، وفهم المزيد عن كيفية عمل هذا الفرع المذهل من الفيزياء، وأيضًا معرفة الترابط بين قوانين ميكانيكا الكم وقوانين الفيزياء التقليدية واسعة النطاق.

صرح الباحثون أن نتائجهم تتفق اتفاقًا كبيرًا مع النظرية الكمومية، وأنه لا يمكن تفسيرها بالطريقة الكلاسيكية، وتتضمن الدراسة الجديدة معادلة شرودنجر التي توضح كيف يمكن للجسيمات المفردة أن تتصرف كموجات في أماكن متعددة في نفس الوقت، وتتداخل مع بعضها تمامًا مثل التموجات على سطح بركة الماء.

لاختبار ذلك، أجرى العلماء التجربة الشهيرة في فيزياء الكم، تجربة الشقين المزدوجينdouble slit experiment.

تُجرى التجربة على جهاز يطلق جزيئات مفردة من الضوء (فوتونات) تعبر من خلال شقين، ببساطة إذا تصرفت الفوتونات كجزيئات فإن النتيجة على الجانب الآخر ستظهر كنمط واحد، لكن النتيجة تظهر على الجانب الآخر كنمط متداخل، ما يدل على أن جزيئات الضوء يمكن أن تتصرف كموجات.

لأول مرة في فيزياء الكم.. وضع جزيء واحد مكون من ألفي ذرة في مكانين بنفس الوقت مبدأ التراكب الكمي القطة داخل الصندوق حية وميتة في نفس الوقت

يبدو كما لو أن الفوتونات متواجدة في مكانين في نفس اللحظة، تمامًا مثل قطة شرودنجر، لكننا نعلم أن القطة تكون في حالتين في نفس الوقت عندما تكون غير خاضعة للمراقبة، وبمجرد أن يُفتح الصندوق فإنها تأخذ حالة واحدة فقط، إما حية أو ميتة وليس كلتا الحالتين، وينطبق نفس الشيء أيضًا على الفوتونات، فبمجرد قياسها أو مراقبتها، تختفي حالة التراكب الكمي ويتصرف الفوتون كجسيم فقط وذلك أحد ألغاز ميكانيكا الكم.

لقد أُجريت التجربة من قبل مع الإلكترونات والذرات والجزيئات الصغيرة، والآن أثبت الفيزيائيون أنها تنطبق أيضًا على جزيئات أضخم، إذ استخدم العلماء جزيئات ثقيلة مكونة من 2000 ذرة لإنشاء أنماط تداخل كمي فتتصرف كما لو كانت أمواجًا وتتواجد في أكثر من مكان.

تسمى هذه الجزيئات الكبيرة oligo-tetraphenylporphyrins المدعمة بسلاسل فلورو الكيل السلفانيل fluoroalkylsulfanyl chains وكان بعضها أكبر من ذرة الهيدروجين بـ 25000 مرة.

تصبح الجزيئات أقل استقرارًا مع ازدياد حجمها، ولم يتمكن العلماء من جعلها في مكانين في نفس الوقت إلا لمدة 7 ملي ثانية، باستخدام جهاز حديث يسمى مقياس تداخل موجات المادة (matter-wave interferometer)مصمم لقياس الذرات على طول مسارات مختلفة. حتى عوامل مثل دوران الأرض وسحب الجاذبية، أخذت في عين الاعتبار.

لقد كان الأمر يستحق هذه الجهود – ونعلم الآن أن هذه الجزيئات الكبيرة يمكن أن تتواجد في مكانين في نفس الوقت، كما هو الحال مع الذرات الأصغر حجمًا.
ونظرًا لأن ميكانيكا الكم تعمل على نطاق صغير جدًا، والفيزياء الكلاسيكية على نطاق أكبر، فكلما زاد حجم الجزيئات التي يمكننا العمل عليها من خلال تجربة الشق المزدوج، اقتربنا من حدود العالم الكمومي. وقد أجري من قبل هذا النوع من التجارب على جزيئات يصل حجمها إلى 800 ذرة.

قال الفيزيائي من جامعة فيينا، ياكوڤ فين: «تظهر تجاربنا أن ميكانيكا الكم شديدة الغرابة، وأنا متفائل بأن التجارب المستقبلية ستختبرها على نطاق أوسع بكثير».

نشر البحث في مجلة Nature Physics.

اقرأ أيضًا:

العلاقة الغريبة بين الدماغ البشري وفيزياء الكم

ميكانيكا الكم – هل ترهق فيزياء الكم ذهنك؟ اليك هذه المقالة

ميكانيكا الكم – هل ترهق فيزياء الكم ذهنك؟ اليك هذه المقالة

ترجمة: محمد رشود

تدقيق: سمية المهدي

المصدر